الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية غير مرئية

ماجد بدرة

2016 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



استطاع العلم الحديث وخاصة الفيزياء الحديثة وبمساعدة التكنولوجيا ان يصور ماهو غير مرئي وان يدخل الى مفاهيمنا ابعاد صعبة الادراك والاستيعاب , كون قدرتنا الادراكية محدودة في الزمكان اي الابعاد الثلاثية والبعد الرابع الزماني, بدأ العلم يتداخل مع الفلسفة بل ويطغو عليها, خاصة بعد الحوارات الفكرية بين الفيزيائي المشهور البرت اينشتاين وبين أب ميكانيكا الكم الفيزيائي نيلز بور , عندما كان الجدال يتمحور حول ما اذا كان سلوك الجسيمات تحت الذرية معتمد على التوكيدية ام على العشوائية او الاحتمالات, لم يستطع العقل الاينشتايني ان يستوعب ماهية الاحتمالية في ميكانيك الكم, بل رفضها رفضا تاما متيقنا بشكل اعتباطي بانه لا يمكن ان تكون قوانين الطبيعة تعتمد على الاحتمالات, لكن في نهاية المطاف, اثبتت الفيزياء الحديثة وبفضل دقة التكنولوجيا ان الاحتمالات هي سيدة الموقف.
لم يستطع عقل اينشتاين ان يخلق معادلة رياضية واحدة لتفسير كل شئ, بعد محاولة لمدة تقارب الثلاثين عاما, لانه تجاهل تماما ميكانيك الكم, فقد حاول توحيد القوة الالكترومغناطيسية مع الجاذبية, فلم تكن القوى الاخرى مكتشفة بعد أي القوة النووية القوية والقوة النووية الضعيفة, على الرغم انه ساهم بشكل عميق في ميكانيك الكم بعدما نشر ورقة عن التأثير الكهروضوئي عام 1905 والتي حصل على جائزة نوبل من خلالها , على الرغم انه مشهور بنظريته النسبية الخاصة والتي نشر ورقتها في نفس السنة , و النسبية العامة والتي نشر ورقتها عام 1915, اريد ان انوه هنا ان اينشتاين لم يرفض مبدا ميكانيكا الكم لانه لم يفهمها, بل رفضها لانه يؤمن بالتوكيدية , وانه يريد ان يقرأ عقل الرب بالمعادلات الرياضية.
ومن هنا تأسست العديد من الافكار العلموفلسفية , والتي اجتاحت المجتمعات الفيزيائية , وبلورت تفكير علمي استطاع ان يضع الفلسفة بالزاوية ومن اشهر الرافضين للفلسفة كتفسير للحياة , ستيفين هوكينج , لورانس كراوس, ونيل تايسون , حيث يدعون بان باستطاعة الفيزيائي ان يرى الكون بشكل اعمق, بينما يستطيع الفيلسوف ان يفهم الكون اعتمادا على التفكير النقي دون جمع البيانات والمعادلات الرياضية , والتفكير يمكن ان لا يكون واقعيا او يمكن يخالف القوانين الطبيعية , في المقابل بعض من الفلاسفة العلميين و الفيزيائيين المؤيدين للفلسفة , يروا ان الفيزيائي لا يعطي تفسيرا للحياة بل يعطي معادلات و شرح للظواهر فقط ولا يعطي مستوى فلسفي اعمق حيث المقولة الشهيرة (احسب وانت ساكت) لن تكون كافية في تفسير الكون , لكن الفيلسوف الذي مارس الفيزياء النظرية يمكن ان يعطي صور افضل لتفسير الوجود.
لن يستطيع العلماء والفلاسفة ان يعطوا تفسيرا للعديد من الظواهر الكونية والكمية مثل الطاقة المظلمة او الثابت الكوني والمادة المظلمة وكذلك معضلة اينشتاين في عدم تقبل العشوائية الكمية حيث ان الجسيم تحت الذري يمكن ان يكون في اي مكان الا اذا راقبته بمعنى اخر ان الفوتون على سبيل المثال يحدد مكانه بناءا على الرصد و بكلمات اخرى ان عملية رصد الفوتون هي التي تحدد مكانه حيث ان الفوتون يتصرف تصرف موجي دون وجود عامل المراقبة وفي حال مراقبته فانه يغير حالته الى جسيم , وهذا ينطبق على الالكترون وكل الجسيمات تحت الذرية, وكأن الالكترون يملك وعي , ولكن لم يتم اثبات ذلك, ولكن بناءا على التصرف الكمي فهو يبدو كذلك.
والجدير بالذكر التجربة الغريبة المشهورة (تجربة الشق المزدوج) , حيث انه اذا تم اطلاق الكترونات باتجاه الشقين , فان الالكترون الواحد سوف يدخل من الشقين ويتحد مع نفسه ويحدد موقعه بناءا على المراقبة, وهذا يعني ان الالكترون الواحد يمكن ان يتواجد في عدة اماكن في زمن واحد, ويتصرف تصرف موجي مع عدم وجود راصد وكذلك يتصرف تصرف جسيمي في حال المراقبة.
وكذلك يمكن للجسيم تحت الذري ان يتواجد من العدم, مع الاخذ بعين الاعتبار ان العدم الفلسفي يختلف عن العدم الكمي , حيث ان العدم الكمي ما هو الا عدم ممتلئ بالطاقة النشطة, وايضا يمكن للجسيم تحت الذري ان يخترق حاجز ما , كما نتصور نحن بان الشبح باستطاعته ان يخترق حاجز معين.
ومن اغرب الظواهر الكمية ظاهرة تسمى ( التشابك الكمي) حيث انه لو كان هناك زوج من الجسيمات تحت الذرية , احدهم على كوكب الارض والاخر سواء على القمر, او على المريخ او حتى مجرة اخرى تبعد عنا مليارات السنين , اذا قام احدهم بالدوران باتجاه معين فان الاخر سيدور بالاتجاه المعاكس بشكل فوري وبسرعة اسرع من الضوء (300000 كيلو متر في الثانية), وهذا ينافي قوانين الطبيعة للاجسام الكبيرة حيث لا يوجد جسم يستطيع ان يتحرك بسرعة الضوء, وهذا يعني ان الرسالة تصل للجسم الاخر بسرعة فورية او بلا زمن, ولن يستطيع احد ان يفهم هذه الظاهرة.
كل هذه الظواهر قامت بعملية تنشيط ذهني للفيزيائيين بارشاد من المعادلات الرياضية, حيث نشأت فكرة توحيد النظرية النسبية العامة والتي تنطبق بشكل جميل على الاجسام الكبيرة, مع ميكانيكا الكم والتي تنطبق على الاجسام المتناهية في الصغر,بمعادلة رياضية واحدة , والسبب الاساسي ان الاجسام الكبيرة ما هي الا تراكم اجسام صغيرة او ذرات, والغرابة ان كل له قوانينه الخاصة حيث ان ميكانيكا الكم لا يمكن ان تخضع لقوانين النسبية العامة, حيث تقوم ميكانيكا الكم بالتمرد والثورة ضد القوانين الطبيعية للاجسام الكبيرة , ولها قوانينها الاحتمالية.
قام ماكسويل بتوحيد الكهرباء مع المغناطيس وهي قوى تسمى الكهرومغناطيسية , وقام اينشتاين بتوحيد الزمن مع المكان ثلاثي الابعاد وتم تسميتها الزمكان, وقد وضع الحجر الاساس لنظرية كل شئ, حتى جاء الفيزيائي ستيفين هوكينجز بفكرة توحيد النسبية العامة مع ميكانيك الكم بعد تعمقه بالثقوب السوداء حيث انه لا يمكن تفسير الثقوب السوداء الا اذا تم دمج النسبية العامة مع ميكانيكا الكم.
وعلى التوازي تم اقتراح من العديد من الفيزيائيين ان هناك ما هو اصغر من والكواركات التي تشكل البروتونات والنيوترونات والالكترونات , الا وهي الاوتار وهي طاقة خيطية مهتزة , حيث تم تشبيه حجم الوتر بحجم الشجرة اذا كان حجم البروتون بحجم كوكب الارض, ولم يكتشف لحتى الان ما اذا كان هناك اوتار ام لا ؟ ولكن هي النظرية الاكثر قوة من ناحية المعادلات الرياضية التي تستطيع ان تجمع بين الاجسام الكبير مع الصغيرة, ومن الغرابة ان هذه النظرية تولدت بالصدفة على يد الفيزيائي الايطالي جبرائيل فينينسيانو عام 1968 عندما كان يبحث عن مجموعة من المعادلات لتفسير القوة النووية القوية والتى تعتبر الصمغ المتين الذي تمسك نواة الذرات معا ويربط البروتونات مع النيوترونات, حيث وجد معادلة عمرها 200 عام لرياضي سويسري اسمه ليونارد اويلر في كتاب اكلته الغبار يتكلم عن تاريخ الرياضيات وبعد نشره ورقة عن شرح المعادلة للقوة النووية القوية, انتقلت هذه الورقة من جامعة الى اخرى حتى التقطها الفيزيائي ليونارد سسكيند وبعد تحليل قدم ورقة تشرح ان هذه المعادلة ممكن ان تشرح نوع من الجسيمات التي ليست كالكرة او نقطة كما كان التصور الكلاسيكي السائد عن الجسيمات الكمية, وانما كالخيط المهتز, ولكن قوبلت الورقة بالرفض, وماتت نظرية الاوتار حيث اعتبرت انها انيقة رياضيا لكنها لا يمكن ان تشرح الطبيعة ولم تؤخذ بجدية من مجتمع الفيزياء, ولكن رواد فيزيائيي الاوتار استمروا بالعمل مقتنعين انها نظرية تشرح الطبيعة, وفي نهاية المطاف وبعد العديد من المشاكل الرياضية , تم قبولها بانها اكثر النظريات قوة لشرح كل شئ في الطبيعة حتى تشكلت خمس نظريات للاوتار, فتم انتقادها وقالوا لايمكن ان يكون هناك خمس نظريات لشرح كل شئ لا بد ان يكون خطأ وان نظرية الاوتار هي نظرية لا شئ , حتى تم حسم المعركة على يد الفيزيائي ايدوين ويتين عام 1994 ,حيث هز عرش الفيزياء عندما اتي بنظرية (أم ثيوري) والتي تعتبر مرآة للخمس نظريات وجميع النظريات صحيحة وكان اهم التضاد في النظريات فيما اذا كان هناك 10 ابعاد ام 11 بعد في الطبيعة.
وبمناسبة الابعاد هناك نظرية حديثة تولدت وهي تعتبر مبدا من مبادئ الفيزياء حاليا , الا وهي ان الكون الذي نعيش فيه ما هو الا مجسمات وهمية ثلاثية الابعاد تم انعكاسها من حافة الكون والتي تقدر ببعدها عنا ب 20 مليار سنة ضوئية وهذه الحافة ذات بعدين كل معلومات الكون مخزنة بها وقد تم انعكاسها لتشكل كونا ثلاثي الابعاد يسمى الكون الهولوجرامي وقد تم اخذ النظرية بجدية بعد المعركة الضارية بين ستيفين هوكينجز وليونارد سسكيند والتي استمرت لعقود حول ما اذا المعلومات تختفي للابد في الثقوب السودا عندما تتبخر ام لا ؟ حيث ان هوكينجز كان يؤكد ان المعلومات ممكن ان تختفي بناءا على معادلاته الرياضية ولكنه تجاهل القانون الثاني للديناميكا الحرارية والتي تنص ان المعلومات لا تختفي, وانما تنتقل من حالة تنظيم الى عدم تنظيم او فوضى, وخير مثال على ذلك لو اسقطنا بعض من الحبر في كأس به ماء فان الحبر يختلط مع الماء وهذا دليل ان الحبر لم يختفي وانما اختلطت جزيئاته بالماء ولا يوجد التكنولوجيا التي تجعلنا ان نستخرج ملعومات الحبر من الماء او بكلمات اخرى لا يمكن ان نسير من عدم تنظيم الى تنظيم.
أفكار ابداعية وراقية , ولكن واأسفا لم ارى اي عربي مسلم او عربي مسيحي يسهم بذلك وكأننا نعيش في الثقوب السوداء, وترى شح ملحوظ بوجود اي فيزيائي عربي يفكر بهذه الطريقة , وان تكلموا فانما يتكلمون من اجل تحقيق ايديولوجياتهم واظهار الاعجاز العلمي في القرآن ولا يكون للاية اي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذه النظريات, انما يضعوا انفسهم في مأزق حقيقي تجعل المسلم في حيرة داخلية بين تناقض العلم مع الدين, ويضطروا لان يوافقوا الاعجازيون لارضاء المجتمع وحتى لا يتهموا بالتكفير او حتى الشعور بالذنب اذا جال في خاطرهم بعض الافكار التي حرمها المجتمع, وهكذا يحكم على الابداع بالاعدام رميا بالتكفير والزندقة, وهذا الكلام ينطبق على المجتمعات المسيحية واليهودية لان لهم نفس المصدر والعقيدة .
المدارس من اكبر العوامل لقتل الابداع , لانهم لا يهتمون بالفن والموسيقى والرياضة , واذا قاموا بتدريس المواد العلمية فانهم لا يخلقوا مبدا التفكير والنقد والتجربة عند الاطفال وانما يتبعون مبدا الكتاتيب , التلقين اللعين .
من الروضة لحتى الجامعة, لم اسمع اي مدرس يتكلم عن ميكانيكا الكم , او النسبية او نظرية التطور والارتقاء, حتى المواد العلمية والرياضية كانت تلقينا , حتى يمنعوا المخ العربي من التفكير كما وان هذه النظريات فيها تضاد مع ما هو متعارف عليه اجتماعيا ودينيا, واكاد اجزم ان المدرسين لا يعرفون , وان عرفوا فهم يتجاهلون , الحجر على العقول , والديكتاتورية الفكرية لم ولن تستمر , وان استمر المجتمع العربي بالسير خلف اهل الذكر فانهم سيذهبون الى الماضي بل ستمتصهم الثقوب السوداء عند حالة التفرد حيث الزمن يساوي صفر .

ماجد بدرة
www.majedbadra.com
https://www.youtube.com/user/majedbadra
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah