الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب الفشل .. المسلمون و ظاهرة الدعوة

مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)

2016 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أسباب الفشل .. المسلمون و ظاهرة الدعوة

تحتل رغبات الانسان و نزعاته للتقدم مكاناً مبكراً منذ نشأته الاولى , فما ان يستنشق هواء الحياة حتى تبدأ غرائزه بالانفتاح و الاستنشاق, رغبات طفولة مبكرة لا تتجاوز حليب خالص و طبيعي من صدر أمه, او صراخ من مضايقة شيئاً ما !

يكبر الفرد فتكبر معه رغباته و مشاريعه و ميوله و تكبر معه أوهامه و سذاجته و تخلفه و المؤثرات الداخلية لمجتمعه . بالتأكيد ستأخذ هذه العوامل نسبة و حيزاً من شخصية اي فرد. العلم الحديث وضع بعض المحددات العلمية و الدراسات الاجتماعية و النفسية لقياس مدى تفاعل الفرد مع منجزه الداخلي و مدى استطاعة تفعيل هذا المنجز ليكون حقيقة , فبين المخطط الذهني الحبيس و المشروع الحقيقي الواقعي , مسافة زمن فيه حركة وفعل .

المشاريع النامية في عقل العربي او المسلم كبيرة و كثيرة , لكننا في صدد الاشارة الى ظاهرة خطيرة اذا ما درست دراسة علمية مستقلة, وهي إعتقادنا (المسلمون) أننا معنيون بتغيير العالم من دياناتهم الى الدين الاسلامي ! لأننا أصحاب الدين الحق و المنجي و الاخير . ولو كلفنا هذا التغيير قتل الناس او نفيهم من الارض فسنفعل لأننا نريد ان ندخلهم الجنة و نبغي لهم الخير رغماً عنهم !

إنها رغبات طفولية ساذجة حقاً ! يولد الفرد منا فتسكن في ذهنه مهمة تغيير العالم تغيير الامم فينصب إهتمامنا نحو تغيير الاخر البعيد المختلف عنا بتفاصل حياته و عاداته و بيئته و طقوسه ,بينما نهمل أنفسنا و مجتمعنا من التغيير الذي سيسوقنا نحو الخلاص المفترض .

يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي : أخطر ما نعانيه نحن وتعانيه البشرية هو الاختلاف العميق في المعايير الاخلاقية بين المسلمين وغيرهم من الأمم ووجود إحساس ملح لدى الكثير من المسلمين بأنهم أوصياء على العالم فهم في نظر أنفسهم مسؤولون عن تغييره ليعيش وفق معاييرهم فلديهم رغبة عارمة في فرض هذه المعايير على كل العالم.

النزعة الطفولية الضاربة في أعماق المسلم من انه يريد ان يقود الحياة او تغيير الامم , نزعة تاهت بمجتمعنا و أضاعت منه فرص التقدم . نزعة متقدمة بالوهم المسف فبالوقت الذي تطور العالم علمياً من جميع الجهات , يحرن المسلم في تفكيره الطفولي القديم انه يجب ان يغير هذا الكون و استطاع و بسهولة ان يشبع رغباته في التغيير بنصوص دينية داعمه لمشروعه الجبار !

إنكفأ الفرد منا يفكر بما أملته عليه إيماناته الاولية وهي دفع الاخرين للدين و العلم و لكن اصبحنا أكثر الشعوب تخلفاً علمياً و أبعدنا عن مفايهم الدين الحاثة على الصدق و التسامح و الاخلاق و إحترام الاخرين ... فالعقلية التي تؤمن انها الحق المطلق لا يمكن ان تركن الى الحوار او تذعن للتغيير , العقلية التي تؤمن أنها تتحدث باسم الله كيف لها ان تصغي لصوت البشر! الامة التي تؤمن بما لا يقبل الشك انها أعطيت خيراً كبيراً لم يعطى لمثلها من قبل أيعقل انها سوف تتغير بحضارة و ثقافة أمم اخرى! إذن نحن ولدنا لكي نغير ولا نتغير, نؤثر ولا نتأثر! إنها مهزلة عقل ميت و أحلام جنينية أودت الى انتكاسة غير معروف نهايتها.

كان المسلم الأعرابي في جيوش الفتح يرى نفسه سيد المتحضرين ومعلمهم و قائدهم واستمرت هذه المعضلة مهيمنة على ثقافتنا منذ ذلك الحين حتى الآن . ففي بداية ظهور الاسلام صار المسلم مرادفاً لمعنى معلم أوداعية أو عالم حتى وهو أمي .... ولكن لم ينتبه المهتمون منا لهذه المعضلة الأساسية المزمنة التي أثرت و نهشت سلوك وعقل المسلم .

ينشغل بعض المتاجرين بالاسلام في الغرب لتغيير العدد الاكبر الى الاسلام من الغربيين و يبذلون أموالاً سخية لمثل هذا المشروع غير المدروس علمياً او دينياً او إجتماعياً. محاولين سحب العدد الاكبر من البسطاء ليكونوا مسلمين بدون معرفة الاسلام الحقيقي.

يقوم بمثل هذه المهمة بعض المتسربلين بوهم المعرفة و بأموال و وجهات إجتماعية , ليس غايتهم الله او الانسان إنما هو الاستكثار و زيادة العدد الرقمي غير المنتج . ملء بعض الذهنيات الفارغة بخصومات التاريخ العربي الاسلامي, التي لا تشكل في عقل الامريكي حيزاً ولو بنسبة بسيطة وهي لا تعنيه , لكنها تعني بعض المرضى الذين يحاولون إفشاء مرض عضال عمره قرون و لازال فعالاً و فتاكاً . مرض التكريه و الالغاء و الفتك و القتل و إستباحة كل ماهو مقدس..

إلتقيت ذات مرة باحد هؤلاء المتغيرين الجدد وهو امريكي اسمر صاحب لحية متمددة و ثوب قصير , سألني هل أنت مسلم قلت نعم ضحك مستبشراً , ثم سألني بلغة الواثق , كيف ترى الحياة مع الكفار؟ قلت له ماذا تقصد بالكفار ! قال الامريكان ! أذهلني جواب هذا المسكين المفخخ و المعبأ بما لا يدرك . سألته من علمك ان الاخر المختلف كافر؟ ثم من أجاز لك وصف الاخرين بالكفار؟ , و بثواني ركب سيارته و اختفى .

علمياً هل سيستفيد العقل الاسلامي من هذا الشخص او أمثاله ؟

دينياً هل سيرفع هذا المُلَقن راية الاسلام ليحاجج الامم ؟

إجتماعياً هل تُعد هذه النبرة في الحوار مقدمة للتسامح وقبول الرأي الاخر ؟ أم هي كما يقول ابن رشد وحدانية التسلط .

أعتقد حان الوقت للمرجعة و التفكير الجاد, بعدما أسرفنا في أحلامنا الصبيانية و نزعاتنا السوريالية لتغيير العالم , العالم الذي غير نفسه بنفسه و بضربات التجارب القاسية , أيها الاخوة و السادة و القراء لا يحتاج العالم الى تغييرنا فهو يملك أدواته و مشاريعه المستقبلية بل نحن نحتاج الى التغيير لأننا لا نملك الادوات و ليس عندنا خطط استشرافية للقادم . فلابد من المبادرة لتطمين العالم بتوحد الدول الإسلامية ضد التفكير التكفيري وإتباع القول بالفعل لتحرير عقل المسلم من هذا الوباء.

أننا أكثر الامم تحتاج الى التغيير بعد هذا التأريخ الطويل من نزف الدم , دعونا نترك دعوة الاخرين للاسلام و نلتفت الى المسلمين الذين لا يعرفون عن الاسلام و الحياة الا ما لقنه لهم أهلهم عندما كانوا أطفالاً. لا تثقلوا كاهل الاسلام بدعوة غير المسلم , فرب إرتدادية أقوى من الدافعية .

مصطفى العمري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاندماج او النهايه
emad.emad ( 2016 / 8 / 28 - 12:04 )
قديما
كانت الدوله العثمانيه مثل السرطان فى جسد اروبا
بعد سقوط هذه الدوله ظن العالم ان الفاشيه الاسلاميه انتهت
لكن لاسف بدات بشكل جديد
الاسلام الان فى مواجهه مع العالم كله
اما ان يندمج المسلمون بشكل جدى مع العالم كله
اما ان ينيذوا ويحاربوا ويقضى عليهم
ان الاسلام الان على المحك فى مفترق طرق
اما الاندماج الجدى او النهايه


2 - إضافة
مصطفى العمري ( 2016 / 8 / 28 - 20:31 )
أننا أكثر الامم تحتاج الى التغيير بعد هذا التأريخ الطويل من نزف الدم , دعونا نترك دعوة الاخرين للاسلام و نلتفت الى المسلمين الذين لا يعرفون عن الاسلام و الحياة الا ما لقنه لهم أهلهم عندما كانوا أطفالاً. لا تثقلوا كاهل الاسلام بدعوة غير المسلم , فرب إرتدادية أقوى من الدافعية .

شكرًا لك.