الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!..أولاد الأفاعى

ياسر العدل

2005 / 12 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أمر غاية فى الإعجاز، كل إنسان يملك عينين فقط فى مقدمة وجهه، تنظران للأشياء فى اتجاه واحد، لا يهم أن يكون الإنسان أعور أو أحول أو أحور، الإعجاز هنا أن الإنسان يرى الأشياء أمامه دائما باختلاف فى درجة الدقة وليس اختلافا فى الاتجاه، ومهما تعددت وتطورت أدوات الإبصار لدى الإنسان فانه لا يرى فى الاتجاه الواحد غير صورة واحده، إنها معجزة سبحان الله.
أمر أخر غاية فى الإعجاز، السوائل ساكنة السطح تحت ضوء صافى تحمل صورا للأشياء يراها الإنسان كأنها الأشياء ذاتها، الإعجاز هنا أن للأشياء جوهر واحد ومع ذلك تصنع المرايا للأشياء أكثر من صورة، ولا يتبين الإنسان الصور الحقيقية للأشياء إلا إذا وقف فى الاتجاه الصحيح يدله عليه الإيمان الصحيح، إنها معجزة سبحان الله.
هكذا نجح أولاد الأفاعى فى التعامل مع المعجزات، أقاموا علوما وتقنيات لصناعة مرايا وزوايا يحيطون بها حقيقة الأشياء، تقنيات يبرع فى استخدامها أهل السياسة ليصنعوا رأيا عاما سلسا ومطيعا وجاهزا لتصديق كل ما يطرحونه من أكاذيب وضلالات، وهكذا ضاع الناس وسط انشغالهم بأمور حياتهم ولم يعودا بقادرين على التفرقة بين الحقائق والأكاذيب المنشورة أمامهم فى شاشات العرض العام.
هكذا نجح أولاد الأفاعى فى العملية الانتخابية فى بلادنا، رفعوا شعارات أخلاقية جميله تداعب حاجات الناس لحل مشاكل الفقر والجهل والمرض، وعندما حصدوا ما يكفى لدخولهم سباق الحصول على كراسى السلطة، تصالحوا مع ما كانوا يصرحون بأنهم يكرهون، وهكذا وجد الناخبون فى بلادنا أن السياسة لعبة الأقوياء من أصحاب النفوذ والمال والبلطجة، وظهر للجميع أن الانتخابات هى لعبه البداية للوصول إلى السلطة، لعبة ذات قواعد تبعد بمسافات عن قواعد الأخلاق والقداسة بقدر ما تسعى لتحقيق مصالح فريق بعينه على حساب الآخرين.
أولاد الأفاعى يحاصروننا فى كل شق، يخلطون المقدس بالأسطورة، ويعجنون الشرعية بالتسلط ليجعلوننا فى مصرنا غلابة، حالنا مثل حال الولد نرجس ذلك الشاب فى الأسطورة اليونانية، عاش معزولا ومات بعيدا عن تعاطف الآخرين.
ظل الولد نرجس، يجادل الحياة والبشر وجها لوجه، دون أن يكترث بالمرايا أو ينبهر بانعكاسات الملامح على الأسطح الرائقة، يرى الجمال فى حركة الحياة بين المحبين والأعداء والمنافقين، تحتشد عقولهم بالأفكار وتمتلئ قلوبهم بالعواطف، وحين عزل نفسه عن البشر واختار التشرنق على شاطئ بحيرة هادئة، فتنته صورة وجهه المنعكسة على سطح الماء الرائق، وعندما حاول الولد نرجس أن يمسك بصورة ملونة لإنسان منعزل، زلت قدمه فى الماء ومات غريقا، قتلته ملامح صورة لعوب تخيل أنها تطاوعه طوال الوقت، من يومها رسخ فى أذهان العقلاء أن المرايا لا تعطى كل الألوان، الظاهر منها فقط يعكس عنوانا لنرجسية من يصنعون قرار التواصل مع العالم.
ذات مرة فى الزمن البعيد من طفولتى، حملتنى أمى واقتربت بوجهى من مرآة وسط دارنا، عندها فزعت من وجه كائن غريب يتحرك فى المرآة وتحمله امرأة مثل أمى، وحين فشلت فى الإمساك به دفعت وجهه بعيدا، واحتميت باكيا فى صدر أمى، كانت طفولتى ترفض فكرة الصور المتماثلة، وفى المرات التالية تعودت أن أرى من ذلك الغريب صورا تقلدنى على سطح المياه، أراها فى مسقاة الفراخ وطست الغسيل والقنوات والترع، وحين بلغت فورة الشباب تماوجت صورى فى مرايا الزجاج والماء والأفعال، باسما عند لقاء كل حبيب، عابسا عند منازلة كل عدو، ولم افلح ابدأ فى مشاهدة صورتى باكيا، كان شبابى فتيا يرى الصور بيضاء مليئة بالخير أو سوداء مكفهرة بالشر، ولا يستسيغ فكرة التعامل بالصور الملونة0
وحين بلغت من العمر ما يكفى للتعبير عن رأيى، رأيت الصور البيضاء يصنعها المصلحون، يحملون قيمهم عن اقتناع عقلى قاصدين ازدهار الحياة الجميع، والصور السوداء يصنعها أولاد الأفاعى، يتاجرون بالقيم قاصدين تسميم الحياة لغيرهم، ورأيت صور العامة من محترفى الانتخابات مليئة بألوان الفرص والطموحات، يخفون كثيرا من المعلومات الموضوعية سعيا وراء مصالح ذاتية، يغايرون أفكارهم ويمسحون عقول الآخرين.
ووجدتنى فى نهايات العمر، أرى أن تمام الجمال وحسن السياسة يكمن فى نشر صور الناس والأفكار والأشياء بكل الألوان، صور ينالها أحرار البشر مخلصين فى تشغيل إرادتهم لفضح أولاد الأفاعى فى سوق التقدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل