الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجانين، لكن عقلاء!

عادل عطية
كاتب صحفي، وقاص، وشاعر مصري

(Adel Attia)

2016 / 8 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


شاهدت شاباً قالوا عنه أنه مجنون، يهيم في الطرقات، ويتكلم وكأنه مذيع ربط يعلن عن برنامج إذاعي ديني!
وشاهدت رجلاً قالوا عنه أنه مجنون، يقف في أحد الميادين، ويتحدث كزعيم وطني يطالب: بالعدالة، والمساواة، والحرية!
وشاهدت امرأة قالوا عنها أنها مجنونة، تجلس على كرسي في مقهى شهير، تتمتم من آن لآخر بجملة واحدة: احنا ولايا.. احنا الولايات المتحدة الأمريكية!
الذي أدهشني أنهم يتصرفون كالعقلاء في جنونهم، بينما غيرهم يتصرفون كالمجانين في معقولياتهم:
فقد أعلنت أستاذة جامعية، عن نظرية: "الأقل ديناً، والدين الأفضل".. وكأن هناك ما هو سماوي رديء، وما هو سماوي آخر رائع!
وقال أحد القضاة في ساحة العدالة: "من يدخل المسيحية يعلو درجة، ومن يدخل الإسلام يعلو درجتين".. وكأن هناك ما هو إلهيّ درجة أولى، وإلهيّ درجة ثانية!
وماذا عن هؤلاء الذين يؤكدون، "بأن دينهم السماوي، نسخ ما قبله من أديان سماوية".. وكأن الله يناقض نفسه، ويجعل من البشر كائنات للتجارب، بل ويفتح الباب على مصراعيه لأديان سماوية أخرى قادمة!
فإن كان هؤلاء يصنعون الجحيم لغيرهم: بأفكارهم، وأقوالهم، وأفعالهم.. فهناك جنونيات رجال عقلاء، يصنعون الجحيم لأنفسهم؛ لنعيش نحن في نعيم من صنعهم:
يحضرني العالم الإيطالي جاليليو، الذي تأكد من صحة نظرية كوبرنيكس، فجاهر بها، فإذا بأعداء الحقيقة ينددون به، مطالبين بموته. وعندما استحثه أصدقاؤه على الخروج من المأزق، وقالوا له: "هل تريد أن تعيش؟ اذن كن عاقلاً وأفتد رأسك بالإنكار". أجابهم: "نعم أريد أن أعيش، لكن الأرض تدور حول الشمس". فقالوا له: "أنت عالم في الطبيعة والرياضيات والفلك، فاحسبها جيداً، وحافظ على حياتك". أجابهم ثانية: "نعم.. حسبتها ألف مرة، ولا أريد أن أموت، لكن الأرض تدور والشمس ثابته، ولا أقدر أن أقول غير ذلك"!
كما يحضرني، ذلك الرجل الذي ترك كيس الذهب والنخلات العشر، واختار أن يُقطع رأسه على يد الخليفة العباسي المعتمد على الله: فقد خرج مندوب القصر يجول في شوارع البصرة، يحمل في يده اليمنى كيساً من الذهب، وفي يده اليسرى جمجمة تقطر منها الدماء، ونادى في الناس، قائلاً: "يا أهل البصرة.. يا زنج البصرة.. كلٍ يتحسس عنقه.. كلٍ يتحسس كيس نقوده.. كلٍ يتدبر أمره: كيس الذهب ونخلات عشر للطائع، أما للعاصي، فهذه الرأس المقطوع". وخرج إليه عبد الله بن محمد قائد ثورة الزنج؛ ليقول قولته الشهيرة: "اخترنا الرأس المقطوع"!
قد يكون من المعقول أن نصف البعض بالجنون؛ لأنهم يتصرفون كالمجانين. ولكن من الجنون أن نتهم البعض بالجنون؛ لأنهم يتصرفون كالعقلاء في عالم مجنون!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا