الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
وسقط الضمير .. ( مسرحية من فصل واحد ) .
حامد حمودي عباس
2016 / 8 / 17الادب والفن
المكان : قاعة محكمة .
الشخصيات :
* ثلاث قضاة يجلسون خلف منصة القضاء .
• شخص الادعاء العام يجلس خلف منصة الادعاء .
• محامي الدفاع .
• شخصية الضمير .
• شخصية الرأي العام .
• مجموعة من الشرطة موزعين في القاعة .
• مجموعة من الحاضرين على خشبة المسرح لمتابعة وقائع الجلسة .
• المتهم .
ترفع الستارة :
القضاة يتشاورون في أمر ما .. الادعاء العام يبحث في اوراق امامه .. عدد من الشرطة يتحركون باتجاهات مختلفة ، وأحدهم يقف بجوار قفص الاتهام .. القضاة ينتظمون في جلستهم .. القاضي يدق بمطرقته منبهاً الجميع ببدء الجلسة .
القاضي - نادي على المتهم .
المنادي - المجرم سلمان الغاضب .
القاضي منبهاً المنادي :
- من قال لك بانه مجرم ؟ .. نحن لم نصدر حكماً بذلك لحد الان .. نادي عليه بالمتهم ، وكن مراعياً لتنفيذ مهامك على أصولها .
المنادي - المتهم سلمان الغاضب .
تحدث جلبة في القاعة ، فيدق القاضي بمطرقته طالباً الهدوء .. اعناق الحاضرين جميعهم مشدودة نحو الباب الذي سيدخل منه المتهم .. ثمة حركة يشوبها الحذر من قبل الشرطة بمواجهة تلك الباب .. يدخل سلمان الغاضب وهو مكبل بالحديد يحيطه جمع من افراد الشرطة ، ليوضع داخل القفص .
القاضي مخاطبا الشرطي القريب من القفص:
- إرفع القيود عنه .
الشرطي - سيدي ، انه مجرم خطر ، وليس من الصحيح ..
القاضي مقاطعا :
- ما هذا ؟ .. كيف يمكنني متابعة مهمتي كقاضي ، ولا احد منكم ينفذ أوامري ؟ .. الرجل داخل القفص ، وانتم تحيطون به ، فهل سيقفز من فوق كل تلك الحواجز ويهرب مثلا ؟ .. ارفعوا القيود عنه فوراً .
الادعاء العام واقفا في مكانه :
- قبل ان ترفعوا قيود هذا المجرم .. دعوني انوه للسيد القاضي ، بأنه سبق له وان قفز من فوق حواجز أكثر ارتفاعاً من هذا القفص ، وكان حينها مكبلاً بقيود هي الاخرى اكثر قوة من هذه التي تحيط به الان .. وما اعتقده هو ان الحيطة توجب علينا ان نبقيه مكبلاً .. علماً بان اجراءات محاكمته ستكون سليمة ، طالما باستطاعته الكلام وبحرية تامة .
القاضي مخاطباً الادعاء العام :
- القانون لا يسمح لي باتخاذ مثل هذا الاجراء .. الرجل لا زال متهم ، ولم تثبت ادانته .
يرفع سلمان الغاضب كلتا يديه وهما مقيدتان طالباً الإذن بالحديث .
القاضي - نعم .. ماذا تريد ان تقول .
سلمان الغاضب لا يجيب ويكتفي بالنظر الى القاضي ثم يطرق برأسه الى الاسفل .
ضحك بين الحاضرين في قاعة المحكمة .. يتبعه طرق من قبل القاضي طالبا الهدوء .
رجل من احدى زوايا المسرح يأتي مسرعا وهو يرتدي عباءة المحامين ، ليقف امام القاضي :
القاضي - من انت وماذا تريد ؟
الرجل وهو يقدم ورقة للقاضي ويتحرك عدة خطوات للخلف :
- انا المحامي وكيل المتهم سيدي القاضي .
القاضي وهو ينظر في الورقة المقدمة اليه :
- ولكن ورقتك هذه لا تحمل توكيلاً رسميا من المتهم للدفاع عنه .. ليس فيها غير اسمك وعنوانك ؟.
المحامي - سيدي القاضي .. المتهم استنجد بي حين قال ، لا لسان لجسد مكبل بالقيود حتى يقوم بالدفاع عن نفسه .. وقد اصبح من الواجب علي أنا ، كمحامي ، ان انطق بلسانه لكي اوضح الحقائق امام عدالتكم .
القاضي – ولكنه لم يتكلم ولم اسمع منه حرفاً واحداً ..
المحامي موجهاً كلامه للقاضي وهو يقترب منه :
- هذه المرافعة القضائية سيدي القاضي ، ليست كبقية المرافعات الاخرى .. فالمتهم فيها بدون لسان ، انه لا يستطيع الكلام .. ومن اجل ان يكون حكمكم أقرب الى العدالة ، على الدفاع ان ينوب عنه بالتكلم والرد على ما توجهون اليه من اسئلة .
سلمان الغاضب يرفع يديه مرة اخرى دون ان يتكلم .
الادعام العام - ها قد نطق بلسانه .. ونحن جميعا فهمنا ما يقول .. ( موجها كلامه للمحامي ) .. فكيف تدعي بأنه فاقد للنطق ؟ . . ثم كيف له ان يقر بتوكيلك بهذه القضية أصلاً وهو عاجز عن الكلام والحركة كما تدعي ؟ .
المحامي ضاحكاً :
- كيف له ان يندب احداً للدفاع عنه ، واطرافه جميعها ميتة ، وقد اصابها الشلل التام جراء ما فعلته به السلاسل الحديدية وحبسه الانفرادي منذ عام ونصف على ذمة التحقيق ؟ .. ( مشيراً بيده الى المتهم ) .. أنا في الحقيقة لم اسمعك .. ( موجهاً كلامه الى القضاة ، ثم الى الحاضرين في قاعة المحكمة .. وبعدها الى جمهور المشاهدين ) .. هل سمع احدكم هذا الرجل وهو ينطق بشيء ؟ .
الادعاء العام - كيف اذن نصبت نفسك مدافعا عن رجل نصفه ميت ، ولم يقم هو بالذات بتكليفك بهذه المهمة ؟ .
المحامي - الرجل لم يكلفني بذلك . .
القاضي وهو يضرب ضربة واحدة بالمطرقه :
- من كلفك اذن بان تكون مدافعاً عن المتهم ؟ .
المحامي - لم يكلفني أحد يا سيادة القاضي .. المدينة بجميع سكانها علموا ، وأنا منهم ، بان المتهم سلمان الغاضب ، سيمثل امام محكمتكم الموقرة صباح هذا اليوم ، وقد تبرعت بالدفاع عنه دون تكليف منه ، لعلمي بأنه لا يملك حراكاً ليدافع عن نفسه .
رجل يقف من بين الحاضرين لمتابعة الجلسة قائلا :
- إرفعوا قيوده حتى يستطيع التكلم ورد التهمة عنه .
القاضي – من انت ، وكيف لك ان تتحدث من مكانك وبدون اذن ؟ .
يتقدم الرجل من منصة القاضي وهو يقول :
- أنا الضمير يا حضرة القاضي .. ولدي تخويل من قبلكم جميعاً بالتحدث نيابة عن الحق .. ايمكنك يا سيادة القاضي ، وانت يا سيادة الادعاء العام ( ملتفتاً الى جمهور المشاهدين في قاعة المسرح ) وانتم ايها السادة الكرام ، أيمكنكم ان تتقبلوا غيابي عندما يصار الى اصدار حكم قضائي بحق واحد منكم ؟ .. أنا الضمير يا سيدي القاضي .. الضمير .
القاضي ( مشيراً الى المحامي ) :
- وهذا الاستاذ .. ماذا يمكن ان يكون ؟ .. انه بالتأكيد مدافع عن الحق أيضاً .
الضمير – كلا يا سيدي .. قوانينكم قد لا تخدم مبادئ العدالة على الدوام .. انا الان ، وخلال هذه الجلسة ، مندوب رسمي للتحدث باسم الحق ، وللحق قوانينه الخاصة به ، لم تنص على اغلب بنوده مواد القانون الموجودة بين أيديكم ..
القاضي – المحامي اذن ، ما هو دوره .. ما الفرق بينك وبينه ؟ .
الضمير ( وهو يقف قريباً من قفص الاتهام ، وموجهاً كلامه الى القاضي ) :
- أنا يا سيدي ، اسعى جهدي للاقتراب من ساحة النطق بالحق .. ويلغيني تماماً ان يحاط حضوري بملامح الشك ، أو التكهن ، أو أن تحضر معي في نفس المكان أية صورة من صور النفاق .. اما السيد المحامي المحترم ، فعمله مقترن فقط بالالتزام بنفس بنود قوانينكم ، وما ترمي اليه تلك القوانين من صيغ قد يتم تكييفها حسب الاهواء ، فيصاب الحق أحياناً بالضرر .
الادعاء العام ساخراً :
- ما هذا الهراء ؟ .. أنا مثلاً ، كممثل لحقوق المتضررين جراء جريمة اقترفها هذا الماثل امامكم في القفص الان .. كيف يمكنني اداء ما علي من واجبات ، وانا عديم الضمير ؟ .. ( ملتفتاً الى القاضي ) .. اطلب من سيادتكم طرد هذا المدعي كذباً من القاعة لسببين ، الاول هو انه تكلم بدون اذن ، والثاني لكونه اتهمنا جميعاً بعدم العدالة في احكامنا على ما يعرض علينا من قضايا .
الضمير مخاطبا القاضي –
- تفضل يا سيدي .. الم أقل لكم بأنكم تحكمون على الناس وفقا لأهوائكم احياناً ، فتنتهي الضحية على أيديكم الى حيث القصاص الظالم ؟ ..
القاضي موجهاً كلامه الى الضمير:
- لا تبتعد بتجاوزك على المحكمة اكثر من الحدود المقبولة ، وإلا حبستك 24 ساعة ، وبعدها سيكون الحكم أشد .
الضمير – تستطيع يا سيدي ان تفعل بي ما شئت .. ولك ان تسمح بوضع السلاسل حول جسدي كما هو حال هذا المسكين ( مشيرا الى المتهم في قفصه ) .. وحينها فقط سوف اكون مثله ، بدون لسان ، ولا أمتلك أي حراك يعرقل قدرتكم على النطق بالحكم في أية قضية .
القاضي موجها كلامه الى الشرطه :
– أمرتكم بأن ترفعوا قيود المتهم منذ بداية الجلسة .. تحرك انت الواقف بالقرب من القفص لرفع قيوده .
يخاف الحاضرون في قاعة المحكمة ، ويحدث لغط في القاعة .. ويصيح بعضهم :
– لا يا سيادة القاضي ، لا تأمر بتحريره من القيود .. سوف يقتلنا جميعا حين يعود له لسانه .. اننا جميعا كما ترى لا نرغب بصدور حكم ببراءته ، وهذا الحكم سوف لن يصدر ما دام هو عاجز عن الكلام .
القاضي مخاطباً الشرطه – إرفعوا القيود عنه .
يتجمع الشرطة حول القفص استعداداً لحدوث أي رد فعل يتسم بالخطورة .. يقوم احدهم برفع القيود عن جسد سلمان الغاضب .. تسقط السلاسل على الأرض ، فينسحب افراد الشرطة بسرعة بعيدا عن القفص .. يتحرك سلمان الغاضب في مكانه .. يتلفت بكل الاتجاهات ، ثم يقول :
– أين انا الان ؟ .. اضنني في المحكمه ؟ .
القاضي – نعم .. انت في المحكمة .. وقضيتك امامها الان ، وعليك الاستماع جيداً لما سيجري فيها من حيثيات كي لا تدعي بعدها بأنك مظلوم .
يعود المحامي للاقتراب من منصة القاضي ، في الوقت الذي يقوم فيه أحد الشرطة بإحضار كرسي ليجلس الضمير عليه في مكان ظاهر وقريب من قفص الاتهام .
المحامي – انا هنا من جديد يا سيادة القاضي .. والآن يمكنني الدفاع عن هذا المتهم ، طليق اللسان والسمع والمشاعر .. وحين تأذنون لي بالحديث سوف افعل .
الضمير – وأنا هنا ايضاً ، قريب منكم ، اراقب اداء كل واحد في هذه القاعة ، لأرد عليه ما فعله إن كان منافياً لأحكام الضمير .
القاضي – لتبدأ الجلسة إذن ، وعلى كل منكم ان يبقى ضمن حدوده المسموح بها ، حتى لا نخرق ما للمتهم من حقوق .. ( موجهاً سؤاله الى المتهم ) :
- اسمك ، وعنوان سكنك ، وماذا تشتغل ؟ .
المتهم – اسمي سلمان الغاضب .. وعنوان سكني في كل بيت من بيوت المدينة .. فأنا الان أشهر من علم ، يعرفني الجميع لخوفهم من سطوتي في القتل وحبي للجريمة .. أعمل منذ سنين في مقهى يزورها الناس عندما يحلو لهم سرد حكاياهم وعلى سجيتهم وبدون رقيب ، لم اكن يوماً وسيطاً لنقل سر من اسرار الناس بعد سماعي لها من افواه اصحابها الى الاخرين .. كنت سعيداً بعملي ، والذي لم يتوقف حتى قمتم بقطع لساني وإيقاف سمعي ونهب مشاعري جميعها بلا استثناء ، فألقيتم بي داخل حبس انفرادي مضى علي فيه عام ونصف وأنا على ذمة التحقيق .
القاضي غاضباً – المحكمة لا شأن لها بما جرى لك في السجن .. نحن مكلفون بإثبات جرمك من عدمه فقط .. أنت متهم حاليا بأنك قمت بسرقة خزائن الحكومة ، فما قولك ؟
المتهم – لم أفعل .
المحامي بعد طلب الاذن من القاضي :
– كيف لرجل مسكين كهذا ( مشيرا الى المتهم ) أن يسرق خزائن يحرسها المئات من الجنود ، ويتم التأكد من محتوياتها من قبل الحكومة عند كل صباح ومساء ؟ .
القاضي – التحقيق اثبت بأنه اقدم على اقتراف هذه الجريمة .
المحامي – أي تحقيق هذا يا سيادة القاضي ، والمتهم لم يسمع بفحوى التهمة الموجهة اليه إلا من عندك قبل لحظات ؟ ..
القاضي موجهاً كلامه الى المتهم :
- ماذا كان يجري معك في غرف التحقيق ؟ .. اخبرنا بكل شيء ولا تخف .
يقف الضمير في مكانه ويصيح :
– كلا .. كلا يا سيادة القاضي لا تدعه يفعل .. الا اذا كنت انت متيقن من قوة الضمير فيك ، وتكون قادر على دفع ما سيحصل له .. إنهم سوف يضعونه امام تبعات ورقة ، تعهد بموجبها على ان لا يذكر اي تفصيل من تفاصيل ما جرى له اثناء عملية التحقيق .
القاضي للمتهم – ما هو مضمون الورقة التي يشير لها الضمير هنا ؟ .. بماذا تعهدت لهم قبل احالتك الى المحاكمة ؟ .
المحامي مخاطبا سلمان الغاضب :
– أنا أرى بان توضح للمحكمة ما جرى لك أثناء التحقيق .. فلعل ذلك ينفعك في دفع التهمة عنك
القاضي للمتهم – تكلم .. اخبرنا أولا عن طبيعة التعهد الذي قطعته على نفسك خلال وجودك في السجن .
الضمير – إنني اكرر لسيادة القاضي .. لو أفصح المتهم عن طبيعة هذه الورقة .. هل تمتلكون القدرة على حمايته من قوة شديدة العزم ، ستدفع به الى هاوية البقاء تحت رحمة التحقيق لخمس سنين أخرى ؟ .
القاضي – تكلم يا سلمان .. ما هو مضمون تلك الورقة ؟.
المتهم – لقد وقعت بأمر منهم ، على ورقة تحمل نصاً تعهدت من خلاله على ان لا أذكر تفاصيل ما جرى لي في السجن .. وبخلافه سوف اعرض نفسي الى عقوبات أشد مما لاقيت .
القاضي – طيب .. دعك مما احتوته تلك الورقة .. المحكمة كفيلة بحمايتك عند الضرورة ، واخبرنا بما حصل لك في السجن .. كيف كانوا يتعاملون معك ؟ .
المتهم بعد فترة صمت قصيرة :
– عام ونصف .. مدة طويلة كدهر ابتدأ وليس له من نهاية .. لم ارى خلالها إلا حواجز صماء من خرسانة تلتف حولي لتحجب عني الضوء والهواء ، وكادت تنسيني لغة التخاطب مع سواي من البشر .. لقد كانت ظلمة سرمدية بدت وكأنها لن تموت الا بموتي ، والذي بدا لي عصياً هو الآخر ، لا يريد ان يتلقفني كي استريح .. لم يخرجوني من هناك الا في اوقات تبدأ عندها شهيتهم للانتقام .. كانوا يضعون كل اغلال الدنيا فوق جسدي شرط ان لا أموت .. ففي موتي خسارة لهم حين يفقدون كائناً بشرياً يستطيعون اطفاء ساديتهم فيه .. أشاعوا عني باني مجرم خطر ، وبانني قادر على عبور اسوار السجون بقدرة لا يمتلكها الا الجن .. فوفروا امامهم امكانية منعي عن الاغتسال ، وحتى التغوط كما يفعل باقي البشر ..
القاضي – ألم تكن محبوساً من قبل ، وهل قمت بالهروب من سجنك ؟ .
المتهم – نعم .. تم اصدار حكم ضدي بتهمة سرقة حجر أثري من متحف المدينة .. ولكنني لم أهرب من السجن ، بل اطلق سراحي بعد انقضاء مدة الحكم .. واقسم لكم بالله العظيم ، بأنني لم اكن اعرف لذلك المتحف طريقاً ، ولم اقم حتى بالاقتراب منه يوما ً.
المدعي العام – اذن من هو السارق برأيك ؟ .
المتهم – وهل تصدق يا سيدي ، أن عاملا بسيطاً في مقهى ، يستطيع معرفة الكبار من سراق الآثار ؟ ..
المحامي بعد طلب الاذن بالكلام :
– هل يتكرم سيادة المدعي العام ، بالإفصاح عن المادة القانونية والتي تبيح له توجيه سؤال كهذا الى المتهم ؟ .. ما علاقة التهمة الحالية بما سبقها من تهم صدرت بحقها أحكام وانتهت ؟ .
المدعي العام – هي محاولة منا لتعزيز احتمالات وجود استعداد لديه باقتراف جرائم مماثلة يا حضرة المحامي .. التهمة الحالية بحقه متعلقة بالسرقة ايضاً ، وهذه المرة سرقة خزائن الحكومة .
يقف الضمير في مكانه قائلاً :
- إنني لا أرى أثراً للضمير في سعيك ايها المدعي العام ، كي تثبت قدرة المتهم على السرقة وبهذه الطريقة ..
يقف رجل من الجالسين في قاعة المحكمة ويصيح :
– كيف لكم جميعاً ان تمنحوا فرصة الخلاص من العقوبة ، لسارق مارس هذه الجريمة اكثر من عشرين مرة ؟ .
القاضي للرجل – من انت ؟ .. ولماذا تخرق القوانين وتتحدث بدون إذن ؟ .
الرجل – أنا الرأي العام يا سيادة القاضي .. أنا أمثل جموع الشعب .. امثل من يسمونهم بالجماهير .. ولابد من ان يكون لي حضور هنا في هذه القضية .. اليست هي قضية تمس حرمة المال العام ؟ .
القاضي مخاطباً الرأي العام :
- كيف علمت بان المتهم قد مارس الجريمة أكثر من عشرين مرة ؟ .
الرأي العام – هكذا يشاع في أوساط المدينة يا سيادة القاضي .
الضمير – ما اعتقده بهذا الشأن ، هو أن المجرمين الحقيقيين ، والمسئولين عن تنفيذ أغلب السرقات التي حدثت في المدينة ، أرادوا خلق بديل ينوب عنهم في تحمل التهم .. وليس أمامهم من بديل جاهز غير هذا الطيب ( مشيرا الى المتهم ) .
المدعي العام للمتهم – خير لك ان تنهي هذا السجال بان تعترف بجريمتك ، كونها مكتملة القرائن ، وفي حالة الانكار ، سوف نعيدك ثانية الى التحقيق ، فماذا تقول ؟ .
يصرخ الضمير وهو في مكانه :
– احتج .. سجلوا احتجاجي في محضر القضية أيها السادة ..
الادعاء العام للضمير :
– ماذا تريد اذن ، اكثر من توفر رضى الرأي العام ، عن حكم سوف يصدر بحق المتهم لو اعترف بذنبه ؟ ..
الضمير – هذا لو اعترف بذلك بعيداً عن التحقيق .. فلو قمتم باعادته الى هناك ، سوف يفقد لسانه من جديد ، ويبقى صامتاً مرة اخرى .
القاضي – قول الضمير فيه انصاف للمتهم .. يجب ان يبقى بعيدا عن أي وسائل ترغمه على الاعتراف بذنب لم يقترفه .
المحامي – شكراً سيادة القاضي .. انه قرار يحمل سمات العدل .. غير انني اود تذكيركم بعدم وجود شهود في القضية لصالح المتهم ، كونه كان لا يقوى على فعل اي شيء وسط زنزانته .. وأتمنى ان تشمل عدالتكم انصافه بهذا الخصوص أيضاً .
القاضي مخاطبا الادعاء العام :
- وكم هو عدد شهود الإثبات المسجلين لديكم ضد المتهم ؟ .
الادعاء العام : سبعون ألف يا سيادة القاضي .. انهم سكان المدينة جميعاً ، ينقصهم هؤلاء ، المحامي والضمير ، ونفر قليل من الحاضرين في القاعة .
أحدهم يصفق وحيدا من بين جمهور الحاضرين لمتابعة الجلسة .. القاضي يدق بمطرقته طلباً للهدوء .. يقف الرأي العام في مكانه ويقول :
– أنا ، الرأي العام ، باعتباري امثل الجماهير .. فعلى المحكمة ان تضع لي حساباً عندما تقرر اصدار حكمها بهذه القضية .. الجماهير لا تريد ان تبقي حياتها رهناً بحياة هذا المجرم .
المدعي العام – وهذا ما أراه أنا ايضاً .
المحامي – انا اعترض .
الضمير – لا يمكن لكم ذلك .
القاضي – ليس بمقدور أحد ان يفرض على المحكمة شروطاً مسبقة ، وسيبقى الحكم وفقاً لمواد القانون ، والفيصل في هذه الدعوى هو اننا نبحث عن الحقيقة .. والحقيقة فقط هي التي تهدينا الى ان المتهم مذنب ام بريء .
الضمير – يا لك من قاضي عادل .
تتحرك الاضواء على خشبة المسرح بطريقة متسارعة .. حركة غير منتظمة تختلط بأصوات غير مفهومة .. ثم يسمع صوت اطلاق نار ..
يعود الضوء طبيعياً الى المسرح ، ليظهر الضمير عندها مسجى على الارض .. أحد افراد الشرطه يصيح :
- لقد قتلوا الضمير يا سيادة القاضي ..
القاضي واقفاً في مكانه :
- من هم هؤلاء ؟ ..
الشرطي وهو يلطم رأسه :
- لا اعرف .. المهم .. الضمير يا سيدي تم قتله .
يصفق الرأي العام .. ويصفق ذات الرجل الذي صفق في المرة السابقة .
يخرج القاضي وبقية من معه من وراء منصة القضاء ، وكذلك المدعي العام ، ويتوجهون نحو مكان الضمير .. يتفحصه القاضي ثم يقول :
– نعم .. فعلاً .. لقد سقط الضمير ..
ثم يلتفت الى افراد الشرطة مشيراً الى المتهم سلمان الغاضب :
- ساعدوني في وضع القيود حول جسد هذا المجرم ولا تدعوه يفلت من ايديكم ، ريثما نسمعه النطق بتجريمه بعد قليل ..
يهرع القاضي والادعاء العام ومعهم الرأي العام ايضاً لمساعدة افراد الشرطة بوضع القيود حول جسد المتهم .
المحامي – ولكن وقائع الجلسة لم تنتهي بعد ايها السادة .. والمتهم سوف يعود بدون لسان ؟ .
القاضي وهو يسير نحو حافة المسرح المواجهة لجمهور المشاهدين :
– ليكن كذلك .. فهذا سيسهل علينا تحقيق العدالة وبشكل افضل .
يلتحق بالباقين من اعضاء المحكمة ، ليغادر الجميع القاعة ..
النهاية ..
تغلق الستارة
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الضمير 1
عبد القادر أنيس
(
2016 / 8 / 17 - 17:11
)
شكرا لك أخي حامد إمتاعنا بهذه المسرحية الرمزية.
لقد أعطيت للضمير الدور الحاسم في قرار العدالة. وهذا توجيه أخلاقي للقضية لا يحتمله الواقع. طبعا سواء الواقع كما نعيشه في بلداننا المتخلفة أم حتى الواقع كما تعيشه العدالة في المجتمعات المتمدنة.
مستوى العدالة في كل مكان لا يتعلق فقط بضمير القاضي، وغيره. طبعا هناك حالات شاذة قد يبلغ الأمر بالقاضي إلى التضحية بمنصبه وبامتيازاته وبكل الإغراءات من أجل إحقاق الحق. لكنها حالات نادرة. ما نعرفه أن العدالة هي نتيجة موازين قوى في المجتمع. ما نعرفه عن العدالة في البلدان الراقية وبلغت ما بلغت من المهنية وتوخي العدل إنما هو استجابة لمطالب المجتمع المدني الذي صار مؤثرا قويا في كل القرارات، بما فيها أحكام العدالة كونه صانع الحكومات والبرلمانات والسلطة والسلطة المضادة.
يتبع
2 - الضمير 2
عبد القادر أنيس
(
2016 / 8 / 17 - 17:12
)
العدالة عندنا غير عادلة، أو حسب المسرحية، لأنها بلا ضمير، بسبب كونها عدالة في خدمة سلطة مستبدة يريحها كثيرا غياب الشعوب أو حتى اصطفافها إلى جانب أعدائها (دور الرأي العام في المسرحية)، بل هي تعمل على تغييبه بكل السبل: القمع، التقسيم، الإعلام المشوه، التحالف مع رجال الدين، شراء الذمم...
الرأي العام في المسرحية يقف في صف أعداء العدل، وهي التفاتة ذكية. فمادام الناس عندنا منقادين في أحكامهم بالإشاعة، التي عادة ما يروجها أعداء العدالة وأعداء الشعب، فلا سبيل لإقامة عدالة منصفة.
خالص تحياتي
3 - شهادة اعتز بها
حامد حمودي عباس
(
2016 / 8 / 18 - 09:20
)
الاخ والصديق العزيز عبد القادر أنيس
كم اشعر بالفرح ، حين يردني تعضيد من متمرس في البحث ، وانت واحد ممن عرفتهم لك باع في هذا المجال .. انا في محاولاتي الكتابة بهذا النوع من الفن ( المسرح ) ، اجدني احيانا لدي الامكانية بالمخاطرة في ولوج بحوره ، دون ان تكون عندي الملكة الاكاديمية المتخصصة تخصصا دقيقا كما هو لدى الاخرين .. واحيانا ايضا ، فانني أرى عدم تحقق الفائدة المرجوة من عرض هكذا نشاط على العامة ، حينما يصار الى البقاء في دائرة اعجاز يصعب على العامة فهمه كما في ( عطيل ) أو مسرحيات شكسبير وغيره من الكبار .. بمعنى ان مسرحية من فصل واحد قد تصلح لنقل فكرة مفيدة ستكون افضل من سواها مما لا يدرك بسهولة ، ولا يشاهده غير أصحاب الشأن .. شكراً جزيلا ، وأعدك بناء على تشجيعك لي ، بنصوص اخرى .
4 - القانون يبني الأخلاق
ليندا كبرييل
(
2016 / 8 / 18 - 17:47
)
عزيزي أبو رافد ونورس
الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
عودة طيبة بعد غياب طويل
تعيب العدالة والسعادة في الأنظمة السياسية في بلداننا، فيأتي الدين ليقدم نموذجا مثاليا لما ينقص الإنسان، ويوحي له بأن ركونه إلى الدين سيحقق العدالة والاطمئنان
فلا يمكن لإنسان يعرف ربه أن يتصرف بلا ضمير
لكنه الضمير الذي هو حكر على فئة معينة لها نفس التوجهات والمبادئ
يعمل الضمير الديني على التفريق بين الإنسان وأخيه وقمع المخالف وظلمه
وكما تفضل أستاذنا عبد القادر أنيس،فإن العدالة في البلدان الراقية كانت استجابة لمطالب المجتمع المدني
ويبدو لي أن مجتمعاتنا المتشرذمة المتقاتلة لن ترى هذا الحلم الجميل في تحقيق العدالة لكل فئات المجتمع دون تمييز
لذا سيبقى الناس في أحلامهم الدينية في الجنة المثالية هروبا من واقعهم المر على الأرض
نريدك دوما معنا أبو رافد
تقديري واحترامي
.. #شاهد مؤيدون لغزة يرددون النشيد الوطني الفلسطيني باللغة النر
.. خالد النبوي يساند ابنه «نور» في العرض الخاص لفيلم الحريفة 2
.. كزبرة و صناع فيلم الحريفة 2 في وصلة مزاح بالعرض الخاص
.. نور النبوي يمازح الجمهور في العرض الخاص لفيلم الحريفة 2.. «ا
.. محمد ثروت و نجله يساندون نور النبوي في العرض الخاص لفيلم الح