الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تحتاج البشرية للأديان؟

جواد بولكيد

2016 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على مدى التاريخ الإنساني المكتوب كان حضور الدين بارزا في جميع التجمعات البشرية و المجتمعات الإنسانية سواء أتعلق الأمر بقبيلة معزولة أو بإمبراطورية عظيمة شاسعة، فتنوعت بذلك الطقوس و المعتقدات بقدر تعدد هذه القبائل و الدول، و قد لعب الدين دورا أساسيا في تقديم جواب مريح لسؤال الغاية من الوجود و في إضفاء معنى على حياة قصيرة و صعبة و حتمية النهاية. هذا الجواب رغم أنه حاجة فردية، يصبح تعاقدا جماعيا رغبة في جعل الاتفاق الحاصل عليه دليلا على حقيقته، و هكذا أنتج كل مجتمع دينا خاصا: له طقوسه و روحانياته و واجباته و شرائعه، بما يشكل في نظري خليطا من الفلسفة و العلم البدائي و الأسطورة : حيث أنه في ذات الوقت، منظومة من الأخلاق و القيم و تفسير للظواهر الطبيعية و غذاء للخيال و قد شكل الدين أحد أهم الأسس التي قامت عليها الحضارات القديمة بكل ما يعنيه ذلك من حضور في الحقل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي لهذه الدول.
من هذا المنطلق، تبدو الحاجة إلى الدين ملحة لدى الأفراد، بل قد يكون الدين ضرورة لا يستقيم وجودهم بدونها فهو أساس توازنهم "الروحاني" و مصدر هويتهم الجماعية. هذه الحقيقة التاريخية و الظاهرة الإنسانية التي لا زالت مستمرة في عالمنا اليوم، جعلت الإنسان البسيط عاجزا حتى على تخيل مجتمع بشري في غنى عن الدين و صارت عبارات من قبيل : "الدين ضرورة للإنسان" أو " لا يمكن العيش بدون دين" أو حتى أن" الإنسان مسلم بالفطرة"، عبارات بوقع المسلمات في آذان أغلبية المتدينين من مختلف الديانات، فهل الدين فعلا و بالمطلق ضروري للفرد؟ أم أن أنه ضروري للجماعة؟
حاجة الإنسان كفرد للدين تبدو ادعاءا زائفا، مادام يوجد أفراد ملحدون قادرون على إيجاد مغزى للحياة دون الحاجة إلى إيمان ديني. غير أن هذا الانفصال الممكن بين الفرد و الدين لا يجب أن يخفي الارتباط الوثيق و التشبث القوي للجماعة بالدين، حتى أنها كانت تحمي إيمانها الجماعي حتى و إن استدعى ذلك، معاقبة كل فرد يحاول الخروج عنه: كما حصل مع سقراط حين أعدم بعد محاكمة شبه شعبية، لأنه خالف المعتقدات الأثينية. و يمكن تعداد الكثير من الحالات المشابهة الأخرى حيث كان مصير من يشككون في المعتقد الديني القتل أو النفي أو السجن و مصادرة الكتب و إحراقها، و لعل المثال الأبرز و الأقرب منا زمنيا هو محاكمة "غاليلي" و منع كتابه و سجنه من قبل الكنيسة، لأنه هذه المرة واجه المسلمات الدينية بالمعطيات العلمية.
لقد دشن "غاليلي" عصرا جديدا: حيث أصبحت الحجة القديمة للدين، المعتمدة على عدد المؤمنين و على سلطة الكهنة في مواجهة مع الحجة العلمية و البرهان المنطقي، هذه المواجهة التي كانت أوروبا ساحة لها على مدى أكثر من قرنين، أنتجت لنا فهما جديدا للعالم مبنيا على أسس علمية و دلائل حاسمة و يتنافى مع كل التفسيرات الغيبية، و لعل نظرية التطور أحد أهم الاكتشافات العلمية التي أثبتت أن مختلف التفسيرات التي أبدعتها شعوب العالم و وضعتها في غلاف ديني لا تمنح سوى أجوبة بدائية على أسئلة صعبة. و قد كانت هذه الثورة العلمية قاطرة لتحولات جذرية طبعت الدول و المجتمعات الأوروبية، جعلت من الدين شأنا فرديا خاصا، ما يسمح لكل فرد بإيجاد معناه الخاص للحياة و للوجود، ينسجم مع طبيعته الفريدة و يسمح بتفجير طاقاته، و قد كان للمفكرين و الفلاسفة الأوروبيين دور بالغ في بلورة و تقديم مفهوم جديد للدولة و للمواطنة .
لقد كان الدين إذن خلال عصور ممتدة ركيزة سمحت للإنسان بإنشاء كيانات سياسية قوية و خلق المناخ المناسب لازدهار حضارات عظيمة، ساهمت كل واحدة منها في الدفع بعجلة التقدم الإنسانية ، و هو بذلك يمثل إبداعا إنسانيا عبقريا و ناجحا، غير أن القفزة الكبيرة للعلم خلال القرون الأخيرة جعلت هذا الأخير يضطلع بأدوار كان الدين يؤديها سابقا في مرحلة طفولة البشرية، و صار من غير المقبول سجن الإنسان داخل عوالم غيبية بات يملك الوسائل للخروج منها . و لقد خطت الدول المتقدمة بالفعل نحو بناء مجتمعات إنسانية حديثة ذات قيم متجددة أساسها الفكر العقلاني و التقدم العلمي و التكنولوجي و يمثلها النموذج العلماني الديمقراطي، الذي يفصل بين الدين من جهة و الدولة و المجتمع من جهة أخرى و يضع حرية و كرامة الفرد على قمة أولوياته و تكون فيه الجماعة ملزمة بحماية تفرد و أصالة المنتسبين إليها.و قوة هذا النموذج تعبر عنها و تجسدها الأنظمة العلمانية الحالية التي تمثل نموذجا ناجحا جعل من الدول التي تعتمد هذا النظام الأكثر ازدهارا و تقدما و رقيا، و هي حقيقة لا يجوز إنكارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah