الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال مكرر..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 8 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



مقال مكرر ..
نشرتُ هذا المقال قبل ما يزيد على السنتين ، وهأنذا أعيد نشره مرة أُخرى ..ومما حفزني على ذلك، هو الإعتذار الذي تقدم به صديقي العزيز نضال الربضي ، للزميل نعيم ايليا .. فكيفية تعاملنا مع الآخر هي في المحصلة تعبير عن ماهيتنا ..
بين ألكيفية وألماهية ..
وألمقصود بالكيفية في مقالتنا هذه ، ليس ألجودة ،بل كيفية تناولنا لقضايانا وشؤون حياتنا ، كيف نعرض أفكارنا ، أراءنا ومواقفنا . كيف نُجابه التحديات الحياتية ، كيف نتعامل مع بيئتنا الإنسانية والطبيعية ، كيف "نظهر " في عيون أنفسنا وفي عيون الأخرين ، كيف نحّل صراعاتنا وإشكالياتنا ، وكيف ...كيف وكيف ؟
إذن الكيفية المقصودة هنا هي ديناميكية وتتفاعل مع الظروف الحياتية المُتغيرة ، وهي الألية التي نستعملها كبشر والتي هي مُكتسبة ونتاج تنشئة ، تعليم وثقافة ، خلافا للحيوانات التي تتعامل مع المُتغيرات بشكل غريزي ، وتتراوح وسائل "مجابهتها " للظروف المُتغيرة بين ثلاث ردود أفعال ، والتي أطلق عليها الإخصائيون "نمط ال 3 "إف " وهي الحرف الأول من الكلمات الانجليزية والتي تبدأ كلها بحرف "الاف" الانجليزي ،فلايت : الهروب ، فايت : مقاومة، حرب ، وفريز : تجمد وشلل .
ولاحظ ألباحثون بأن ردود أفعال غالبية ألبشر ، تنطبق عليها هذه الأنماط من ألسلوك في حالة مواجهة خطر ما ، ولكل نمطه الخاص به.
لذلك قد نرى ردود أفعال مُختلفة على نفس الحدث عند أشخاص مُختلفين ، ولنستعن بمثال للتوضيح ، وهو مثال يُشغل الجميع هذه الأيام ، قضية التحرش الجنسي . فقسم من ضحايا التحرش "يُصاب بشلل " ولا يعمل شيئا ، مع ما يُعانيه من صدمة فلا يتحرك (يتجمد ) ، بينما البعض الأخر من ضحايا التحرش يُبادر بالهرب من المتحرش وبأقصى سرعة غير ملتفت وراءه ، والقسم الأخير من الضحايا يقوم بفعل مُقاوم ، إما كلاما بالصراخ ، الإعتراض وربما برد عنيف جسديا أو كلاميا على المتحرش ، بغية طلب المساعدة أو الدفاع عن النفس .
لا تتذمروا فلن أكتب مرة أُخرى عن التحرش ، ورغم أنني كتبت عدة مقالات ، إلا أنني أُحس بالتقصير في الكتابة عن هذا الموضوع ، أي عن التحرش وعن الإعتداءات الجنسية ، ولربما سأكتب لاحقا .
لكن موضوع الكيفية يشمل تقريبا كل مجالات الحياة ، فهو علاقة الشكل بالمضمون في الإبداع ، السياسة ، الأخلاق ، الحرب والسلام .
والعرب والمُسلمون هم خير من يُمثل تأثير الكيفية على الماهية في قضاياهم الكبرى ، بدءا من قضيتهم الأولى فلسطين وإنتهاء بقضية التحديث والعصرنة .
فلو سألتَ من تشاء من سكان الكرة الارضية عن القضية الفلسطينية ، لأجابك دون تردد ، بأنها قضية عادلة وللشعب الفلسطيني الحق في دولة مستقلة .
لكن وحينما يقوم العرب بعرض قضيتهم وبالكيفية التي تعودوا عليها ، القضاء على إسرائيل ، فإن التعاطف العالمي يتوجه نحو إسرائيل ، رغم أنها دولة تُمارس إحتلالا إستيطانيا قامعا .
وحينما يعرض العرب والمسلمون رؤيتهم لعملية التحديث ، فإنهم يهربون إلى الماضي للحديث عن ألحضارة العربية التي سادت ألعالم وما شابه ذلك .مما يُحولهم إلى موضوع سخرية وتندر من باقي الشعوب.
ولو تتبعنا أنماط ردود الأفعال العربية على المتغيرات والمخاطر لوجدناها لا تخرج عن النمط الغريزي السالف الذكر .
ولتطوير بدائل عقلانية وأليات مواجهة التحديات وإدارة الصراعات ، فليس أمام ألعرب إلا أن "يعيشوا " في القرن الواحد والعشرين ، فَهُم إما في القرون الاولى للميلاد ، أو في عالم مُتخيل موهوم يسودون فيه العالم ...!!إذن ألعرب مُتجمدون في الماضي أو أنهم هاربون إلى مستقبل موهوم .
قد تكون صاحب قضية عادلة (ماهية ) ، و"الماهية " هنا هي ال – ماذا ؟ هي الجوهر ، المضمون ، الفكرة. هي ما تسعى إلى تحقيقه ، هي الدافع ألذي يُحفزك على "الفعل " ، على الإستعانة بالأليات والديناميكيات ، هي التي تقودك للتفاعل مع الأخر .
ولكل منا "ماهية " ما ، على المستوى الفردي وعلى مستوى المجتمعات ، لكن هل تنسجم ، تتوافق وتتلاقى "ماهيتنا " مع "ماهية " الأخر أو مع العصر ؟ هل هي قابلة للتحقيق ؟
"فالماهية " بشكل أو بأخر تفرض "نفسها " على "الكيفية " ، فإذا كانت "ماهيتي " تدعو للتكامل الإنساني بين الأعراق ، الشعوب والأديان ، فإنني سأُطور أليات تقودني إلى "تحقيق " ماهيتي بهذا الإتجاه ، كتطوير أليات التعامل القائم على الإحترام المتبادل ، تقبل الأخر ، الحوار وما إلى ذلك . أما إذا كانت "ماهيتي " هي "التسلط " على الأخر ، فهي ستقودني حتما إلى تطوير أليات "ُملائمة "لها ، بدءا برفض الأخر ، إزدراءه وانتهاء بقتله للسيطرة على ما تحت يديه .
فالذي يُريد أُستاذية العالم ، دون تفاعل مع العصر بمنجزاته ، سيتحول إلى مجرد قاتل ، يبحث عن الأسلاب والغنائم ، فلا يجدها .!! بينما الذي يبحث عن تكامل ، إنسجام بل وتفوق في هذا العصر ، يطور أليات العصر، كالعلوم والتكنولوجيا والأبحاث ، كما تفعل وفعلت الصين ، اليابان ، كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الاسيوية .
ومع ذلك فقد تكون "الماهية " عادلة ومشروعة ( كتحقيق الإستقلال الفلسطيني ) ، لكن الكيفية لتحقيقها قد تكون غير ملائمة ، فهي"ماهية " عادلة ، لكنك تُدافع عنها ، تٌسوقها بطرق لا تتلائم مع العصر ولا مع الظروف ، ولا تخلق تفاعلا وديناميكية مع الأخر والمُختلف ، فتخسر نفسك وقضيتك( ماهيتك ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الماهية، الهدف و الآليات.
نضال الربضي ( 2016 / 8 / 2 - 10:43 )
نهارا ً طيبا ً أيها الصديق العزيز!

ربُطك بين الماهية و تحقيق الهدف عن طريق آليات: الكيفية، هو عرض صائب لقانون: السبب و النتيجة.

أثناء دراستي الثانوية قدموا لنا نصا ً لعباس محمود العقاد (لا أذكر من أي كتاب ٍ له) بقي معي مضمونه (و هو الأهم)، تعلمت ُ منه أن عرض الحقيقة و طريقة تقديمها يوازي في أهميته الحقيقة نفسها بل و يفوقها.

كتبت ُ في ذلك مقالين في سلسلة أسميتُها -عـمـَّـا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير- أتحدث فيها عن نفس المبدأ لكن من جهة نجاح النقد الديني و قدرته على اجتذاب القارئ لإحداث التأثير ثم التغير.

لم أشاهد لغاية اليوم تقديما ً مُنصفا ً ذكيا ً قادرا ً على استقطاب الدعم العالمي للقضية الفلسطينية، و أعتقد أن الشعب الفلسطيني يواجه معضلته لوحده، و يحزنني أن أقول لك أيها الصديق الطيب أنها لم تعد قضية العرب الأولى. عندك اليوم قضايا أخرى أهمها اثنتان: رغيف الخبر و ما يسمونه الصحوة الدينية (و التي هي في حقيقتها انتكاسة من نقطة انطلاق نحو الحداثة إلى سلفية التعصب و التمذهب و الرجعية و الظلام).

ما حدث للهنود الحمر يتكرر في فلسطين و سننتهي بكنتونات تحت مسميات شتى.

دمت بود!


2 - اهلا عزيزي نضال
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 8 / 2 - 16:49 )
وتحياتي الحارة
شكرا على التعقيب ، واسمح لي ان لا اشاطرك الراي في موضوع السبب والنتيجة، رغم قربهما من الكبفية والماهية
لك خالص مشاعر الود والصداقة


3 - ألعزيز قاسم حسن محاجنة
نضال الربضي ( 2016 / 8 / 3 - 07:29 )
صباحا ً طيبا ً أتمناه لك يا صديقي!

بالطبع تختلف ُ الرؤى المتعلقة بقضيَّة ٍ ما خصوصا ً حينما تتشعَّب ُ و تتعقَّدُ و تتعدَّدُ فيها عوامل التأثير، فأرجو التكرُّم َ بعرض رؤيتك َ.

دمت َ بودٍّ!


4 - عزيز نضال الغالي
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 8 / 3 - 10:06 )
وصباحك اطيب
السبب أو المسبب يؤدي الى النتيجة المرجوة او المتوقعة .
لكن كيفية التعاطي مع الأمور ، ليست بالضرورة ستؤدي الى النتيجة .
قد يكون السبب مؤديا الى نتيجة ما بالحتم
لكن الكيفية لا تؤدي بالضرورة الى حتمية ما
ارجو ان أكون قد أوضحت فكرتي
يوم سعيد

اخر الافلام

.. لماذا يتظاهر المعارضون لخدمة التاكسي الطائر في باريس؟ • فران


.. إسرائيل - حزب الله: أخطار الحسابات الخاطئة • فرانس 24




.. أحدها انفجر فوق شاطىء مكتظ.. لحظة هجوم صاروخي أوكراني على جز


.. بوريل يحذر من أن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع م




.. روسيا تستدعي سفير الولايات المتحدة للاحتجاج على استخدام القو