الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تجديد الخطاب الديني

جواد بولكيد

2016 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قرون مرت على نفي ابن رشد و حرق كتبه، لم يكن الفيلسوف المسلم ملحدا و لا علمانيا و لكنه على خطى عديد من المفكرين و الفلاسفة المسلمين من أمثال ابن سينا و الفارابي تجرأ على النصوص الدينية و دعا إلى قراءتها قراءة عقلانية. هذه الدوامة التي عاشها و لا يزال العالم الإسلامي في غربه و شرقه تستدعي منا التوقف كثيرا للنظر في جدوى محاولات تجديد الخطاب الديني التي عرفت طفرة نوعية في القرن الماضي مع محاولات مفكرين كبار من أمثال فرج فوذة و أركون و القمني و غيرهم لإعادة تأويل التراث الفقهي الإسلامي و تنقيحه و تنظيفه من كل ما يجعل منه خطابا سلطويا عنيفا و إرهابيا عاجزا على التأقلم مع القيم الكونية لحقوق الإنسان و معرقلا لكل تطور قد تحلم به الشعوب الإسلامية.
إن دراسة الإنتاج الفكري الهائل للفلاسفة و المفكرين المجددين مسألة غاية في الصعوبة و تحتاج منا تفرغا تاما، فكل واحد من هؤلاء اجتهد و أبدع في طرح أفكار جديدة و ثورية قادرة على القطع مع الفهم السائد للإسلام و القفز به و بالمسلمين نحو الحداثة و الديمقراطية، غير أن هذه المحاولات على اختلافها تتشارك في غاية واحدة و في أسلوب واحد هو إنتاج فهم جديد للدين كفيل باحتواء الديمقراطية و إنتاج نموذج إسلامي للدولة الديمقراطية الحديثة من داخل الدين الإسلامي، فهل هذا ممكن فعلا؟
أحد أهم النقط التي استأثرت باهتمام فرج فوذة و نصر حامد أبو زيد و آخرين هو محاولة فك الارتباط بين الإسلام و الدولة ردا على المقولة الشهيرة للإخوان : "الإسلام دين و دولة" و قد كان منطلقهم في ذلك أن دولة الرسول في المدينة إنما كانت ضرورة لنشر الإسلام في ظل المنع و الحصار الذين عانى منهما النبي خلال فترة الدعوة السلمية في مكة، هذا التبرير و إن كان محاولة جيدة و بناءة لقطع الطريق أمام دعاة الإسلام السياسي فهو يتجاهل كل الأحكام و الشرائع و القوانين التي سنها القرآن و السنة و التي تمثل في عمقها دستورا حقيقيا للدولة الإسلامية المفترضة: فمثلا حين ينفي نصر حامد أبو زيد الفهم الذي يطرحه الإسلاميون للآية القرآنية "و من يحكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" مبررا ذلك بكون المقصود من الحكم هنا هو مقابل الحكم القضائي و ليس السياسي فهو يتناسى أن القضاء هو إحدى السلط الرئيسية في كل دولة حديثة ، فهل يكفي إذن البحث عن آيات في القرآن أو السنة و مواجهتها بنصوص أخرى من داخل نفس التراث لإيقاف مد الإسلام السياسي الذي يواجه النصوص بالنصوص و يحارب الفهم المبني على العقل بالفهم المبني على النقل؟
أخشى أن الإجابة عن هذا التساؤل لا يمكن أن تكون إلا بالنفي: أولا لأن النصوص التي يحاول مفكرونا الكبار إعادة تأويلها هي بدورها نصوص منقولة، ثانيا لأن إعمال العقل لا يمكن أن يكون إلا مطلقا فلا يمكن أن نتعامل عقلانيا مع النصوص التي نختارها ثم نلغيه بالنسبة لباقي النصوص، فإذا كان بالإمكان أحيانا دحض نص الحديث أو القرآن بآية قرآنية مخالفة و منسجمة مع قيم الحداثة، فكيف يمكن القيام بذلك إذا لم يتوفر هذا النص، كيف يمكن مثلا تعطيل حد قطع يد السارق و هو نتاج لنص صريح لا يحتمل التأويل؟ و كيف يمكن إلغاء آية "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم"؟ و هي أساس شرعية كل من يحكمون بالدين منذ عصر الرسالة مرورا بالخلافة و انتهاءا بالدول الإسلامية المعاصرة.
أظن أن النقاش الذي حاول أساتذتنا خوضه بشجاعة و دفعوا ثمنا له حياتهم أحيانا و حريتهم أحيانا أخرى كان مفيدا و أنه أنار لنا الطريق و مهده، و عرى التناقضات الكثيرة التي تعتري التراث الفقهي الإسلامي، غير أنني أعتقد كذلك أنه آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها و أنه قد حان الوقت لمخاطبة أبناء وطننا بصراحة أكبر، قد تكون جارحة و مؤلمة نعم، لكنها الطبيعة و كل مولود يأتي بعد مخاض: المطلب هو العلمانية و العلمانية تعني من بين ما تعنيه أن الدين، أي دين لا يمثل الحقيقة المطلقة و أن الأولوية للعقل و للعلم، و متى كان الدين مناقضا لهما فعليه أن ينسحب بخجل، قد جاء الوقت لنعلم الجاهل و نأخذ بيده و ننير له الطريق و صار واجبا علينا التوقف عن مهادنة الدجالين من رجال الدين الذين يستفيدون من استمرار التخلف في تحالف مع الأنظمة الحاكمة. المعركة ليست سهلة و لكن اختيار الإصلاح من داخل الدين ليس سهلا كذلك، و فرج فوذة قتل رغم أن السبحة لم تكن تفارق يده، كما أن أحكام السجن تتوالى في حق كل من يحاولون تجديد الخطاب الديني و كلنا شهدنا و عايشنا محاكمة إسلام البحيري و فاطمة ناعوت في مصر و سجن و جلد رائف بدوي في السعودية و فتاوى التكفير و حملات السب و الشتم في حق أحمد عصيد في المغرب و غير ذلك من الحملات الترهيبية و الإرهابية على كل من يحاولون تنوير عقول الشباب المسلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah