الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازدراء الأديان: من يسرق الله؟!

سامي عبدالعال

2016 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميع عبارات السخرية لا تكفي لوصف تهمة ازدراء الأديان. ينبغي وجود سخرية تواجه هذه التهمة الجديرة بالازدراء حقاً! لأنَّ ركض الاسلاميين خلف المفكرين والباحثين - وسط مجتمعات تسيئ بأكملها إلى الله- يمثل ذروة الملهاة!! لقد حولوا الحياة العامة إلى أحراش يقتنص فيها الارهابُ من يقف بطريقه. حتى أصبح المثقفون فرائس مطاردة كلما أدلوا بدلوهم في القضايا الشائكة. ومرة ليست بالأخيرة ستضيع أية مجهودات معرفية ناقدة ضمن هذا الجو من الرعب الاجتماعي والفكري. فضلاً عما ينذر به من مستقبل ظلامي لآفاق الحوار حول الديانات ومجالات استعمالها.
الحال أن الاسلاميين ينفثون إهانات يومية إلى أي دين طالما يخالف مذاهبهم. ويصنفون البشر على مقاييس اعتقادية تركها الله لتنوع الناس بلا حدود. ولو أن هناك معياراً– من أي نوع- لكانوا هم الذين يسيئون أولاً وأخيراً إلى المقدس. فمن لا يُقدِّر الإنسان حين يفكر بحرية لا يعرف إلهاً. ولا يحق له سرقة ملكوته ليسفك دماء الآخرين. فالتلصص الديني بهذا المعنى يضع أصحابه في خانة المتنطعين.
لكن الغريب أن يجري ذلك داخل المحاكم ودور القضاء المثقلة بالمشكلات والأعباء. كأن جميع القضايا قد حلت وانتهى أمرها. ولم يبق إلا ازدراء الدين والتجرؤ على الله. بينما يعرف الاسلاميون قبل سواهم أنهم يحتالون لقهر المجتمع على قبول مواقفهم وآرائهم. ولأن الطريق الوحيد لكشفهم كان التفكر العقلاني فإنهم يدعون الامتلاك الميتافيزيقي للقداسة. ويؤكدون حماية ما يمتلكون زاعمين أنه الخير العميم للناس والأرض جميعاً. وفي الطريق يشيرون إلى دفاعهم عن ثوابت الأمة وهويتها.
التنطع باسم الله طفرة جديدة في قضايا الدين. لأنه انتهاك لحقوق الإنسان، لا المختلف في المعتقد وحسب بل كذلك داخل الإسلام نفسه. فقد يظن الارهابي أنه يتحدث بشكل أحادي لا خطأ فيه مانعاً خصمه حتى من طرح رأيه. وتلك كانت خطوة أولى لتكميم الأفواه جميعاً. ليس خوفاً على الذات الإلهية لكن تمهيد للاستيلاء على المجتمع من باب خلفي. وبهذا لن يكف الإرهابيون عن التحرش بالأفكار المعارضة في شخص أصحابها. ولأنهم لا يقدرون على النزال الفكري فسيكون اعتقال الجسد هو المجال الواضح. ومن ثم كان تركيزهم على العنف المادي.
من الذي بإمكانه أن يحدد معايير هذا الازدراء؟ ومن يدعى هذا الحق أصلاً؟ هل بغلبة الفهم العام للنصوص الدينية؟ هل عن طريق الفقهاء ورجال الدين؟ وإذا تم ذلك هكذا أليست المسألة عودة إلى تفتيش الضمائر وحفر السرائر وتعريتها؟ فالقضاء لو أخذ خطوة كهذه فإنه سيشارك في جريمة جديدة غابرة. جريمة الحكم على الإيمان بوسائل غير إيمانية وبإجراءات مشبوهة. والتنقيب عن الأفكار بمعاول هدم قانوني. وستصبح تلك سابقة عقاب لا أكثر.
ظهر الازدراء الفعلي حينما تغنت جماعات الارهاب الديني بالقتل والذبح على قارعة الحياة. لم تأبه لمعاني الله في روح الإنسان. فهل الله، المقدس بعيد عن هذا الروح؟ وإذا كان الروح الإنساني كذلك كيف يستحلون بتره، تدميره؟! أليس ذلك جنوناً لا مجرد "ازدراء" موثَّق على الملأ؟! لعل منطق التجريم أضعف الحجج لملاحقة الخصوم. لا تفكير ولا نقد بإمكانهما تجاوز أزمة المعتقدات الشائعة. تلك التي ترسخت بالعادات والتقاليد وشكلت يقيناً جمعياً غير صحيح. ولهذا تعتبر مجتمعاتنا هي الأخرى ضحية مئات السنوات من الجمود العقلي والتخلف الحضاري.
أظن أن الاسلاميين يخافون الإبداع الفكري لأنه يزلزل أركان مملكتهم السابقة. ليس أكثر ضجيجاً من إلقاء الخصم أرضاً بضربة قاضية تحت صراخ الرعاع. ذلك الفخ الديماجوجي يستعمل الدين بمنطق تكفيري لا يحتمل إلاَّ اجساداً متحاربة. وأفشل المواقف تجاه المخالفين تلك التي تسعى لسحقهم بخداع الحقيقة المطلقة. وهذا كما أشرنا في مجتمعات عربية لا حقائق فيها ولا تحترم المخالفين في التوجه. وفوق ذلك تتكلم عن الدين بشكل دجمائي متحجر بينما ينكفئ المتحدثون به على مآربهم الخاصة!!
هكذا في وضع ثقافي يقف بنا على حافة الموت، هل يمكن لبشر ازدراء أي دين؟ من يستطيع الحط من قدر المقدس إجمالاً؟ كيف يكون المقدس- هذه اللامتصور- خارج الاغراق الدنيوي، خارج المدنس؟ بعيداً عن المواجهة الخشنة مع الأسئلة علينا التأمل في مسألة الدين داخل الخطاب المتداول. ومسألة الدين معناها بأية طريقة نرى ما يفرزه الدين من منظورات وعقائد وأفعال.
إن استخدام الدين للإيقاع بالآخرين هو نفسه لون من الخداع قبل أي اتهام آخر. ووضع الدين في فخ لاصطياد الأفكار يجعل الحياة العامة حلبة صراع مفتوحة. كل تهمة ازدراء أيا كان مضمونها تقع موقعاً ممقوتاً إلى حد القمع. لا أحد بإمكانه تحديد ماهيتها ولا سلطة إنكارها ولا كيف تستعمل عموماً. وإذا كان ثمة من يزعم ذلك فسيطال عنفه كل ما ينتمي للإنسان أيا كان ما دين.
مازلنا نخاف - إلى حد القهر - من مراجعة ما نُؤمن به. فالقضية التي تُخرِج لنا لسانها يومياً: لماذا نكرر شعائر تحت مبررات ميتافيزيقية خارج التاريخ؟ إذا كان التكرارُ صُلب الإيمان فليكن إيمانًا على بصيرةٍ وإلاَّ سيكون مُعتلاً. ففي مسألة الأضحية التي اتهمت فيها كاتبة مصرية لم تفعل الأخيرة غير الاشارة إلى الفكرة السابقة معتبرة أنَّ الأضحية تحولت إلي قرابين دموية ليست هي المقصودة حصراً. هناك بُعدٌّ رمزي في واقعة أبي الانبياء. وليس مدلولها الفتك الفاجع بالحيوانات لمجرد الذبح. هل كل نسغ رمزي هو عملية قتل وسلخ وشواء وروائح نفاذة من الضأن؟!
ما حدث أنْ حولت الثقافة الإسلامية الفداء والذبح إلى قيامة لاغتيال الخراف وسط ضجيج الشكل. هذا بالرغم من كون تلك الحادثة القربانية لا تنصب على أي شكل. فالحلم اعتبره أبو الانبياء رؤية حقيقيةً فنهض منفذاً ما أُمر به. إن حصر المسألة في الذبح كجوهر إيماني يجعل التضحية سكيناً ودماء تنضحان بالقسوة والتشفي. لدرجة أن الشعيرة تفقد كلَّ مخزون ابراهيمي هو لها.
فأي ذبح هذا الموصوف بالعظيم إنْ لم يكن رمزياً في أساسه. وإذا كان للمسلمين عيدٌ تعبيراً عن هذه الحادثة فهو عيدٌ لأنَّ التضحية كانت رمزية غير قابلة للتكرار. بل لن تتجدد إلاَّ بالإيمان. كما كان الإيمان سبباً رئيساً وراء الفداء الإلهي لابن أبي الانبياء. من ثم ليس شرطاً أنْ يذبح كلُّ مسلم ذبحاً عظيماً حتى ينال هذا البُعد. العمل النبوي أسلوب حلمي للتعبير عن سمو الإيمان؛ أي كانت العبادة ذاكرة نفسية لا تتركز فقط على النحر. فمن لا يمتلك موضوعاً للذبح له أيضاً كل القدرة الشعائرية على استعادة زخم العمل الابراهيمي. لأن الإيمان واحد وإن تعددت أشكاله وأزمنته.
والآية ذكرت الفداء بالدرجة الأولى كثمرةٍ لهذا الإيمان لا مشاركة فيه ولا اختزال له في عمل قاتل اسمه اسالة الدماء. فهل يفدي الإنسان نفسه باتباع الأوامر الإلهية؟ ذلك هو الرهان الديني في جميع الشعائر والطقوس. إنَّ جميع أعمال الخير تدخل في إطار القربان والتضحية باسم الله. وتأكيد الآية على كون الذبح عظيماً يعني أنَّه ليس مادياً بإطلاقٍ. وبذات الوقت لن يبلغ أي كائن حيواني صفات هذا الذبيح. فالثقة بالله واليقين تجاهه- أو هكذا ينبغي- هما الأضحية التي يبذلها المؤمن مع تجدُّد العيد. فيكون الفداء خارج التوقع لا مجرد خروف!!
نفس الأمر مع تهمة التطاول على الذات الإلهية. هل قال الله لبشر عليكم بالدفاع عنى؟ إن الله بحكم قداسته لا يستطيع أي إنسان النيل منه إلاَّ في مخيلة المؤمنين به. وحتى لدى هذا المستوى سيكون الموضوع مجرد هراء لا قيمة له. لأن الله متعالٍ بجميع الديانات ولن يزيده هؤلاء المتهكمون منه شيئاً ولن ينقصونه أيضاً. فالإيمان لا يخصه بل يخص بشراً لهم رؤاهم وحقائقهم الخاصة.
هل هذه البديهية تحتاج إلى شرح؟ بعدما ترك الله الايمان به من عدمه خارج أية سلطة. فالأفراد وحدهم يقدرون على الاعتراف به أو لا يعترفون من الأساس. وفي كل الأحوال لا ينبغي لأي إنسان ان يتحدث عما يتصورون ولا عما يذهبون إليه. وحتى مصطلح "التطاول" به نفي لهذه القاعدة الأصيلة التي تجب أية قواعد أخرى. وإذا كان الاسلاميون يتشدقون بالحرية فلماذا يستكثرونها على كاتب أو آخر: أن يفكر بحرية تجاه كل القضايا الدينية انطلاقاً منها؟ وذلك لن يقلل من ايمان الآخرين إلا إذا كان ضعيفاً. بل سيوسع مساحة الحوار التي يخشاها المتنطعون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah