الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكافر سعيد، و صرعة حبّه في يسوع المسيح (10)

موريس صليبا

2016 / 8 / 1
مقابلات و حوارات


صرعة حبّ في يسوع المسيح

بعد كلّ ما تعرّض له "سعيد الكافر"، والأزمات والمحن التي ألمّت به وعانى منها طويلا، نواصل معه في هذه الحلقة حوارنا، فيكشف لنا كيف وقع في حبّ يسوع المسيح، وكيف بدأ صفحة جديدة في حياته.

س – مرحبا بك من جديد، أخ سعيد. قبل أن نتطرّق إلى موضوع وقوعك في فخّ محبة يسوع المسيح، أرجو، إكمالا لحلقتنا السابقة، أن تحدّثنا عن كيفيّة تعاملك مع شروط شقيقتك؟ هل رفضتها أو قبلت بها على مضض؟

ج – كانت بالفعل الفرصة سانحة للغاية. لم أعارض شروطها إطلاقا، خاصّة أن معظم الأبواب أغلقت آنذاك في وجهي، ولم يبق أمامي أيّ خيار آخر. المدرسة الثانويّة الوحيدة التي قبلتني تقع في مدينة صغيرة تدعى "راون – لاتاب" (Raon-l’Étape) بالقرب من المكان الذي تسكن فيه شقيقتي فاطمة. إنّها منطقة نائية أعرفها جيّدا، قضيت فيها عدّة عطل مدرسيّة سابقا. ذهبت حالا إلى هناك والتحقت بالمدرسة الثانويّة كي أنهي مرحلة الدراسة. تابعت دراستي، ورضخت لإرادة شقيقتي دون تذمّر أو تململ. وبالفعل، رافقتها إلى الكنيسة طيلة ستّة أشهر.

س - كيف تكيّفت مع هذ الجوّ الجديد؟

كان الأمر صعبا للغاية. أنا الذي تعوّدت على التردّد إلى الملاهي والمقاهي ودور السينما ومعاشرة المنحرفين وتعاطي المخدّرات والمتاجرة بها والتغزّل بالفتيات ، تراني الآن أدخل في عالم آخر. أذهب بانتظام ودون تردّد مع شقيقتي فاطمة إلى الكنيسة. استمع بهدوء وأتمتّع بالأناشيد والتراتيل، أنا الذي ما كانت تجتذبني أيّة كنيسة ولا ما يحدث فيها. غير أنّ كبريائي تحطّمت تماما أمام بساطة المسيحيّين وإيمانهم وحبّهم.

س – هل قرّرت حالا أو في فترة لاحقة الالتحاق بالسيّد المسيح؟

حصل ذلك لاحقا أثناء وجودي في قرية صغيرة في منطقة "الفوج"، قبيل بلوغي العشرين من العمر. حينها لم أكن قد حصلت بعد على شهادة من الليسيه الثانية التي تابعت دروسي فيها. فاضطررت إلى العمل كفرّاز في مصنع صغير للميكانيك في تلك القرية التي لا تأوي أكثر من 150 نفسا ومئات الأبقار. وجدت نفسي هناك وحيدا، بعيدا عن اهتمام الأهل ورعايتهم وعن تدليل شقيقتي فاطمة التي سكنت عندها قبل ذلك. كان بحوزتي فقط الكتاب المقدّس. قرأته بهدؤ وتمعّن، وتأمّلت مضمونه طويلا. عشت فترة ولا أجمل في حياتي. بفضل الكتاب المقدّس انفتح قلبي فعلا أمام الربّ.

ألم تكن قد قرأت الكتاب المقدّس من قبل؟

عرفت الكتاب المقدّس سابقا في سنّ الرابعة عشر. ولكن هذه المرّة، عندما عدت إلى قراءته، اكتشفت نصوصا تقول: "أنتم أبناء الربّ". وهذا أمر بديهيّ رائع. في تلك اللحظة بالذّات، غمرتني موجة من الحبّ أشعرتني أنّ الربّ الخالق يحبّني، وذلك بالرغم من كلّ ما كان يجري أمامي من قساوة وكراهية وغضب وعنف، وكل ما اقترفته من أعمال سيئة بمفردي أو برفقة أصحابي أو بمعيّة عصابة المراهقين أمثالي.

ماذا استنتجت بعد ذلك؟

في الحقيقة، كنت أعتقد أنّني إنسان مؤمن، ولكن لم أكن بالفعل إلاّ مراوغا مع نفسي. أمّا هذه المرّة فصُدمت بمحبّة المسيح الذي ترائ لي بعد تلك المرحلة الرهيبة التي مررت فيها وكأنّه يقول لي: أنا أحبّك رغم كلّ ما فعلته وأمحو لك كلّ خطاياك. أدركت أنّ الربّ لا يهتمّ بكلّ أخطائي السابقة، لأنّني أتيت إليه بصدق وبقلب منسحق. اعترفت له بخطاياي، وسردت أمامه كل شاردة أو واردة صدرت عنّي، اقترفتها بمفردي أو مع الآخرين. طلبت منه الغفران والمسامحة. وقد دام ذلك أكثر من ساعتين أو ثلاث. صارحته بكل الكراهيّة التي كانت معشّعشة في داخلي وما تتضمّنه من حقد وغضب وعنف وعنصريّة، وبكل ما مارسته من أكاذيب وسرقات وتعدّيات وتعاطي المخدّرات والمتاجرة بها. كان هناك حضور إلهيّ في غرفتي، وكأنّ الربّ موجود معي. بعد هذا الإعتراف الصريح الصادق، غمرني حبّ ولا أجمل وذراعان مليئتان بالحنان. بكيت طويلا، ذرفت دموع الأسى عن كل ما صدر عنّي سابقا من حقد وكراهية وغضب وفساد وقساوة.
وعندما استيقظت من النوم في اليوم التالي، أدركت تماما أنّني ولدت من جديد. كلّ شيء تغيّر وتبدّل في حياتي وفي سلوكي. كان الفرح يتدفّق من وجهي، وهذا أمر لم أعشه إطلاقا من قبل. أخذت أضحك واضحك من الفرح. كنت سعيدا للغاية بلقاء يسوع المسيح والإنضمام نهائيا إليه. نعم، الربّ الإله موجود. وأنا اختبرت ذلك بكل جوارحي.

س - هل تستطيع أن تؤكّد اليوم أنّ لقاءك بالمسيح واكتشافك لحبّه جاء نتيجة لبحث منفرد بعيدا عن كلّ تدخّل خارجيّ؟

هذا التحوّل الجذريّ في حياتي حصل في جوّ من العزلة عن كلّ شيء. خلالها تعلّمت أن لا أعتمد أو أتّكل على الناس. حينها كنت محطّما نفسيّا بسبب انحرافي وانزلاقي إلى الحضيض خلال سنوات الطفولة والمراهقة. قرّرت أن أعرف نفسي، أن أذهب مباشرة لمخاطبة الربّ، وأن أفعل كلّ ذلك بعيدا عن أيّ تأثير خارجيّ. انتصرت محبّة الربّ في حياتي، فولدت من جديد بفضل هذه المقابلة والمصارحة معه وجها لوجه.

ما هي الخطوة التالية التي اتخذتها بعد هذا اللقاء بالمسيح؟

بعد ذلك، قضيت وقتا طويلا في قراءة الكتاب المقدّس والتمعّن بمضمونه، كما واظبت على الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد ومشاركة المؤمنين بالصلاة. توقّفت نهائيّا عن التعاطي بالمخدّرات. هذا التحوّل الجذريّ أمر صعب وقاس على المسلم. لم أستطع بسهولة أن أدرك أنّني كنت خاطئا وإنسانا منافقا وضالاّ وسيئا بكل معنى الكلمة. فكيف يستطيع أنسان افتداء إنسان آخر! لقد كان هذا الإختبار مثيرا للغاية. فكيف يمكن أن أتصوّر هذا الحبّ اللامتناهي من قبل الربّ الإله. لقد ذرفت الدموع على كبريائي، على خبثي، على قساوة قلبي. قبلت المسيح، ولكن ليس كما فعلت عندما كنت في الثانية عشر من العمر. في ذلك الوقت، كنت أقول بلا مبالاة: يسوع المسيح هو المخلّص، غير أنّي لم أكن أدرك بعد أنّه سيّد حياتي. فبين ليلة وضحاها، أصبحت إنسانا آخر. أدركت أنّ هذا الإنسان المعلّق بين السماء والأرض، ما كان بحاجة إلى المسامير لتثبيت جسده على خشبة الصليب، بل الحبّ الذي يكنّه لي ولكلّ إنسان. لم يكن بوسعي سابقا أن أفكّر أبدا أنّ مثل هذا الحبّ العظيم ينبثق من الربّ الإله.

س - هل اكتفيت بهذا الفهم الشخصي للكتاب المقدّس والارتياح الروحيّ الذي بلغت إليه أم حاولت تنميته حولك أو بالإنتماء إلى جماعات مسيحيّة؟

بعد فترة قصيرة من الزمن، شعرت بالحاجة إلى الإنضمام إلى جماعة مسيحيّة. كانت هناك كنيسة إنجيليّة تبعد عنّي حوالي 140 كلم، تنتمي إليها شقيقتي فاطمة. كان عليّ أن أعمل من الإثنين إلى الجمعة. ولكن بحكم الواجب، كان عليّ يوم السبت أن أعود إلى البيت، خاصّة بعد وفاة والدي، وأساعد الوالدة في شراء حاجاتها المنزليّة والإهتمام بها وبإخوتي الصغار. كانت هناك المعاملات الإداريّة، والضمان الصحّي والإجتماعيّ، وتعويض الشيخوخة، ومتابعتها باستمرار. قد جمعت كلّ الوثائق الثبوتيّة والملفّات الشخصيّة المتعلّقة بأبي، ووضعتها في حقيبة معدنيّة زرقاء ما زالت محفوظة عندنا حتّى اليوم. ولكن كنت أريد تكريس فترة الصباح يوم الأحد للربّ الإله. كنت أذهب كلّ يوم أحد إلى الكنيسة. وهكذا كنت كلّ نهاية أسبوع أسافر في القطار مسافة 120 كلم للذهاب غلى الكنيسة و60 كلم لزيارة الوالدة و60 كلم للعودة إلى مكان عملي.

هل واظبت على ارتياد تلك الكنيسة؟

نعم، كنت أذهب إليها كلّ يوم أحد. وبعد متابعتي خلال ثلاثة أو أربعة اشهر لمواعظ القسّ فيها، سمعت من خلالها أشياء دقيقة كشفت لي حياتي، فتأثّرت وانبهرت كثيرا. فتساءلت كيف يستطيع الربّ أن يعرف حقيقتي إلى هذه الدرجة، خاصّة أنّ قلبي كان إلى حدّ ما قاسيا ومتعاليا، وما زال ينظر إلى الدين وكأنّه فقط للضعفاء.

س - ما الذي أثّر فيك في تلك الكنيسة؟

تأثّرت جدّا ببساطة المسيحيّين الذين أحبّوني بالرغم من علمهم بالسوابق الأليمة التي لطّخت حياتي الماضية. لم يحكم أحد منهم عليّ، ولم يستنكر ما فعلته سابقا، ولم ينبذني أحد إطلاقا. لم يذكروا أبدا الماضي الأسود الذي عبرت فيه رغم علمهم به، بل كانوا يحبّونني أكثر فأكثر، ويصلّون باستمرار من أجلي.

س - هل كانت بساطة المسيحيّين هذه عاملا فاعلا دفعتك إلى المقارنة مع حياتك السابقة في الإسلام؟

سابقا كنت أعيش من خلال هويّة مزدوجة، كنت شديد التحفّظ، مدجّحا بالأحكام المسبقة والنوايا السيئة. كنت أخاف كثيرا من أن أُصدم، أو أُخدع، أو أن يخيب أملي كما حصل مرارا.
غير أنّ هذه الحياة البسيطة والحقيقيّة والأصيلة لدى هؤلاء المسيحيّين أبهرتني كثيرا، ولم أستطع فهمها دون البحث أكثر فأكثر والتعمّق في الكتاب المقدّس وحياة يسوع. هنا كان عليّ أن أقارن ماذا تعلّمت سابقا في القرآن. تذكّرت أنّ القرآن علّمني أنّني إنسان خاطئ وعليّ القيام بأعمال كثيرة كي أستحقّ السماء. بينما وجدت الأمر مختلفا تماما في المسيحيّة، التي علّمتني أيضا أنّني إنسان خاطئ، ولكن يسوع المسيح افتداني وحمل عنّي كلّ خطاياي، وأنّ كلّ ما أفعله من أمور سيئة تؤلمه مباشرة. وهذا ما هزّ كياني وجعلني أنبهر أكثر فأكثر بصورة المسيح. كنت أعرف أنّه المخلّص، ولكن لم أدرك أنّه سيّد حياتي. كنت أرفض تلقّي الأوامر من أيّ شخص، حتّى من والديّ وإخوتي الكبار والمجتمع الذي أعيش فيه. أما الآن، فكان عليّ أن أترك يسوع المسيح يدير ويوجّه حياتي. نعم، استسلمت أمام الصليب، وأدركت أهميّته وعظمته. فهذا الصليب الذي كان عليّ أن أحمله، افتداني يسوع المسيح وحمله عنّي.

نتابع حوارنا في حلقة قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست