الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الغش ما بين سطوة الطالب وغفوة المراقب

اخلاص باقر النجار

2016 / 8 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


أ.م.د.إخــلاص بــاقــر الــنـجـار
العراق / جامعة البصرة / كلية الإدارة والاقتصاد
بادئ ذي بدء أودُّ التنويه عن مسألة مهمة ونحن في صدد التطرق إلى مبررات اللجوء إلى وسائل الغش عند الطلبة ، ناهيك عن وسائل الغش الأخرى في شتى مجالات الحياة ، إلى أن الغش سلوك انحرافي يخل بالعملية التعليمية ويهدم أحد أركانها الأساسية المتمثل بالتقويم ، وأسلوب سمج ومحرم شرعاً وقانوناً ، وإذا ما أردنا البحث في مكنونات هذه الظاهرة نجد أن لها مناشىء عديدة منها مثلاً الإرهاصات النفسية التي تعتري شخصية الإنسان خلال سنوات عمره ، ومنها البيئية التي عاش فيها وانصهر مُرغماً ، ومنها البايولوجية التي تعتري البشر وأبرزها هنا ، ما يتعلق وبشكل كبير جداً بشخصية الأستاذ وعدم إكتراثه لقدسية العلم ، وإنه لم يصل إلى هذا المستوى بجده وتعبه وإنما بالتعكز على بعض الوسائل التي أوصلته إلى هذا المكان ، فالغش حلقة من متلازمة ثلاثية تتكون من الكذب والسرقة وخيانة الأمانة ، يبدأ في الامتحانات وينتهي إلى كل نواحي الحياة ، كما أن العملية التعليمية تعتمد على ثلاثة أركان ( المدرس والطالب والمنهج ) ، والقصور في أي منها يؤثر في الآخر ، كما أن الطلبة لا يثابون على أمانتهم ولكن يثابون على اجتيازهم للامتحانات بأية صورة من الصور .
فالغش أذن كالبذرة الخبيثة تُزرع في دواخل الإنسان فهي معه تُرافقه مُذ الصغر وحتى الهرم ، تنمو وتترعرع في سويداءه حتى ليُخال له أنها فكرة نيّرة برمجها عقله المتقد دهاءً ، على شكل وسيلة تُحقق له النجاح المبتغى بأقل جهد ممكن وبأقل تكلفة ممكنة المُتمثل بالحيطة والحذر الممزوجتين بالخوف والإرتباك ، كالمحلول الكيميائي الفعّال داخل بوتقة إختبار ، الذي يتطلب من القائم بهذا العمل شخص حذر لأن إغفاله ولو لدقائق يولد نتائج وخيمة لا يُحمد عُقباها ، لذا فالغش كالبذرة الخبيثة التي وصفها الله تعالى في محكم كتابه الكريم ، كلمة خبيثة كشجرة خبيثة طلعها رؤوس الشياطين ، ومعادلته مركبة من حيطة وحذر ، خوف وإرتباك ، بذرة سمجة ، فعل مزدري ، وصمة سوداء في الجبين تُرافق الغشاش الأجوف ، كل ذلك متمثل برؤوس الشياطين طلع الشجرة الخبيثة التي هي النفس الأمارة بالسوء ، الأمارة بالعمل الطالح ، تلك النفس الضعيفة الإرادة البليدة التي ترتئي وترتضي الغش مخرجاً سهلاً من الإمتحان وبنتائج جيدة ، لأن الحل طبق الأصل كما جاء في البراشيم .
نلاحظ كل عام في الجامعة إرتفاع عدد حالات الغش وتطور أساليبها من الطرق التقليدية إلى الطرق الألكترونية ، على الرغم من وسائل الردع المتمثلة بالفصل وحرمان الطالب من الدوام لمدة عام كامل وعده راسباً في كل المواد ، إنما يعود ذلك الى الجهل المخيم على عقليات الغشاشين ، بسبب نقص بل إنعدام النصح والإرشاد والوعي الديني والأخلاقي بين صفوف الطلبة ، وتشبث بعض التدريسين بحدود المنهج المقرر ، غارباً عن خلده ان عملية التدريس عملية خطرة جداً لأنها تُحدد إتجاه الطالب في الحياة العملية ، فكيف إذا كان المدرس يحتكر النصح والإرشاد لنفسه فقط ؟ ، نعم في بعض الأحيان وبسبب الغش يتساوى الكسول مع الطالب المجد في إحرازه الدرجة نفسها أو ربما أعلى منها ، اي بين الطالب الذي سهر الليل بطوله وربما في ضوء المصباح النفطي حتى تسهدت جفونه وتورمت عيناه مع ذلك الطالب المتثائب البليد الذي ملأ قصاصات الورق بأسرع من طرفة عين ، وبعدها إلتحف بلحافه الدافئ حتى طواه الكرى ودار في دوائر فلكية في مجرة الأحلام .
وتعدُّ الاختبارات أهم طرق تقويم الطلبة والوقوف على مدى استفادتهم من العملية التعليمية ، وان ممارسة الطالب للغش في الاختبارات يعد إفسادا لعملية القياس وتزويرا لنتائج الاختبار وبالتالي عدم تحقيق أهداف التقويم في مجال التحصيل الدراسي ، وخطورة الغش في الامتحانات لا تكمن في الجوانب المدرسية فقط بل قد يتعداها إلى جوانب حياتية أخرى حيث إن أولئك الذين يتعودون على الغش يمارسون هذا السلوك في حياتهم العملية بعد تخرجهم ، أما المتطوع بإعطاء المعلومات للآخرين في الإمتحان فيمكن أن يكون من ضمن المجموعة التالية : الطمّاع الذي يأخذ أكثر مما تسمح به قدراته ، واللص الذي يسلب الآخرين حقوقهم الفكرية،والمغامر الذي يجرب المخاطرة ويشعر بالقدرة على اختراق الحواجز ، والمتمرد الذي يخرج عن السلطة ويكسر قوانينها، والسيكوباتى الذي لا يحترم قوانين المجتمع ويعيش لرغباته ومكاسبه،والإتكالي الذي لا يحب أن يتعب نفسه ، ويعتمد دائما على جهود الآخرين ،والإنتهازي الذي يغير مبادئه إذا وجد أن هذا سيحقق مصالحه .
أما المراقبين الضعفاء فيمكن أن يندرجوا تحت النقاط التالية : المشوه فكرياً الذي لا يرى في الغش مشكلة ، بل يراه نوعا من الرحمة للطالب وخدمة للمجتمع بنجاح أكبر عدد من الطلاب ، والمجامل الذي يحب المجاملات ويضعف أمامها فلا يقول لا لمن يطلب منه الفرصة ، وضعيف الشخصية , الذي لا يستطيع أن يقول لا على الرغم من رفضه الداخلي للغش ومعرفته بعدم مشروعيته ، إلا أنه يفضل تجنب المواجهة ويترك الأمور تسير ، والسيكوباتى الذي لا يحترم القوانين, والذي يسهل عملية الغش سواء مقابل مكاسب مادية أو وظيفية أو اجتماعية .
فالطالب حين يمارس الغش منذ صغره فإنه يتعلم هذا السلوك بكل تفاصيله ، وفي كل عام يتفنن في وسائل جديدة مما يكسبه مهارات سيكوباتية تتراكم معه مع الزمن حتى إذا كبر صار سيكوباتيا كبيرا يخدع الناس ويسطو على حقوقهم دون أن يتمكنوا من إيقافه ، لأنه يكون مسلحا بقدرات غير عادية اكتسبها على مدار السنين من خبرات الغش المدرسي والغش الحياتي، وربما يصل إلى مناصب قيادية تمكنه من نشر قيمه ومفاهيمه على مستوى أوسع في المجتمع , وبهذا يهيئ وجود قواعد أخلاقية فاسدة تحتمي بقشرة زائفة من الأخلاق الواهية يخدع بها الآخرين .
وعليه نتساءل عن هذه النفس البليدة الأمارة بالسوء التي حبذت الطرق الملتوية بدل الجهد والمثابرة ، هل فكرت يوماً بمسألة قطعية لا جدال فيها تضم شقين أولهما : المعرة والعقاب وعلى مرأى ومسمع الجميع ، عندما يقع في قبضة المراقب الحريص الأمين ، وثانيهما : اكتساب المعلومات أثناء مراحل الدراسة وخزنها على شريط الذاكرة وبرمجتها في الدماغ ذا الأسلاك المكتظة في مجتمع سريع التطور والتغير والتجدد والإبداع ، هل فكّر كيف يمكن له أن يجالس الأخرين المثقفين ، فلابد أذن من الطرق بمطرقة النصح الحديدية على هذا الدماغ المتحجر الصدئ المتبلد الذي يمارس الغش في حياته ، ورفع النقاب عن حقيقة العلم والشرع والأحاديث النبوية الشريفة التي تنساب كالدرر والتي تحثنا على العلم والتعلم ومنها قول سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ( أطلب العلم من المهد الى اللحد ) ، وقوله : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) ، وقوله : ( أطلب العلم ولو كان في الصين ) ، وقوله : ( من غشنا فليس منا ) ، ومن هذه المقدمة الموجزة أجمع الخيوط الرئيسة للموضوع وأنسج منها الخلاصة من وجهة نظري كباحثة : بأن مبررات اللجوء إلى الغش تتمثل في الظروف النفسية والبيئية والبيولوجية والنفس الأمارة بالسوء وعدم اكتراث الأستاذ وضعف سيطرته على الوضع الإمتحاني وانعدام الوازع الديني والوعي والنصح والإرشاد ، وانتشار الجهل بين صفوف الطلبة كل ذلك شكل بيئة خصبة لنمو مثل هذه الظاهرة السلبية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع