الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطيئة والتجسد

ماريو أنور

2005 / 12 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحب من طبعه منفتح ، أما الحب الإلهي فخالق . الحب أباح للعدم بسر صلاحه ، وكان هذا الخلق . صنع الحب كائناً علي صورته ومثاله ، فكان هذا الإنسان . الحب يسرف بعطاياه : وكان هذا رفع الإنسان إلي التبني الإلهي . فكمال الإنسان هو أنه ليس كسائر الكائنات الطبيعية من حيوان أو نبات ، بل أن الله دعاه منذ البدء إلي غاية الهية بكل معني الكلمة .
لكن الإنسان لا يستطيع أن يتأله وحده ، بل عليه أن يتقبل عطية الله ، فإن الله هو الذي يؤله .
لكن الإنسان رفض تأليه الله له ، وأصر علي تأليه ذاته بذاته . هذه الحقيقة العميقة يصورها لنا الكتاب المقدس في بداية سفر التكوين ، عن قصد الله إدخال الإنسان تدريجياً في سر الألوهية .
أما الإنسان فقد فضل الاستغناء عن محبة الله واحتضانه له ، لقد أراد اغتصاب الألوهية اغتصاباً معتقداً أن ذاته هي التي تجعله إلها .ً
وكانت الكارثة .
انقطع الإنسان بإرادته عن جوار الله . فقد الإنسان مواهب الله وأظلم عقله واضعف إرادته فأصبح منساقاً إلي نواميس غريبة عنه .
هكذا أصبح الإنسان يعتقد أن الخطيئة عنصر أساسي في حياته ، وترعرعت الأجيال السالفة في هذا الجو المضطرب المتسم واستنشقت عبيره ، ثم ما لبثت أن نفثت سمومها في من تلاها .
يقول كوستى بندلى في كتاب مدخل إلي العقيدة المسيحية : (( صلتنا بخطيئة الإنسان الأول ليست صلة وراثة كالتى تتعلق بشكل الأنف و لون الشعر و لكن صلة جو يترعرع فيه الإنسان و يتغربل كيانه و تبنى ذاته )) .
فالأعمال السيئة التى يرتكبها جميع الناس تسهم فى نشر الخطيئة . يقول فرانسوا فاريون اليسوعى : (( الولد الذى يولد يدخل فى جماعة خاطئة . فمنذ أول لحظة فى وجوده هو خاطىء , لان كل عمل سىء نرتكبه يشبه موجة تنتشر عن طريق موصلات العلاقات الإنسانية . فلا يستطيع اى انسان ان يكون نفسه دون مساعدة الآخرين . لكن الآخرين يساعدونه بالقدر نقسه على تدمير نفسه وعلى بنائها . فعلى هذا الوجه يمكننا ان نفهم كيف تنتشر الخطيئة الأصلية وهذا ما عبر عنه بولس الرسول في قوله : (( من أجل ذلك بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت ، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ الجميع )) ( رومية 5 : 12)
تصدعت وحدة الإنسان مع ذاته ، فبإنفصال الإنسان عن الله حصل تفكك في شخصية ذات الإنسان ، فالأهواء ثارت علي العقل وكذلك الغرائز علي الإرادة ، كذلك طرأ التفكك علي علاقة الإنسان بجسده فأخذ الجسد استقلاله وأخذ يحاول فرض شهواته علي الإنسان وهذا ما عبر عنه الكتاب المقدس بقوله :
(( فأنفتحت أعينهما وعلماً أنهما عريانان . فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزرً )) ( تكوين 3 :7 ) وهذا يعني أنهما بدءا يحسان بجسدهما وكأنه كائن مستقل فيهما يطالب بإشباع شهواته بينهما .
تصدعت الوحدة بين الإنسان والآخر ، ذلك أن الإنسان بانفصاله عن الله انفصل أيضاً عن أخيه الإنسان ، وهذا ما عبر عنه الكتاب المقدس عن قوله آدم : (( المرأة التي جعلتها معى هي أعطتني من الشجرة فأكلت )) ( تكوين 3 : 12 ) وهكذا ألقي المسئولية علي إمرأته فاصلاً مصيرها بينما كانا قد خلقا ليكونوا جسداً واحداً .
تصدعت الوحدة بين الإنسان والطبيعة ، هذه الطبيعة التي كانت معدة لتخضع للإنسان الحامل في ذاته صورة الخالق ، تمردت عليه حين تشوهت صورة الله فيه . وهكذا لم يعد الإنسان في مأمن من حتمية نواميس الكون بل صار إلي حد بعيد ضحية هذه النواميس .
* ولكن كيف يستطيع الإنسان أن يقدر مدى سقوطه بدون معرفة ما كان عليه قبل السقوط ؟
- للإجابة عن هذا السؤال : يوضح الكاتب كوستى بندلى بمثل صغير فيقول (( الولد الذي عاش بين الحيوانات منذ طفولته لم يفقه إنسانيته إلا عندما إلتقى بإخو له في الإنسانية وفهم أن صلته الأصلية هي مع وليس مع الإنسان الحيوانات وهذا يعني أن معرفته الحقيقة لا تنتج عن مقارنة بين حالته الحاضرة وفردوس مفقود ولكنها نتيجة لقائه مع أناس يحملون في كيانهم صورة عن ذلك الفردوس إذ أن الإنسانية التي أضاعها جوهر معين وليست كلمات مقولة أو أحرف مسطرة )) .
هـكـذا نحن لم نفهـم معني الخطيئة إلا بعدما تعرفنا علي أخينا الكبير كما يسميه الرسول بولس : (( ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكر بين كثيرين )) ( رومية 8 :29 )
فالمحب يرغب في أن يكون واحداً مع المحبوب . لقد أحب الله الإنسان في. وأحب أن يعيد لنا إنسانيتنا الحقة التي تكمن في صلتنا بالله .
فلقاؤنا مع هذا الأخ الأكبر ، يسوع المسيح ، الذي حافظ علي صورة الله فيه أيقظنا علي الحقيقة مذكراً إيانا .
هذا هو التجسد ، إذ أنه حب لا يمكنه إلا أن يتحد بمن يحب .
إن المسيح هو إنسان بكل معنى الكلمة ، لا بل هو الذي يكشف لنا حقيقة الإنسان . فبالرغم من جونا المتسمم الفتاك كان بوسعنا ان نتعرف إلى يسوع و ان نعرف انه فى نهاية المطاف يحمل فى شخصه عالمنا الأصيل . عاش الطريق الذى من خلاله يتم تحقيق إنسانية كل أنسان , أى أنه عاش وواجه الواقع الإنسانى بكل واقعيته .
يقول القديس جيروم (( الكلمة صار جسداً لكى نعبر نحن من الجسد إلى الكلمة , لم يتوقف الكلمة عن أن يبقى على ما كان عليه . كما لم تفقد الطبيعة البشرية التى صارت بالميلاد )) إن فهمنا و عشنا التجسد بهذا المفهوم , والتجسد يفهمنا إن مكان لقائنا بالله هو حياتنا الانسانية يكل ما فيها .
هذا يعنى كما ان الولد الذى عاش فى الأدغال يحمل فى خلاياه بالرغم من حيوانيته سمات جذور الإنسانية , هكذا نحن مازلنا فى أحقر أوضاعنا نحمل صورة الله فى كياننا .
ولكن كما أن الله قد أشع النور من الظلام هكذا ابنه فى لقائنا معه أطلق الصورة الخفية فينا من الظلمة التى الجأناها إليها إلى مكانها الأصيل فى قلوبنا و أذهاننا .
فالتجسد ليس حدثاً حدث فى فترة من التاريخ ( مع العلم بأن هذا صحيح بالنسبة الى شخص يسوع ) . إنه تاريخ الله مع البشر . وعطية التجسد لا تنتهى , لان الله يريد الاتحاد بالبشرية جمعاء .
وهذا هو سر التجسد الذى فيه تم لنا لقاء أفضل من الذى كان يوم الخلق .
(( كلما احاق بى السكون ,
نهاراً و ليلاً ,
يرعشنى صراخ , لاول مرة سمعته ,
كان نازلاً عن الصليب , قلت له " اريد ان انزلك " ,
بذلت وسعى لاقتلع المسامير من رجليه ,
غير انه قال لى " دع عنك هذا فلا يمكن أن انزل قبل ان يتحالف كل الناس لينزلوننى رجالاً و نساءً و أطفالاً
قلت له " لا استطيع ان احتمل صراخك فما عساى اعمل ؟ " ,
اجاب " طف فى العالم وقل لكل من تلقاه ان على الصليب رجلاً " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يلقي مناشير في معسكر جباليا تطالب السكان بالإخلاء ا


.. مظاهرة في العاصمة الإسبانية مدريد تطالب الدول الأوروبية بالا




.. لحظة استهداف إسرائيلي بمنطقة جباليا في غزة أثناء تغطية صحفيي


.. مظاهرة لعشرات الإسرائيليين بالجليل تطالب بتنحي الحكومة لتخلي




.. أمريكا تعرض على إسرائيل معلومات استخباراتية لتحديد موقع قادة