الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدعو لحذف التربية الدينية من مدارس الأطفال في شمال افريقيا

كمال آيت بن يوبا
كاتب

(Kamal Ait Ben Yuba)

2016 / 8 / 16
التربية والتعليم والبحث العلمي


شعارنا : حرية – مساواة – أخوة
من أجل ثقافة عقلانية تنتمي لعصرنا ، الفكر يهزم الإرهاب

علم الأديان science des religions هو تلك المعرفة العلمية الحديثة المعتمدة على المنهج العلمي الديث التي تتناول بالملاحظة والتحليل والمقارنة و التقصي والإحصاء وغير ذلك كل الأنشطة الدينية في كل الأرض كظواهر إجتماعية تخص الإنسان سواء كانت طقوسها و معتقادتها يتم التعبير عنها فرديا أَم جماعيا .
ملاحظة الظاهرة الدينية بموضوعية وحياد تعني أن الملاحظ العلمي يتصرف و كأنه كاميرا تنقل الواقع كما هو دون تدخل الذات في الموضوع .
تتم الاستعانة طبعا بتقنيات أصبحت عادية جدا في مختلف مجالات العلم العصري كالكمبيوتر وتقنيات التأريخ النسبي والمطلق (بواسطة الكربون 14 ) datation relative et absolue و اختبارات إثبات النسب في البيولوجيا و اختبار الحمض النووي و الحفر الاركيولوجي وغير ذلك .
تاريخ الأديان histoire des religions هو أيضا موضوع لعلم الأديان .لكن التاريخ histoire كما نعلم يمكن أن لا يكون موضوعيا .و لأسباب متعددة يمكن اخفاء معلومات منه أوإختلاق اخرى .و لذلك لعلم الأديان علاقة بتاريخ الأديان من وجهة نظر أركيولوجية أي أنه لا يصدق الروايات و إنما دوره إقامة الدليل العلمي على صحتها أو على بطلانها من خلال مخلفات الحضارات القديمة و آثارها.فمثلا بعض الأحداث التاريخية التي تم التعرف عليها علميا بشكل دقيق يمكن أن تكون متضمنة في وثائق دينية ما..وإذا كانت مخالفة للواقع الذي تم الكشف عنه يُفهم منه أن ورودها في تلك الوثائق بالتاريخ date الذي تم ذكره أو الأحداث المصاحبة لها هو مجرد أكاذيب .و بواسطة طريقة الكربون 14 التي تمكن من تأريخ datation المادة العضوية يمكن تأريخ الوثائق المختلفة بدقة .فالقول بأن وثيقة ما ترجع للتاريخ date الفلاني هكذا دون دليل لا يكفي .إذ تقنية الكربون 14 يمكن ان تثبت صحتها او كذبها ....
يدرس علم الاديان ايضا النصوص الدينية من الناحية اللغوية و الأسلوبية إحصائيا لمعرفة ما إذا كان نص ما هو لمؤلف واحد أم لكثيرين من خلال الدراسة المقارنة للوثائق .. الخ.
وعلم الأديان لا يقتصر فقط على الظاهرة الدينية في حد ذاتها كموضوع مجرد بل يتعدى ذلك لتأثيراتها على الشعوب والجماعات اجتماعيا و ثقافيا واقتصاديا وسياسيا و سيكولوجيا و سلوكيا وغير ذلك .
ولذلك كما تسمى الجيولوجيا علم الأرض وهي في الواقع مجموعة علوم من جوانب متعددة للظواهر الفيزيائة والكيميائية و الاحيائية التي تحدث في الأرض ،فإن علم الأديان يتفرع لعدة فروع لكل منها تخصص في جانب معين سمته الاساسية الموضوعية .
ما يسمى "علم" اللاهوت في الثراث المسيحي مثلا ليس علما بمفهوم العلم الحديث. لان الدارسين لعلم اللاهوت المسيحي هم في الغالب مؤمنون بالمسيح أو هكذا يقولون .و عبارة "بإسم الآب و الإبن و الروح القدس" التي يقولها من يقولون انهم مؤمنون مسيحيون و تعني انهم يمثلون الله على الارض و يفعلون كل شيء بإسمه أي نيابة عنه ، لا تعني شيئا بالنسبة لعالِم الاديان الذي بالنسبة له كل معلومة يجب ان تُسند بدليل دامغ على صحتها.و تعني فقط أن "المسيحيين يقولونها معتقدين أنهم ممثلين لله على الارض و ما سواهم ليسوا كذلك" .هذا هو ما تعنيه كمعلومة تعبر عن حقيقة سلوك المسيحيين الظاهري و ليس عن صحة ما يعتقدون. و لإثبات نيابتهم عن الله عليهم أن يثبتوا ذلك بالدليل العلمي أو أن يأتوا بتفويض مادي ملموس يثبت هذه العلاقة..
نفس الشيء بالنسبة لما يسمى في الثراث الاسلامي علوم الحديث أو علوم المصحف العثماني أو علوم التوراة و الاسرائيليات الخ .فهي ليست علوم بالمفهوم العصري و انما معارف تهتم بما تم تلقيه و كتابته وتراكمه ونقله عبر قرون عن المواضيع التي تتطرق لها. و لذلك يهتم علم الأديان بمضمونها في مقارنته بمعلومات العلم العصري في مختلف المواضيع و بتأثيرها على المجتمع و على العالَم من نواحي عديدة ثم بتاريخيتها كأحداث حدثت في الماضي ولا تزال تعاني من تاثيراتها السلبية مختلف القارات.
من الناحية العلمية أي بإستعمال مايكروسكوب المنهج العلمي العصري ومعلومات العلوم الحقة يمكن اليوم تفنيد معلومات أي دين اذا ادعت العلمية .ببساطة لأن معلومات الأديان تمت كتابتها من طرف أناس كانوا يعيشون قرونا عديدة تعد بالعشرات قبل الآن لم تكن فيها علوم عصرية بالمفهوم الحديث .و هذا كاف بالنسبة لتطور الفكر البشري والعلمي اليوم كي يُستدل به على تخلف تلك المعلومات بالنسبة للوقت الحاضر. لأن تغير الزمان و الفضاء العام في الأرض و علاقات الناس ببعضهم وإستعمال أدوات جديدة في التواصل والإتصال و السفر و ربح الوقت وتحصيل المعرفة ونقل المعلومات و نشرها يغير طبائع الاشياء و المجال المعرفي والنفسي و التمثلي الذهني للانسان. هذا شئ طبيعي .
و رغم ذلك فلايزال زعماء بعض الطوائف الدينية اليوم يدَّعون أن طبعتهم للدين (تفسيراتهم الخاصة له) هي الصحيحة بالنسبة للاديان الاخرى بل حتى بالنسبة للطوائف المخالفة لها داخل نفس الدين .مثال الطوائف اليهودية المختلفة و البروتستانت المسيحيين والكاثوليك و الشيعة والسنة و الاحمدية أو الحنابلة والمالكية و الشافعيين داخل مذاهب المسلمين السنة .. الخ....
هؤلاء الأخيرين مثل الآخرين يقولون أنهم ينطلقون من الكتاب والسنة .ضمنيا يُفهم من ذلك كأنهم يقولون - بما أن تفسيراتهم لنفس الكتاب والسنة مختلفة - أن ما يفرق بينهم هو هذا الكتاب والسنة بالضبط. هذا هو صميم الاستنتاج المنطقي لما يقولون .لكنهم لا يجرؤون على قول ذلك كما لا يجرؤون على قول الكثير من الاشياء التي يقولها آخرون كأسباب لخروجهم من نفس الدين .
الخائفون يخشون التكفير و الإتهام بالردة عن الدين .ومعلوم ما تعني الردة عن الدين.انها تعني الاقصاء ظلما لاقصاء الاختلاف او النقد لمعلومات الدين المرتبطة بسلطة استبدادية عجزت منظومة التدليس التي تتبناها عن البرهنة عليها بالدليل و البرهان..وهو ما يعني اننا اصبحنا خارج المعرفة العلمية لكن في نطاق مجال أخر و هو مجال فرض الامر الواقع بالقهر والتخويف ودفع الناس للخوف من طرح السؤال حتى صار يقال ان الشك الذي هو آلية من آليات التفكير حرام نهارا جهارا . فصارت الخرافات و الأكاذيب المفروضة فرضا يعتقد الناس أنها حقائق و يمشون بها في الشارع بل يصرحون أمام الآخرين على أنها كذلك .و هكذا صار الجهل و العار حقيقة وواقعا إجتماعيين في المجتمع الاستبدادي رغم مخالفتهما لمعلومات العلم الحديث .
هذه هي الدوغما التي تفرضها دولة الاستبداد اي تلك الدولة التي تفرض نسقا من الثقافة و الافكار بالقهر و القوة على المجتمع و تمنع الجدل الفلسفي و العقلاني.
ليست دولة بمعنى الكلمة ، في حدود عدم حمل المواطنين للسلاح لتقويض هياكل الدولة ، تلك التي لا تتبنى الحياد التام تجاه مواطنيها ، ولا تتعامل معهم على قدم المساواة ،إذا ألغت أو لم تعترف لجزء من مواطنيها و لو كان مواطنا واحدا بسبب اختلاف في الافكار او اللغة او الدين او اي بعد اخر من بعد الهوية الانسانية و داست على حرية الفكر و التعبير و الاعتقاد غير الداعي للعنصرية أو العنف أو الكراهية وكل الحقوق المنصوص عليها في منظومة حقوق الانسان الدولية. .و انما هي دولة استبداد مهما حاولت التاكيد في خطاباتها على عكس ذلك .
و الاعلان من طرف حاكم ما على ان نسخة ما من نسخ الاديان الموجودة هي نسخة دين الدولة في حد ذاته هو نوع من عدم الحياد.لان النسخة المقصودة تجعله في تضاد و عداوة سياسية في الباطن تتخذ في الظاهر طابعا دينيا مع المتبنين للنسخ الاخرى سواء داخل الدولة أو خارجها .و بالتالي يجعل نفسه في مرمى انتقادات المخالفين سواء في الداخل او الخارج ويضرب مصالح الدولة و مصداقيتها في صفر .ذلك ان شكل الدولة وفقا لتلك النسخ المختلفة من الدين سيبقى دائما محط نقاش إلى الأبد بين المختلفين حول النُّسخ المختلفة لنفس الدين .هذا هو سبب اختلاف داعش مع منظمة القاعدة و مع جبهة النصرة و مع باقي الدول التي تتبنى الدين .
ولهذا فان الدولة كهياكل و ادارة قانونية و ليس المجتمع و كشخصية معنوية لكي تكون محايدة لا يجب ولا يمكن ان يكون لها دين الا اذا كان ذلك الحاكم يقول للناس ضمنيا انه "هو الدولة " ..
في نفس السياق فالمدرسة كمؤسسة عامة هي كالدولة يجب ان تكون محايدة وتعلم المواطنين منذ الصغر القيم الكونية وحقوقهم وواجباتهم تجاه الدولة التي يجب ان تعني سيادة الشعب و تجاه بعضهم بعضا والمشترك بينهم كمواطنين وتعطيهم فكرة عن الواقع بثقافاته المتعددة الذي سيجدونه لما يكبرون لا أن تلقنهم ما يفرق بينهم مثل ما يحصل الآن في شمال إفريقيا والشرق الأوسط حينما تفرض عليهم تعليما دينيا يصور الإسلام بنصوص مضافة بعد وفاة رسول العرب من طرف اعدائه و ضدا على نصوص أخرى مناقضة على أنه سياسة متغيرة المصالح و إرهاب و أن محمد كان أحد قطاع الطرق مزواجا يحلل السطو والإعتداء على الآخر و السبي والغنائم.
إسلام يحتمل آلاف التفاسير والتأويلات المبهمة و الضبابية التي تفرق و تثير النزاعات بين الناس اكثر مما توحد و تدفع للهدوء والسلام عن طريق تعليم تشغيل العقل والحس النقدي والتسليم بضرورة احترام الآخر كواجب للعيش المشترك و الحث على التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع كي يكون قويا .و هو ايضا التعليم الديني للاسف الذي يؤسس لعدم المساواة وللاستبداد و يجعله شرعيا ويمنع السؤال و يُحَرّم الشك وهما الآليتان الاساسيتان لاشتغال الفكر البشري الثروة الحقيقية لتقدم الشعوب و نهضتها.
و لهذا اصبح من الواجب اليوم في شمال افريقيا على الاقل التي هي منطقيا وتاريخيا ليست ضيعة عربية على كل حال ، كاجراءات عملية عاجلة ذات ضرورة قصوى لمحاربة ظاهرة الارهاب و العدوانية الآتية من الشرق والتي تلتهم الكثير من الوقت و المال والرجال في احد جوانبها التعليمية على الاقل التي تزيد الطين بلة ، ترك دراسة الأديان كتخصصات و بموضوعية لِما بعد البكالوريا في الجامعات لمن اراد و تخليص الصغار منها نظرا لعدم نضج عقولهم بما يكفي وتعويضها بالتربية على المواطنة والأخلاق و إحترام الاختلاف إختلاف الاعتقاد واختلاف الثقافات و التصورات التي توجد في المجتمع . و هي التربية التي تجد برنامجها في منظومة الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الإتفاقية الدولية لمنع جميع أشكال التمييز ضد السيدات والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و القيم الكونية للتعارف والتعاون والصداقة بين الشعوب .
و الا فان مصداقية المدرسة وخطابات الحكام عن محاربتهم لظاهرة الارهاب و عن الحرية الفعلية و الكرامة الانسانية و عن الاصلاح ستكون فاقدة للمصداقية و حديثهم عن عملهم من اجل التقدم والنهضة سيكون مجرد وهم مثل باقي الاوهام .
ملحوظة : يمكن الإستئناس ببرامج التربية على المواطنة والأخلاق الذي أعدته وزارة التربية الفرنسية في التعليم الإبتدائي والأعدادي أسفله للمزيد من التفاصيل و بطبيعة الحال يمكن ملاءمة ذلك مع نظام كل دولة من دول شمال افريقيا فنقل تجارب الدول الناجحة أفضل من نقل تجارب الفاشلة .
الرابط : نسق اخلاقي و حقوقي جميل جدا
https://www.aphg.fr/IMG/pdf/150717-programme-emc-ecole-college.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جيد جدا اتفق مع معظم ما جاء فيه
ملحد ( 2016 / 8 / 17 - 07:55 )
مقال جيد جدا اتفق مع معظم ما جاء فيه

تحياتي


2 - أكثر من رائع
منير جمال الدين سالم ( 2016 / 8 / 17 - 09:35 )
مقال أكثر من رائع

اخر الافلام

.. بعد 9 أشهر من الحرب.. ماذا حدث في غزة؟


.. أبو عبيدة: محور وسط القطاع المسمى نتساريم سيكون محورا للرعب




.. 10 شهداء على الأقل في استهداف الاحتلال لمنزل مأهول في منطقة


.. قطاع غزة.. حياة الأطفال مهددة بسبب نقص الدواء والغذاء




.. تفاعلكم | صدمة.. حقائب البراندات العالمية لا تكلف صناعتها أ