الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيال العنف: المسلمون في أوروبا الكافرة!!

سامي عبدالعال

2016 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأعمال الدموية التي يرتكبها شباب اسلامي في أوروبا ليست مصادفةً. إنها وعود وتهديدات ونصوص بعمر الاسلام السياسي. لم يكن هذا الشاب أو ذاك إلاَّ وقد رُوبي ونُشّيءَ على تصنيفات القتل: مؤمن / ملحد، اسلام / كفر، غرب/ شرق، الله/ الشيطان، حياة الهداية/ حياة الضلال. فكيف ستكون النتائج التالية؟
هكذا ليس لمسلمي أوروبا المتطرفين إلاَّ مخزون العنف. إنَّ أجسادهم وعقولهم قنابل قابلة للتفجير. وللأسف فإن حشو القنابل شرقيٌ إسلامي خالص. والفتيل الذي ينفجر بعده كل شيء مجرد مبرر فقهي أو لاهوتي فارغ من الحياة. لمَ لا وهم مقبرةٌ حيةٌ لفتاوى التكفير. ولاستحلال دماء المسيحيين واليهود...أموالهم وأولادهم ونسائهم.
هم إذن في بلاد الكفار كما يصنف الفقهاء وأصحاب التنظيرات الجهادية كأبي الأعلى المودودي وسيد قطب وغيرهما. فإذا كانت ديار الإسلام ديار أمن وسلام فإنَّ ديار اوروبا لهي خريطة الدماء المفترضة. إنَّ المسلم يصاب بصدمة قاتلة بمجرد أن تطأ قدماه أوروبا. لا لشيء إلاَّ لأن ما يعرفه عن الحياة والآخر والعالم يتضاءل إلى درجة التلاشي. هذا التصور يخترق كافة الاتجاهات: تقليدية وتنويرية.... بأي معنى ذلك؟
لقد نوه الشيخ الأزهري المعمم رفاعة الطهطاوي إلى باريس قائلاً: بلاد الجن والملائكة!! أيُّ جن إذا كان ما يحمله برأسه محض هواجس من بطون كتب الفقه والتفسير والحواشي؟! وأية ملائكة مادام يصنف الآخر، المغاير حضارياً، بوصف مناوئاً ديناً وأخلاقاً؟ إنَّ الطهطاوي مهما قيل عن استنارته تكشف القراءة العميقة لكلامه: كم كانت عقول الأزهريين قشور برانية لإحساس اقصائي مدمر. إنَّه طوال الوقت يتحدث عن الفرنسيين وعاداتهم ومكانة المرأة لديهم والدستور وطبيعة الدولة والحياة الاجتماعية بنظرة ليست بريئة دينياً. هي نظرة منحازة سلفاً إلى ما ينبغي أن يكون في ضوء التاريخ الإسلامي. أي كان الإسلام كنموذج ميتافيزيقي لدى الطهطاوي هو الفيصل.
وهو إذ يفعل يقف للأوروبيين بالمرصاد كاشفاً إلى أي مدى يختلف هؤلاء عنا. وكأنه يقول نحن في حالة تناقض حضاري حاد. لأننا أصحاب الدين الحق بينما هم أهل الباطل. كما أنَّه يتم التحدث كأنهم غائبون بينما الكلام يقيم حالتهم عن كثب. ذلك يؤكد بخلفية المتابع كم نحن مختلفين جذرياً عن أوروبا. ولسنا في حاجة إلى ما يؤمنون ولا ما يعتقدون. فقط يا ليت لدينا معارفهم وتقنياتهم لإحراز سبق المدنيّة والتقدم!! تلك هي الرؤية السطحية التي لا تعرف تطوراً تاريخياً ولا حضارياً للغرب.
والأوضح أنَّ الطهطاوي جعل ثقافته معياراً لدراسة الآخر. ووضَّعه في قوالب ذهنية ليسوا هم كذلك الضرورة. وهذا يتضح أكثر في حديثه عن العلاقات بين الرجل والمرأة. حيث يشير دوماً إلي أخلاقيات الشرق. فتحرص التقاليد لدينا على علاقاتٍ بعينها. وبذات الوقت ينفيها – يستنكرها- إزاء الأغيار بحسب قيمهم وطرائق حياتهم الاجتماعية. وهذه النظرة عنيفة في أساسها. لأنها نمطية ولا تتجاوز الفوارق الحضارية بين الشرق والغرب. كيف لأزهري معمم أن يرى الحقائق والحياة خارج عمامته؟!
وما حدث مع هذا الشيخ المعمم حدث مع محمد عبده. كيف لهؤلاء الشيوخ الأقحاح أن يحاكموا أوروبا أخلاقياً وفكرياً؟! فلم يتخلصوا من العبارات التكفيرية. الفارق أن التكفير لدى الجماعات الإرهابية كان بارزاً بينما يُغلَّف لدى المستنيرين بالإعجاب تجاه الغرب. فالتصنيف واحد: المسلم/ غير المسلم. وبالتالي المواقف واحدة. فالاثنان(الطرفان) لم يفهموا لماذا يختلف الغرب عن الشرق. لأنهم لم يفهموا ابتداءً الأسس الفلسفية والفكرية للحضارة الغربية. فهم فقهاء في جبة عصرية لا تُغير شيئاً لا في التاريخ ولا الجغرافيا.
بالتالي لا يجب وضع مسلمات أمام قراءة(الفكر العربي الحديث!!). فأكبر الأخطار فلسفياً النظر إلى ممثليه كالطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الافغاني كرموز للتنوير. إنَّ في كتاباتهم طبقة من الجمود والتصنيف غير العقلاني لقضايا الشرق والغرب. وإذا حفرنا وراءها سنجد أن أغلب قضاياهم مشبعة بآراء فقهية وانحيازات دينية بالأساس. وأن التسامح ونقل التحضر والأفكار "حيلة عصرية" لمواكبة التطورات. وأنَّه لا مهرب حضاري لديهم من التعلُّم. لكن الكراهية هي هي.
لقد كانت اجاباتهم لسؤال: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ اجابات غير صحيحة. لأن الحضارات لا تقارن كأنها تمتلك الدرجة الصفر ذاته للتقدم. كما أنَّ الاستفهام يؤكد الاقصاء والتنافر. وكذلك يقارن حالتين لا مجال للمقارنة بينهما حياتياً. لأنَّ كل حضارةٍ لها طابعها المميز من الوجود. وأنَّه لا يجب احتذاء الواحدة للأخرى اطلاقاً. وإلاَّ لأضحت أحداهما عبئاً تاريخياً لا قيمة له. إنَّ تاريخ العرب المعاصر كله كان سائراً بالطريق نفسه. لا قيمة حضارية لهم، إنهم طفيليات متسلقة على أكتاف الغرب... معرفة وعلماً وتقنية.
إنَّ مناقشة محمد عبده لقضايا العصر في كتابه "الاسلام بين العلم والمدنية" أمر غير منطقي. لأنَّ الاسلام كدين إجمالاً ليس معنياً بماهية المدنية والمعرفة العلمية الراهنة. كما أنه " كلمة عامة" بما لا تحد إجمالاً. فأي اسلام يقصد محمد عبده؟ هل الاسلام الإعتزالي كما هو مشهور عنه؟ إذا كان ذلك كذلك فلم يقدم رؤية متماسكة حول العالم والحضارة. تلك الأشياء التي تعتبر خارج نطاق الدين بأي معنى كان. ويصعب بل يستحيل التحدث عن الدين إلا في إطار تجربة حياتية بعينها. وبالتالي لن تقارن بسواها إلاَّ بالاختلافات وبعوامل القصور.
كما أنَّ تصورات الدين والاسلام والحقيقة والعلم- وإنْ وردت في جذور تاريخية لدينا- لم تتخلص بعد من الدلالات التقليدية. وهذا يتجاوز فكرة الاسلام الإعتزالي أو الأشعري أو الشيعي. جميع الإسلامات تتطلب غربلة وتنقية صارمتين. لأنَّ بذور التخلف الفكري كامنة فيها كصناعة بشريةٍ. الاسلام في أشكاله المذهبية ليس نقياً ولن يكون. أشكال الفرّق والملّل والنحل الكلامية. فالقضية لا تقاس بالأوصاف العامة من جهة العقلانية والنقد والتفكير. بل بكيفية المضامين التي يحملها للحياة المنتظرة منه. وأنَّ الحيوات تتلاقى خلال مستواها الإنساني الذي لا يقبل تصنيفاً ولا كراهيةً. فلئن كنتَّ تحمل حياة فإنك ستقابل نفس المصير وإلاَّ فالعكس مدمر.
إذا كان هذا شأن التنويريين فكيف بغيرهم؟ يذهب المسلم العادي والمتطرف إلى أوروبا وهو يدرك أنه في بلاد مختلفة. لأن الحياة تثير داخله غرائز العدوان. بفضل الالحاح الديني كما يفهمه رعاة الشرق وفقهاؤهم. ففي الفضاء العام يقوم الخطاب الديني على الاساءة والتحريض تجاه ما يسميه بالعهر والاستعمار وانحلال المرأة. ثم يُرجِّع ذلك كلُّه إلى أوروبا وانتشار الموضات الفكرية والفنية والأيديولوجية. هذا الجهل لا يدرك من فوق المنابر أنَّ الحياة ليست فقط مظاهر وأشكالاً إنما قانون ثقافي. وأنَّ الأوروبي ينشغل كامل الانشغال بالعمل والانهماك في ابداع إيقاعه اليومي.
إنَّ نمط الحياة الأوروبية ينسف كلَّ تصورات الاسلاميين. لأنه نمط يلاصق روح الحياة المنفتحة. هذا الأصل الذي تشتغل عليه فتاوى الفقهاء بكراهية. وكان كبته وقمعه هما المنقذ الوحيد من عطالتهم. فروح الكهانة كامنة في شراح الدين ومفسروه كما لو كانوا يمتلكون الحقائق المطلقة من الله. بينما اتباعهم كائنات رغبوية تمشي على الأرض!! ولهذا حينما يعيش الاسلامي المتطرف في أوروبا إما أن يعرف روحها فيتماشى مع تسامحها الإنساني وتنوعها العرقي والفكري. وإما يتصلب بذهنية عدوانية تقطر دماً.
الأغلب أنه يأخذ الموقف الثاني باطناً أو ظاهراً. لينكفئ على نفسه وعائلته معتبراً الأوروبيين مما يجب مسايرتهم شكلياً. الإسلام في هذه الحالة يمثل حاجزاً ضد الحياة التي يحياها. لأنَّ خياله مجرد "كومة تحريمات" من عصور قاحلة مضت. يحملها بطبيعة المجتمعات التي نشأت فيها وفرَّخت. فهل هناك أي تحرير لهذا الخيال العنيف؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطر على الحضارة
سامي عبد العال ( 2016 / 7 / 18 - 23:26 )
شكراً عزيزي أبو أحمد مرورك على المقال. ولديك حق. لأنه لا يوجد شيء يقدمه المسلمون إلى الحضارة سوى العنف. وما لم يعيدوا نقد تاريخهم واكتشتف انتسانيتهم مرة أخرى فلن يكون ثمة مخرج قريب.

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran