الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديون المستحقة على الحركة الكردية السورية راهناً

ابراهيم محمود

2005 / 12 / 22
القضية الكردية


يكفي أن يكون المرء داخل مجتمع معين، حتى يجد نفسه، إزاء تداعيات ومستجدات سياسية، خصوصاً، إذا كان المجتمع في طور البحث عن هويته المجتمعية، وخصوصاً أكثر إذا كان تعددياً في أطيافه القومية والسياسية على الصعيد الحزبي، بغض النظر، فيما إذا كانت السلطة القائمة تعترف بذلك أم لا تعترف، فأن يكون الانسان انساناً، وفي مجتمع محكوم بعلاقات متقاطعة طولاً وعرضاً، حتى يجد نفسه سياسياً، وليس جديداً، حين يقال عن الانسان كائن سياسي، منذ أيام أرسطوعلى الأقل، طالما السياسة تحدد فيه ما يمكنه عمله أو القيام به، أو كيفية التصرف مع محيطه بمعان ٍ شتى، فكيف الحال، إذا ما كان المجتمع يشهد توترات ومخاضات عالياً وسافلاً، رغبة في استقرار يعني الجميع، كما هو الحال عندنا( سوريا نموذجاً)، وعندما نعلم ضمناً، أن الكرد في مجموعهم التقريبي( الثلاثة ملايين نسمة)، يشكلون واجهة أو جانباً من واجهة جلية في العمارة السياسية السورية، ومدماكاً منظوراً في البنية الرئيسة للعمارة هذه، رغم كل صور التجاهل أو التجهيل لحقيقتهم الاعتبارية: التاريخية والقومية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي صميم هذا التداخل بين ما هو سوري عام في مجمل مكوناته وتنوع ثقافاته، تلك التي لم تشهد حتى الآن شهر عسل وطني حقيقي رغم محاولات مبذولة طرفية هنا وهناك، بفعل القيمين على الوضع، وكرههم الموجه لكل أنواع العسل المجتمعي الوطني المشترك واقعاً، وما هو خاص: وأعني بذلك الكرد تحديداً، تبدو الإشارة إلى الحركة الكردية التي مضى على وجودها السياسي الحزبي قرابة نصف قرن، إذا ربطنا بين الكرد وبين الحزب كمفهوم قومي تمثيلي لحضور شعبي جماهيري خاص بهم،وليس في اعتبار الحزب حاوياً على أكثر من اتجاه أو صوت ميتا قومي، ولو شكلاً( كالحزب الشيوعي السوري)، تبدو الإشارة تلك، ضرورة تاريخية مهمة ومؤثرة، تفرضها مستجدات الواقع، ليس في محاولة فصل الحركة هذه، ووفق عقلية صراطية قوموية عن مجمل الحراك الاجتماعي السوري، وإنما بغية التوقف عندها، من باب الدرس( ولو في نقاط لافتة بحيويتها)، وما يمكن للحركة هذه أن تقوم به، باعتبار المطلوب ضمناً تحديات ووتائر قيمة نابعة من أهدافها وشعاراتها التي تعبّر بها عن نفسها هنا وهناك.
حين أتحدث باللهجة هذه، أعرّف بنفسي، في الحد الأقصى من التعريف: مثقفاً، لـه بعد سياسي، في كل ما يكتب ويقول، مهما ادعيت الحيادية في المنحى الفكري، ولأنني- وعلى طول الخط- لم أتناول الحركة هذه بالصوت والصورة، ما يدعو إلى وضعها جانباً، إن كل إشارة نقدية، وليس انتقادية مباشرة، تدخل في حيّز ما يمكن أن يكون أفضل، فيما لو عملت كذا وكذا وكيت، واعتقاداً مني أن المرء معروف بذات ثقافية، ولكنه بالمقابل معروف، وفي مجتمع كالذي نعيش فيه، كمنخرط في صلب ممارسات سياسية تتقاطع بصورة ما أو بأخرى مع ما هو معاش وحتى مفكَّر فيه، داخل بنيان الحركة تلك، وليس تناولي لهذا الموضوع بعنوانه العريض اللافت( كما أرى) إلا لتأكيد العلاقة غير المنظورة، ولكنها الممهورة بأكثر من ختم تواصلي مجتمعي عام، وخاص عبرها، ولأن الراهن رهين تصورات وتحولات تُرتسم من قبل مجمل المعنيين بها، بصفتهم مسؤولين مباشرين( لسان حالها)، ومتحركين داخل الدائرة السياسية والمعتقدية لهذا الحزب أو ذاك، وحين أقول الحركة، أحدد مباشرة، وربما بطريقة تجاوزية، ما لا تستطيع الحركة الكردية، كنموذج هنا، تجاهل أو نفي ذلك، ما أعتبره توسيعاً لمعنى الحركة، وهو أنها أكثر من كونها إطارأ لكادر حزبي،أو إطلاق قول سياسي، ولتوجه برنامجي من قبل جهة تنظيمية، طالما أن الحركة تلك غير معزولة عن المجتمع وما يتجاوزه، إنها تضم كل الذين يعنون بأمرها خارج الإطار التنظيمي، ولهذا، فأنا عندما أكتب، فلأنني أعتبر أن لي سهماً تاريخياً داخلها، كما هو الأمر متاح ومعطى لغيري، بحسب نوعية الشعور إزاءها.
أجيز لنفسي، بعد هذا التوضيح، ما يمكنني قوله، وهو أن الحركة الكردية هي في حقيقة أوضاعها التاريخية والاجتماعية والثقافية والتربوية والسياسية والتنظيمية، معنية بالإجابة على أسئلة عديدة، أو التوقف عندها، لتكون جديرة بحمل اسمها أكثر، وتستحق الدخول في التاريخ أكثر بالمقابل:
- بقدر ما تعنيني الخلافات القائمة في الحركة الكردية في سوريا، عبر تأثيرها السلبي علي ككردي قبل أن أكون مثقفاً، وكمثقف وأنا كردي، وككردي ومثقف في مجتمع أكبر، وله علاقات مع مجمل الأطياف الأخرى بطرق مختلفة، ولا أعتبرها طفيفة، أو محدودة التأثير، إنها خلافات قد تدفع بي أحياناً إلى ممارسة نوع من الالحاد السياسي، أو التجديف إزاءها، وربما إلى نوع من التكفير التفكيري، ليس من باب التمايز، وإنما من باب الاهتمام بخطورة دورها، ومدى نفاذ هذا الدور في تكوين وتنامي أفكار تحرك الكرد في مجملهم داخل دوامة الخلافات تلك، عبر سجالات واتهامات عن قرب وعن بعد، وكيف أن ذلك ينعكس سلباً على المجموع عامة، تعنيني بالمقابل تلك المشاهد المؤثرة( لقاءات ، بيانات رغم محدوديتها الزمنية، تصريحات مشتركة، حضور ندوات بشكل مشترك..)، وما يمكن لهذا التلاقي أن يجعل التنائي القوموي تدانياً قومياً.
فهل يمكن للحركة الكردية عبر ممثليها( حيث لا أسمي أياً منهم، كوني لا أمارس تمييزاً، وهنا بالذات)، أن تدرك مدى رعب الخلافات في الحالة الأولى، وروعة اللقاءات في الحالة الثانية، بمزيد من تجاوز الدائرة الضيقة للمفهوم الحزبي الذي تتحرك فيه؟
- بقدر ما أتوقف عند الرقم(13)، هذا الذي يقال عن أنه رقم شؤمي، أراه أكثر من تشاؤم، إنه رقم افتئاتي، ولكنه بدا للكثيرين من المعنيين بالحركة الكردية رقماً مبدئياً( مأخوذاً به)، رغم تجاوزه الآن، وهذا ليس مبعث الفرح طبعاً، أتلمس الهول في العقلية الناظمة للحركة، عقلية التذويت الشخصي هنا وهناك، رغم توسع حدود التاريخ، وبروز شفافيات كثيرة، بقدر ما أتساءل عن سر هذا التنابذ والتحليق في مدار التنافر، رغم أن الـ( سر) هذا ليس لغزاً دلفياً،كما هو معروف. إن ذلك أيضاً يدفع بي إلى ممارية نوع من الرجم لهذا التشتيت والشتات الكرديين معاً، ليس حباً في آلية الرجم، وإنما في مسعى إرادي، للنزول إلى ما دون مرتبة الـ( 13) حزباً، حيث كل التبريرات في النهاية لا تعدم سوى الحركة ذاتها كمفهوم تاريخي، ولا تضاعف سوى قوى الذين يراهنون على ضعفها.
فهل يمكن لوعي سياسي تاريخي استباقي، أن يدفع بالمعنيين بالحركة هذه، من إدراك مخاطر التاريخ عليهم كأشخاص اعتباريين، ووعي المتغيرات، أن يرسم خارطة أخرى أكثر استقطاباً شعبياً وقيمياً مجتمعياً للكرد وغير الكرد؟
- بقدر ما يدور الحديث عن التنظيم السياسي الكردي، ومستجدات الواقع داخل العقلية الحزبية الكردية، وكيف هو الانشطار القاعدي والهرمي معاً: العاطفي والفكري والمجتمعي، والارتداد القيمي لذلك، ومنعكساته على عموم الأفراد، وكيفية تقبل السلطة لذلك، لا أعدم في نفسي، ذلك الصراخ الذي يسبق الخراب الكبير: لزلزال، لحرب مدمرة، ليس لأنني ممتلك زرقاء اليمامة، وإنما لأنني أعزز قولي بوجودي داخل مجتمع متعدد الأطياف، داخل وسط متعدد الأحزاب، بين أحزاب لا تستطيع إخفاء تناقضاتها، والأهواء الذاتية التي تؤثر فيها هنا وهناك، بقدر ما أشدد على ضرورة منح التنظيم حقه من الواقعية، وليس أن يبقى التنظيم خارج مفهومه مجيّراً.
فهل لدى الحركة الكردية قاطبة إرادة مختزنة أو معدَّة لها، لترقى إلى مستوى ما تريده فعلاً؟
- بقدر ما أتلمس في مجمل الكتابات أو البيانات أو المنشورات الخاصة بالحركة الكردية، وعبر أحزابها، تلك الاتهامات وحالات التخوين، التي لا تستثني أحداً، بحيث أننا لو تتبعا الموضوع عن كثب لرأينا الجميع دون استثناء في خانة التخوين المتبادلة، وهذا مرعب لما في التخوين من تعطيل كل القوى النفسية التي تمكن من التحاور والاختلاف بغية التواصل معاً بصورة أفضل، بقدر ما أشدد ذاتياً، على ضرورة لجم القوى المانعة للتواصل، لأن النتيجة، بالصورة المقدمة، تعني خسارة الجميع، وربما يكون في وسع الآخرين: خارجاً، ممارسة هجاء مر، غير مرغوب فيه طبعاً.
فهل فكرت الحركة الكردية عبر كل ممثليها، ماذا يعني أن يكون الكل، أو لا يكون أحداً؟
- بقدر ما أرى أن الوقت هو من بين أكثر الأوقات حساسية وخطورة على الحركة الكردية، وعبر قياداتها التي لا أعتقدها قادرة على إخفاء الكثير من أوجه عجزها الذاتي والموضوعي معاً، وبتفاوت، ومن خلال كثافة المعلومات المتنقلة، وسهولة نشرها، بقدر ما أرى بالمقابل، وفي الآن نفسه، إمكانية هائلة في رفد صفوفها بقوى كانت شعبية وغير منظمة: معطلة، أو منسقة، باستثمار الظرف، بصورة تلهم الجميع، وتتقدم ، كما لو أنها كيان واحد، رغم الاختلاف القائم، ممن يريد العمل على شطبها، أو إضعافها، أو تهميشها، كما هوالواقع، لأن وجود عدة ملايين، تكون ممثلتهم، ليس في وسع أي سلطة، مهما أوتيت قوة، أن تنال منها، كما أثبتت وقائع التاريخ، وهذا ليس تحدياً لأي كان، وإنما محاولة مقاربة الواقع على أكثر من صعيد : تاريخي واجتماعي وسياسي، ومن داخل الحركة بالذات، ولأن الذين تتحدث الحركة باسمهم أو حتى بالنيابة عنهم ، بطريقة ما، ينتظرون منها مثل هذا الدور، الذي لا أعتقده صعباً عليها، وربما أكون من بين الذين يتلمسون التفاؤل في قلب التشاؤم، طالما الإرادة الواعية قائمة، ودون ذلك، ستكون الحركة اسماً ينتظر مسماه، ولكن إلى متى؟
فهل فكرت الحركة الكردية في مصير كهذا، هل فكرت في إرثها التاريخي، وما يمكن أن يكون عليه وضع الورثة، فيما لو فشلت في مسعاها التاريخي، وما يمكن لخصومها القريبين والبعيدين أن يقولوا عنها، وعن شعب، لا يمكن محوه عن الوجود، ولكن ربما يتم تهميش قواه لزمن طويل طويل، وترك فراغ كبير، للنيل منه، وبوسع الحركة الكردية إدراك خطورة الفراغ ذاك وملئه، لأنها على بيّنة منه، ومعنية به أيضاً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين