الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوركيني والكاوبوي الاسلامي

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2016 / 8 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البوركيني والكاوبوي الاسلامي

في مجتمعاتنا الخليجية، مازال المفطر في نهار رمضان يعاقب بالحبس او الغرامة او التسفير إذا كان وافدا. والي اليوم تفتخر المجتمعات العربية بقتل المرتد وحبس من ينتقد الدين، وتشريع القوانين تلو القوانين لمعاقبة المثقفين والمفكرين بسبب رأيهم في الدين والتراث والفقه، وعلى رأس هذه القوانين هو قانون سيئ الذكر ازدراء الأديان المعمول به في غالبية المجتمعات العربية والاسلامية. والي اليوم مازالت المرأة في السعودية لا تقود السيارة، ومازال الحجاب مفروضا في إيران. ومازالت المرأة ترجم وتقتل في أفغانستان وباكستان. ومازالت المرأة ايضا في كل المجتمعات الخليجية وغالبية المجتمعات العربية تعتبر عورة وشهادتها أدني من شهادة الرجل وميراثها ناقص، ومسموح ان تكون مجرد عدد في حظيرة الرجل المزواج. كما ولا تحظى المرأة بالمشاركة السياسية ناهيك عن صنع القرار السياسي او وصولها الي رئاسة الوزراء، وفوق كل هذا يمكن قتلها او حبسها او ازدرائها في المجتمع، فقط لأنها امرأة وليست رجل وذلك في غالبية المجتمعات العربية والاسلامية.
هذه المقدمة ضرورية كي نستكمل نقاش مفهوم الحرية الشخصية وتداعياتها في مجتمعاتنا الاسلامية الفاقدة لقيمتها الانسانية فضلا عن معايشتها كما أسلفنا في البداية، والمجتمعات العلمانية التي انتجتها ضمن سياق تاريخي ونضالي طويلين تواجه اليوم تحديات جديدة اتت من الاسلام والمسلمين بعد ثورات الربيع العربي وبعد موجات الهجرة الاسلامية الي بلدان الغرب ومجتمعاتهم الآمنة من الإرهاب الاسلامي ناقلين معهم تدينهم وعاداتهم وتقاليدهم التي تتعارض وتتصادم مع ثقافة الحريات وحقوق الانسان والعلمانية.
فموضوع المقال اليوم ليس عن حقوق المرأة، وإن كانت هي قضية النقاش. فالأمر المستجد اليوم على الساحة الخليجية والعربية والاسلامية، ليس في اكتشافهم عقاقير طبية متقدمة او وصولهم الي كوكب المريخ قبل الغرب، او في قضائهم على التخلف والاستبداد والفساد في مجتمعاتهم، ولكن ما حدث هو كما يحدث دائما في تاريخهم بالصراع والقتال على امور طائفية او فقهية، تشتد وقد تخلف قتلى وجرحى، او قد تنتهي لأن العالم لا يهتم لما يتناولونه من مواضيع تافهة. فقد انقسمت الآراء الفقهية والشرعية اليوم على خلفية أمرأه خالفت القانون في أحد شواطئ فرنسا ولبست ما يسمى البوركيني، وهو لباس اسلامي مخصص للسباحة للنساء ذوات الخلفية الاسلامية واللاتي لا يرغبن في لبس البكيني على شواطئ الغرب ومنتجعاتهم السياحية.
رفض السلطات الفرنسية بالسماح للمرأة بلبس البوركيني انطلق من جهود محاربة التطرف الديني داخل البلاد بعد سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في الاشهر الـ19 الماضية. كما ان مناصري رفض البوركيني ينطلقون من كون البوركيني والنقاب يمكن أن يسهل العمليات الإرهابية ويخل بالنظام العام لهذا ينبغي حظرهما. ومن جهة اخرى، رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس عبر عن دعمه لهذه القرارات معتبر أن” الشواطئ على غرار كل المساحات العامة يجب أن تكون خالية من المظاهر الدينية”، مشددا على أن الـبوركيني هو ترجمة لمشروع سياسي ضد المجتمع. كما وانتقل الخوف من التمظهرات الاسلامية الي بقية بلدان اوروبا، ففي ايطاليا قال برلماني إيطالي عن رابطة الشمال "إن ارتداء امرأة غربية للبيكيني في حوض سباحة في دولة إسلامية سيؤدي إلى قطع رأسها أو السجن أو الإبعاد بينما نكتفي نحن بمنع استخدام البوركيني فقط”. كما وأفاد استطلاع للرأي مؤخرا في إيطاليا أن 76 بالمائة من الإيطاليين يعارضون ارتداء النساء المسلمات للباس البحر الإسلامي (موقع أكادير).
وقد بدأت الحملة الغربية اساسا ضد او لمنع التمظهرات الاسلامية واليهودية والمسيحية بعد قرار منع لباس الرموز الدينية في فرنسا أبان رئاسة ساركوزي في العام 2010 وقد أثار ضجة كبيرة حينها الا أن كل الديانات والمعتقدات التزمت بهذا القانون ما عدا اصحاب الديانة الاسلامية الذين مازالوا يعتبرون هذا القرار وكل قرار يطال ثقافتهم الدينية يعتبرونه هجوما على الاسلام وعلى الله شخصيا دون أي اعتبار للمبررات الأمنية التي قد تطالهم كما حدث مؤخرا جراء عمليات الارهاب الاسلامي والتي أودت بقتلى مسلمين.
ان الهدف الحقيقي من القوانين الجديدة للدول الغربية لمنع النقاب والبوركيني هي لمحاصرة الارهاب وتمظهراته التي قد تتستر بالدين الاسلامي نظرا لما يضمنه النقاب من اخفاء كامل للجسد والهوية دون المقدرة على الطلب من صاحبة النقاب الكشف عن هويتها لما يسببه ذلك من احراج او اعتبار الكشف عن وجه امرأة مسلمة يعادل التعدي على الكرامة او نوع من انواع العنصرية. الا ان الواقع يحتم علينا جميعا وفي مجتمعاتنا العربية والاسلامية قبل المجتمعات الغربية أن نمنع النقاب بشكل رسمي وقانوني لما يمثله من عادة دخيلة على الانسان الحديث وللحفاظ على الهوية البشرية من مسخها بشكل مهين وتحت حجج دينية، وبعد تزايد حالات الارهاب تحت غطاء الحجاب والنقاب.
الحرية الشخصية يفهمها المسلم في ان يفعل ما يريد ضمن حدود الاسلام وما عدا ذلك فهو كفر وزندقة، وأي محاولة من أي فرد، غالبا غربي، لقمع الحرية الشخصية للمسلم يعتبر اعتداء على الإسلام وبالتالي دخل تحت هذا التصنيف، ان النقاب والبوركيني والحجاب من المقدسات الاسلامية التي لا يجوز منعهما في الغرب. إن اشكالية المسلم ليست مع فرض الاسلام، وإن كان يتحمل جزءا كبيرا، ولكن قبل ذلك تقع أزمته في تحديده وتعريفه لمصطلحات الحداثة، فهو تعلم مسبقا بأن الحرية عهر وأن النساء الغربيات عاهرات ولهذا عليه ان يحمي ممتلكاته، ومن ضمنه المرأة، من أي تمازج حضاري او ثقافي او اجتماعي انطلاقا من ثقافته الدينية التي حددت له مسبقا مصطلحات الحضارة بالتغريب والغرب بالكفار والانفتاح بالانحلال، وعلى هذا الاساس انغلق تاريخيا ومعنويا وعقليا على محددات ماضوية اعتبرها صالحة لكل زمان ومكان.
بينما في المجتمعات العلمانية تتحدد المصطلحات والمفاهيم بحسب تطور المجتمع ثقافيا وفكريا وعلميا، باتجاه المزيد من الانفتاح، لكن ما حدث مؤخرا هو الاستثناء الطبيعي امام مواجهة ازمة اجتماعية حدثت بسبب الاسلام والمسلمين، فهل ينتظر الغرب المزيد من الهجمات الارهابية ام يتحرك وفقا للقانون للحد منها والكشف عن اسباب حدوثها وخصوصا بعد سنوات طويلة من الانفتاح على المهاجرين ومحاولة ادماجهم بالمجتمع الغربي والذي يبدو انه لم ينجح في ذلك تماما لخروج اعداد كبيرة من الارهابيين من بيئات غربية اصيلة اي من مسلمين يحملون جنسيات بعض الدول الاوروبية مما اطلق جرس الانذار بان المسلم يحمل ثقافة دينية لا تستطيع المشاركة في الحضارة الغربية الا قهرا او قسرا بينما اذا اتيحت له الفرصة فإنه يسعي الي تطبيق تعاليم دينه وفرض الشريعة على المجتمعات الغربية كما لاحظنا مؤخرا في بعض التجمعات الاسلامية في الغرب ومطالباتهم بتطبيق الشريعة في الغاتوهات التي خلقوها داخل المدن الغربية. أمام هذا الحراك الديني لم يبقي لدى الحكومات الغربية الا اعادة النظر في المسار الذي تركته مفتوحا للمسلمين بأن يكون أكثر مراقبة حرصا على الصالح العام وعلى الأمن الوطني والقومي لبلدانهم. ولا يتعارض هذا مع العلمانية ومبادئ حقوق الانسان كما يشيع المسلمون الان، فالعلمانية والليبرالية مع الحريات الشخصية والفردية ومن ضمنها حق اللباس، الا ان حدث ما يسيء الي مبادئ العلمانية نفسها بأن يتم فرض تمظهرات دينية تلغي التوجه العلماني وهو ما حصل في حادثة فرنسا وغيرها من المدن الاوروبية.
إن توجه المسلمين لفرض شعائرهم ومعتقداتهم ولباسهم، لم يعد امرا شخصيا او مطالبة بالحريات الفردية لأنهم في مجتمعاتهم الاصلية يعيشون في قمع واستبداد وتحريم للحرية الفردية، بل اتخذ فرض التمظهرات الدينية في الغرب طابع التحدي ومناكفة الشعوب الغربية وقوانينها العلمانية، فالإسلام له تعاليم تمنع الاختلاط وتحاسب على اعطاء المرأة حريتها في اللباس ولكنهم يريدون من الغرب ان يتنازل ويعيش في فوضى الفتاوى والحرام واللاقانون كما يعيشون في المجتمعات الاسلامية.
امامنا كشعوب ومجتمعات اسلامية الكثير جدا حتى نتعلم معنى الحرية الفردية والعامة ومعنى الفرق بين العلمانية وتصرفات الكاوبوي، وأمامنا أكثر حتى نتخلى عن العنصرية والاستعلاء الديني الذي وضعنا امام ازمات متعددة كان سببها الوحيد رفضنا للتعايش، وأمامنا ما هو الأهم وهو الاهتمام اولا بذواتنا وترقيتها الي مستوى الانسانية، وبمجتمعاتنا وتحويلها الي مدن ومجتمعات مدنية علمانية تحظى بالسلام والحريات والانفتاح حتى نشعر بقيمة الحرية لا بقيمة الاستبداد الذي نتماهى معه ونعتبره احد مقدساتنا الاسلامية، فالغريب حقا ان يدافع المسلم عن الحريات في الغرب بينما في مجتمعه لا يزال فاقدا لأي معنى للكلمة الحرة، وفاقدا لأي اعتراف بحقوق الانسان واللاتدين وحقوق المثليين، وفاقدا لإنسانيته التي تنتهك امام عينه وهو لا يفعل شيئا سوى الدعاء بالموت والهلاك على حكامه المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحجاب هو مسمار جحا الاسلامي
nasha ( 2016 / 8 / 26 - 01:45 )
الاسلام السياسي يمتلك اقوى وارخص سلاح وهذا السلاح اثبت انه يتفوق على الاسلحة التقليدية المكلفة والمميتة.
هذا السلاح هو استخدام ثلاثة عناصر معا هي 1- الزي او المظهر 2- المرأة 3- الحرية
1- الزي الاسلامي هو دعاية سياسية مغلفة بغلاف ديني عاطفي ولاعلاقة له بالاخلاق والعفة.
2- لكون المرأة محمية بالقانون وبالثقافة سواء في المجتمع الغربي او الاسلامي يستغلها الاسلاميون للدعاية لمشروعهم السياسي.
3- استغلال الحرية الفردية المكفولة بالقانون الغربي للتشبث بالازياء والمظاهر الاسلامية.
حان الوقت لنزع وحرمان الاسلاميين من سلاحهم الفعال هذا ووقف مهزلة ابتزاز المجتمعات سواء الغربية وكذلك الاسلامية بمسمار جحا (الحجاب والنقاب)
تحياتي


2 - عزيزي nacha
عبدالعزيز القناعي ( 2016 / 8 / 26 - 20:44 )

طالما شكلت التمظهرات الدينية احد بل وأقوى اساليب الوصاية وتشكيل الشعوب وتدجينها دينيا، وقد كان الحجاب من اقوى الوسائل التى ادرك الاسلام ضرورة فرضه وتقديسه لما يمثله من رمزية وقمع للمرأة ونكران نفسي لحقوقها الانسانية، كما ان البوركيني بالتالي احد الامتدادات الدينية لحضور الدين، كرسالة الي الغرب، بأنه يواجه ب وربما اقوى من الزي الغربي..انها تمظهرات لا تهدف كما ذكرت للحفاظ على العفة بقدر ماهي تمظهرات ورسالة بأن المرأة المسلمة مازالت تابعة للدين والرجل.

تحياتي وشكرا على مرورك والتعليق

اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با