الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوستالوجيا المسلم وبداهة الغرب

يوسف الصفار

2016 / 7 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نوستاليجيا المسلم وبداهة الغرب
احد الاساتذة تحول من الالحاد الى الايمان بفضل استغرابه من ظاهرة علمية هي كيفية بناء البعوضة لقارب تضع عنده بيوضها في المستنقعات ثم تأتي اجيالها لتمارس نفس الفعل وبدون علم مسبق . بهذه التفسير يخرج علينا بقناعاته العلمية عن وجود الله .. وهو لم يبحث عن اصول ومسببات هذه القدرة الغريزية التي تتمتع بها كثير من الاحياء . انما يعتقد للبعوضة عقل تتعلم من خلاله وتعلم اجيالها على الكيفية التي تضع فيه بيوضها , متناسيا مسببات اكثر الفعاليات الحياتية تأتي عن طريق انزيمات ,او عمليات كيمياوية تصاحب كل فعالية غريزية معقدة, ولا علاقة لها بالمعطيات اللاهوتية وهو مع هذا لم يخبرنا عن فعاليات اخرى كأن تفرز هذه البعوضة عصارات تمنع تخثر الدم تصاحبها عصارة اخرى مخدرة تجعل الانسان لايشعر بوخزتها الابعد حين . معتبرا البعوضة تمتلك قدرات استقرائية وتحليلية سماوية تملكتها عن طريق الخالق .
نحن لسنا بصدد اثبات وجود الله او انكاره بقدر توضيح الطريقة التي يفكر بها المؤمن جاهلا كان ام عالما لانه لايبحث عن الله في دواخله وانما تجده دائما يستنبط من الغرائب ما يعزز ايمانه وقناعاته فهو يتلاعب ً بالنص الالهي الذي يقول )ان الله لايستحي ان يضرب مثلا بعوضة فما فوقها (ويحورها الى كون العلم اكتشف ان فوق البعوضة حشرة صغيرة لاترى بالعين المجردة رغم وضوح النص من سياقه كون الله لايستحي ان يضرب مثلا بمخلوق بسيط وما فوقه اكبر او اعقد منه .
والمسلم ينبهر بابسط الظواهر الطبيعة فهو لايمتلك عقلية تحليلية تساعده على فهم الظاهرة .. نراه يهتز وينفعل عند كل مشاهدة جديدة وغريبة عليه مرددا تعويذة ( سبحان الله ) . هذه الجملة لاتعطينا مفاهيم علمية محددة او تدفعنا للرغبة باكتشاف مسببات ما نشاهده .فالله موجود في كل ادبياتنا الحياتية ابتداءً من حيرتنا بفهم الكون الى دخولنا الحمام ..الله بتصورنا ليس محبة ولطف رغم وجوده في نصوصنا كمحبة ولطف لكننا نتجاوزها الى نصوص العقاب والثواب محكومين دائما بالحديد والنار.
حياتنا دائما تتحكم بها رؤى غيبية . فحظوظنا وافعالنا محكوم عليها مسبقا لانجد بديلاً عنها مهما حاولنا وجاهدنا من اجل تغيرها . تكويننا النفسي والجسدي والبيئة الاجتماعية وتراكيبنا العضوية وقدراتنا العقلية ليس لها تاثير فممارساتنا الحياتية هي بنات ارادة الهية غائبة عن وعينا وارادتنا تتحكم بنا جبرية مسبقة لامناص للتخلص منها . ومع هذا فالمفاهيم الدينية تحذرنا من الحسد والحاسدين ومن السحرة وتطالبنا بالاستعانة على قضاء حوائجنا بالكتمان .فنتحول الى مرضى في مجتمعات كل واحد منا يخفي على الاخر اهدافه ونواياه فنبدأ بالشك بكل المحيطين بنا ونواياهم . حتى اقربائنا وابناء عمومتنا او اخواننا فيصبح الكذب والتدليس مواهب فذة نتمتع بها. اما النص فهو بديلنا عن الارادة الحرة يتطلب اجتراره بكل متعة متيسرة لنا . ومن يحيد عن هذه المفاهيم الالهية يصبح كاعور في بلاد العميان لامجال امامه غير ان يفقه عينه الاخرى .
ولان الحياة دار فناء فيتطلب منا ان نتمسك بداراخرى اكثر ايجابية فتتحول احلامنا النرجسية الى حالة من الارتخاء لممارسة طقوس متعددة حتى نرضي الذات الالهية المتربصة باقدارنا . وحين تواجهنا صعوبات لاقدرة لدينا على مواجهتها او تحريفها فان نرجسيتنا تتحول الى نوع من النوستالجية حالمين بواقع افتراضي سطرته لنا اقوال منقولة عديدة تلهمنا وتغذي ادمغتنا بافكار طافحة بالامنيات الجميلة .
ان ارغام انفسنا على الايمان بواقع قديم افتراضي منقول عن السلف الصالح .غاية بالبدائية والتعقيد فلوا ارجعنا تلك الازمان وكيفية معايشتها للواقع لما وجدنا غير السلب والنهب .. نغزوا ونذبح باسم الله مقتنعين بهذه الممارسة كحقيقة الهية لامناص منها متمثلين بالحديث ( الجهاد ماضي الى قيام الساعة ) جاعلين من البشر كلهم اعدائنا لا لشيء سوى اننا آمنا بنصوص القتل والتنكيل هذه حالمين بجنات الخلد وحور العين . فنتحول بالتالي الى شخصيات عصابية متأزمة .
ريجيس دوبريه كاتب وفيلسوف فرنسي معاصر يكشف لنا ان الشعور الديني يستيقظ عادة ليملأ فراغاً احدثه غياب الاحساس بالمواطنة او فقدان القناعة بجدوى المجتمعات المدنية او فشل العلمانين في تلبية ما يطمحون اليه ..
كثير منا يتوهم ماهية الغرب ولاننا نفسر مشاهداتنا باسلوب القياس فينبع تصورنا للغرب بانه يمتلك سياسة وايدلوجية فكرية لكننا لانعلم ان ايدلوجية الغرب وسياساته تتعلق بمدياته الاقتصاد ية و لا ينظر للامور بغير منظار الربح والخسارة وان اي طرح مخالف لغير هذا الفهم يقودنا الى اشكالات في التفسير.. فلو اخذنا على سبيل المثال الشركات المتعددة الجنسية لأدركنا مديات الكارتل الاحتكاري للراسمالية العالمية هذا الكارتل الضخم من الشركات المتعددة الجنسية الذي يمتلك ثمانين بالمئة من اجمالي مبيعات العالم توسع راسمال شركاته من 5503 مليار عام 1990 الى 18500مليار عام 2001 وان عدد الشركات المتعددة الجنسية 65الف شركة تتبع لها 850الف شركة في جميع انحاء العالم .
لذا فان الغرب لاينظر الى الانسان المهاجر اليه الا كونه قوة اقتصادية او قيمة مضافة مسلوخ من واقع انساني بائس يعيشه في بلده الذي لاتتوفر به ابسط مقومات العيش الكريم ناهيك عن القمع المزمن لحريته وافكاره , فحينما يلجأ هذا الحالم البائس الى دول الغرب الكافرة تتلقفه الجوامع والمنتديات الدينية الممولة من امراء الخليج الحاملين للفكر الوهابي المتطرف فيتكون في داخله احساس بالرضا والطمأنينة وتمتزج في رؤيته كل المتناقضات . وبالتدريج تُسلخ منه انسانيته فتبدأ عملية مكثفة لغسل عقله وضميره على السواء فيتحول الى شخصية عصابية سكوباثية .
الدكتور (علي كمال ) في كتابه (النفس) يبين لنا اهم خصائص السكوباثين هو عدم تمكنهم على التحكم بدوافع السلوك يصاحبها عدم توفر الوازع الضميري بما يكفي للشعور بالاثم والندم على اي تصرف مخل بالنواميس والمثل الاخلاقية للمجتمع الذي ينتمون اليه وعدم قدرة السكوباثين باقامة علاقات صحيحة وثيقة ودائمة لذا يلجأون الى استغلال الاخرين اما بالتحايل و الابتزاز او التواكل والتطفل وفقدان الخجل والشعور بالعيب وانعدام الاحساس بالنخوة او الشرف وفقدان القابلية للتعاطف مع الاخرين او الشفقة عليهم كما تنقصهم المقدرة على التفكير المنطقي المتواصل والتبصر في الامور من حيث اسبابها ونتائجها واتخاذ الاهداف الجادة والمعقولة والسعي الى تحقيقها بالطرق الاصولية ثم يضيف الدكتور علي كمال مؤكداً ان العوامل الاجتماعية والاقتصادية اضافة الى العامل البيولوجي لها اثرها .. و السايكوباثيون كما استخلص الباحثون هي مسألة حضارية تتسم بها المجتمعات المتخلفة وهو بالتالي لايرتبط بالمستوى الاجتماعي والثقافي وانما هي حالة من التخلخل في التكوين الاجتماعي .
بداهة الغرب تكمن في عملية تواصله مع هؤلاء الاسلامين المتطرفين الذين احتضنتهم و لم ينالوا منهم غير الخيبة والتدمير... دوبريه احد المنظرين لعلم التواصل (الميدولوجيا ) في رسالته الى اسامة بن لادن حينما اعترض على الرسوم المسيئة للنبي محمد . قال (لماذا تلومون الاوربين الذين وضعوا انفسهم بخدمتكم في افغانستان عندما انظموا الى امريكيا في تحالف يجهل تماما اللغة والعادات والتاريخ لهذا البلد ) ويلوم دوبريه الغرب باعتبار الضاهرة الدينية هي نتاج العولمة الاوربية ( قبل نصف قرن كنا نعتقد ان التقدم العلمي كفيل بتخفيف وطأة الموروث الديني لكننا اكتشفنا على العكس من ذلك انهما اتحدا معا مع فارق فقط في خطاب كل منهما ) ثم يؤكد ان العالم في الوقت الذي اخذ يزدهر اقتصاديا ينقسم ويتشرذم دينيا وعرقيا ويعتبر ان النظام الرأسمالي وصل الى محطته النهائية وكشف عن عمق الازمة الاخلاقية وبالتالي لا يمكن للمال ان يكون لغة معيارية للقيم الانسانية . فقد قدمت المجتمعات الغربية الكثير من القرابين للآلهة ( مال وسلطة ) ادى الى افلاس حقيقي لمنظومة القيم الذي اعتقد الغرب انها الافضل لقرون ..
اذا لم يراجع الغرب نفسه في كشف الجهات التي تشيد الجوامع و المدارس الدينية وانشاءها بهذا الكم الهائل ..تشرف عليها مجاميع بائسة متغطرسة من رجال الدين العاطلين عن العمل ..ممولين من جهات ودول معروفة واذا لم يكن الغرب جادا بالوقوف في وجه هذه الممارسات ومحاسبة الدول التي يعتبرها صديقة وهي راعية للارهاب بكل اشكاله فسوف يجد نفسه في مأزق لم يتمكن من الفكاك عنه . واذا لم يعي الغرب حقيقة واحدة وهو اكثر الميسورين والاغنياء من دول الخليج يعتبرون دفع اموالهم وتمويلهم للحركات الارهابية انما هي نوع آخر من جهاد عين او فرض فليس النظام الراسمالي فقط وصل الى محطته النهائية كما تنبأ دوبريه لكنه سيجني على شعوبه وكل قيم الحضارة التي ضحى من اجلها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب