الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليمُ السَيّء مَهْلَكةُ الأمَمْ ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2016 / 8 / 4
التربية والتعليم والبحث العلمي


يقول الشاعر :
ما الفضلُ إِلا لأهلِ العلمِ إِنهمُ على الهُدى لمن استهدى أدلاءُ
فقم بعلمٍ ولا تطلُبْ بهِ بدلاً فالناسُ موتى وأهلُ العلمِ أحياء”

في مثلِ هذهِ الأيام من مواعيدِ الإمتحانات وحَمْأتِها ، ما زلت أذكرُ جيداً طلابي وحماستهم، وهم يَستعجلون الأمل ويتأففون من عبء العمل ، وكيف كان الجهد الرئيس لي في الدرس أن أتعلم منهم ومن ردود أفعالهم، وأبتعد عن مُجرّدِ تلقينهم وحشو ذواكرهم بالمعلومات التي كانت تذخر بها الكتب المَفروضة عليهم، أو تعليمهم كيفية استدعائها وحسب.. كما يفعل معظم زملائي من المعلمين ، وأذكر أيضاً ، كيف كنت أعمل جاهداً على إيقاظ ذواتهم الغافلة، من خلال دفع الإعتقادات المغلوطة، ودفعهم للتجرؤ على الجهل بطبيعة العالم، الذي يُكرسه هذا المجتمع الماضوي من حولهم، وكيف كنتُ أنافحُ في توضيحِ مَكامن نقصان المعرفة لديهم، التي تستغلها الخُرافات المُقدسة والجذابة، للتَسَلل إلى عقولهم المُغيبة بكل شغف .. لتُحوّلها من عقولٍ مُتقدةٍ نافعة ناقدة إلى عقولٍ مُسْتَسلمةٍ سامِعَة سَاجِدَة ..مؤمنة بما لديها أنه الحق المبين وحسب .
لكن – في إعتقادي – أن المعرفة التقديسية التي تقوم على مفاهيم ثابتة بالمطلق، تقتل عقول معتنقيها اسرع مما يفعل الجهل .. والثبات الصحيح على المبادئ لايقوم على قدسيتها بل يجب أن يكون ثبات على الاعتقاد بالتغيير وعلى قدسية الشك الدائم بها،والقدرة على تمحيصها، والقدرة على مداورة أبسط الافكار المخالفة لها ، مهما كانت مهملة .
لا شكَ لديَّ أنَّ الإيمانَ الأعمى يُسعدنا في سَكبِ الإجابات، ولكن في المقابل، يمنع عنا فيوض من الأسئلة .. و قد يفوّت علينا حالات الإدْهاش التي يذخر بها الوجود من حولنا ، ولذا قد يكون لنا من الأنسب فعلهُ، توخي الحذر الشديد عند تسليم مَقادَ عاقليتنا لما نعتقدهُ صواباً مطلقاً، إذ سيُصبح بعدئذٍ منَ الصعبِ علينا للغاية ، تقييم كل الأدلة التي تدْحضُ فكرَتنا بِتجرّدٍ أو مَوضوعية.. ويغتال الشك المنهجي والذي هو بمثابة العتبة الحقة للبصيرة ..
وربما من المُفيد ذكرهُ في ظني ، أن التعليم السيئ يُمكن أن يَخلقَ أكثر العقول حماقة وأوقحها على الإطلاق .. لكن أخطر الناس - في ظني - يُولدون فقط ، عندما تغدو أحجيات السماء وطلاسمها، المَرجعية الوحيدة للقيم ، وحين تُصم الآذان ، بغبطةٍ رضى وقناعة ، عن سماع أنين الذهن الإنساني وهو يحتضر تحت سِياط النص الديني، أو حين تصبح لتهويمات مابعد الموت الكلمة الفصل في تنظيم العلاقة مع الآخر ..
من خلال القراءة المتأنية والمتواضعة ، للمعاناة الألمانية واليابانية من ويلات الحروب أدركت أن الأوطان لا تسقط بسبب الحرب بل بسبب الجهل والتعصب الديني والتعليم السيء.. وأنه كلما أبتعد أبناء تلك الأوطان عن العلم الصحيح أكثر، كلما تفاقم عندهم التدهور العقلي، وتهيأت فيهم أسباب العنف أكثر، واستبد بهم وباء الزهو والخيلاء الفارغة، فترى منهم من يلتهمه الفخار العرقي ، ومنهم من يسرقه فخار الجبروت الديني ، ثم يأتي بعد ذلك كله العوز الإقتصادي المقيت، كي يُهيلَ التراب على ما كان يوماً ما، وطناً أو مجتمعاً لديه عقد اجتماعي، ولينسف كل ما تعارف عليه الناس من أركان ثقافية وصفات معرفية شكلت يوما ما هويةً جامعةً لهم ..
أما إذا حدث واجتمعت هذي العوامل البغيضة على جماعات بسيطة ومتنوعة في المشارب والمعتقدات ، والكثير من الأركان الثقافية المتنافرة في الخفاء، أو تعيش بالأصل محياها في جهالات القرون الوسطى ، وينحدر فيها التعليم إلى مستوى التلقين أو حدود التخلص من الأمية ،
عندئذ فقط علينا أن نتوقع بقوة ، مُقابلة هذا الفيض العنيف عليها من قِبَلِ المُعتدين على الحياة والحقيقة، وموهومي المعرفة والفضيلة، من أدعياء الفهم الأتقياء..
وألا نستغرب أبداً إقتراب النهاية منها، أوإسدال الستارة نهائياً على وجودها بين الأمم ...
للحديث بقية ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ