الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب التركي وصمت القبور الكردي

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 12 / 22
القضية الكردية


لا يبدو أنَّ الجمهورية التركية تفكر جدياً بتحسين سلوكها الشاذ , والانقلاب على إرثها الدموي ومصادراتها المنهجية لحقوق الإنسان وانتهاكاتها الفاضحة للعهود والمواثيق المبرمة مع الفضاء الأوروبي فيما يتعلق بأوربة أخلاقياتها قبل أن تستظل بالمظلة الأوروبية , وهي المظلة الكفيلة بتحويل تركيا إلى فردوس الانسانية المهدورة فيها منذ أسلافها السلاجقة .
ورغم كل حديث ساسة تركيا عن الانفتاح والأخذ بمعايير الاتحاد الأوروبي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان إلاّ أنّ الواقع في تركيا يختلف كلية , فلا تزال العسكريتاريا والاستخبارات والمنظمات الرديفة والساسة الترك بعقولهم المتخمة بالماضي الطوراني المجيد تحكم قبضتها على الداخل وتتحكم بأوراق اللعب جميعها , ولا تزال سياسة المماطلة والتسويف هي العنوان الأبرز في السياسة الداخلية ولا سيما إذا ما تعلق الأمر بشمالي كردستان .
ولا شك أن أحداث شمزينان تشكل مدخلاً بالغ الدلالة لفهم الحالة التركية الراكدة والموجهة باعتبارات أمنية تهدف إلى خلق نوع من الزعزعة والفوضى في المجتمع الكردي في عملية إدامة للنهج المخابراتي المتوائم مع كل تنظيمات الارهاب السياسي ومافيا الفساد والتكسب والارتزاق في مساعيها السيئة لإعادة حقن المجتمع الكردي هناك بفيروسات التقهقر والتضعضع والخمول والاستسلام بالتالي لجبرية جهاز الميت والعسكر الذين يرهبهم التحول الديمقراطي أينما كان وخروج الكرد من دهاليز الخوف نحو مخاطبة العالم .
العقل العسكري المتخم بالماضوية القومجية التتريكية لن تركن إلى الحياد والمراقبة الصامتة للمشهد . لا يمكن لها القبول بالانسحاب من السياسة والاقتصاد والثقافة وفرملة هيمنتها وقص أظافرها والتشرنق في الثكنات العسكرية .
أحداث شمزينان و محاولات الحكومة التركية التي هي الوجه الآخر للعسكريتاريا في كتم صوت التلفزيون الكردي ( روج تي في ) لهي علامات بارزة على منحى التفكير التركي في هذه الفترة التاريخية المفصلية التي تراوح فيها السياسة التركية أمام بوابات أوربا . وهو تفكير منقلب على نفسه وكذلكم الأمر على العهود والمواثيق . وهنا تبرز مشكلة الأوروبيين الذين يمنحون تركيا الكثير من الوقت الذي لا تستفيد منه في التخلص من عقدها المزمنة. ومن مراقبتنا للوضع التركي نلحظ أن ليس بإمكان تركيا تهجئة مفردة الديمقراطية وإحداث هذا التحول الجذري في عقلها السكوني النكوصي .
ما يهمنا هنا فيما يتعلق بأحداث شمزينان ومحاولات إغلاق فضائية ROJ TV الكردية هذا الصمت الكردي المريب وحالة اللامبالاة في الإعراض عن الحدث . وهو سلوك تكرر قبل هذا حين جرى ما جرى في شرقي كردستان ( كردستان إيران ) قبل أشهر من قتل واعتقالات وإغلاق وسائل إعلامية وهو سلوك مرفوض ومستهجن وليس جديراً بالاحترام فلا يعقل أن يقابل كردي مقتل أخيه الكردي بحالة وجوم وصمت واستكانة ووقاحة كهذه . ولا يعقل مقابلة تدابير الحكومة التركية ومساعيها لغلق فضائية ( روج ) بهدوء أعصاب كردي مطلق ومطبق وكأنها فضائية مدغشقر أو الصومال أو جنوب أفريقيا ولا تهم الكردي لا من قريب ولا من بعيد .
كنا فيما مضى وإيماناً منا بأن العصر الذي نعيش بين ظهرانيه وفيه هو عصر صعود خطاب الهويات القومية المغبونة وتبلور خطاب الأقليات المهدورة الدم والحقوق بفعل المناخات العالمية الجديدة نراهن على تبلور رأي عام كردي سيكون كفيلاً بتوجيه البوصلة المعطوبة للقضية الكردية وإعادة لم شمل الكرد وصياغة خطاب كردي سياسي وثقافي يتكفل بإحياء هذا الشعب الحي القيوم ولكن على ما يبدو أننا كنا مقامرين بارعين في رهاننا ذاك .فلا رأي عام كردي ولا هم يحزنون . حتى الحس العام المشترك الكردي يبدو أنه غير موجود أو لا يريد الظهور والتمثل بين يدي الأحداث التي تعصف بين الفينة والأخرى بقسم من الكرد وقسم من كردستان .
فيما مضى , وحين كنا نقرأ تاريخ الثورات الكردية المجهضة كنا نستغرب تلك الهزائم المتوالية ونستهجن الآن نفسه وقوف بعض الكرد الآخرين مراقبين محايدين مما يجري وفي حالات كثيرة كانت هنالك اصطفافات مع العدو الذي يحرق أرض كردستان ويقتل ما عليها من أخضر ويابس , ولكن يبدو أن عقلنا المتفرج البليد لا يزال ساري المفعول ولم تنتهي مدة صلاحيته بدليل أن تغييب صوت ملايين الكرد أو محاولات تغييب هذا الصوت ممثلاً بالفضائية روج لا يلقى تنديداً من الغالبية الكردية والسواد الأعظم من الكرد أما لماذا فحقيقة لا ندري إلاما يرجع هذا الإعراض وهذا المبدأ الشهير " إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " غير العقل السكوني الإقطاعي الكردي الذي لا يريد الفكاك من منظوماته النسقية المتعالية , والتي تتناسل منذ أمد بعيد في السياسات الكردية وفي مواقف غالبية العشائر الكردية من كل محاولة خروج من عنق الزجاجة المفعل من الأنظمة العفنة التي لا تسنح للكردي في هذه النهايات القصوى للقرون بالتمثل على خارطة الوجود ككائن سياسي واجتماعي وثقافي جديد .
قبل أسابيع معدودة أتخمنا الإعلام العربي عامة , وفضائية الجزيرة تحديداً بالخبر المنقول عن الديلي ميرور وتفكير الإدارة الاميركية بقصف مقر الجزيرة وبعض مكاتبها المنتشرة حول العالم . هذا الخبر خلق إجماعاً عربياً وتضامناً عربياً مع الجزيرة في مواجهة ذلكم التقرير .
لاقت الجزيرة كمنبر إعلامي شد أزر من غالبية الأنظمة العربية والأحزاب العربية والفعاليات المجتمعية والنقابات ... إلخ , وهذا مبعث تقدير واحترام رغم اختلافنا مع سياسة الجزيرة الإعلامية في كثير من الجوانب والزوايا , . ورغم أننا ضد أية مصادرة منهجية لأيما حق من حقوق البشر وأية حرية من الحريات الأساسية التي تكفلها العهود والمواثيق المبرمة دولياً نستطيع أن نقول أن زوال فضائية الجزيرة من خارطة الإعلام لن يؤثر بتاتاً على الإعلام العربي فهنالك عدد هائل من الفضائيات العربية التي تتسابق في عصر ثورة المعلومات هذا الذي نعيش بين ظهرانيه . أما أن تغلق فضائية كردية مثل روج تي في فهي محاولة إسكات وكتم صوت ما يقارب عشرين مليون كردي في شمالي كردستان وإطاحة بالروح الكردية التي لم ينل منها كل العبث العثماني و كذلكم الأمر الطورانية الجديدة و محاولة طمر للحقيقة الكردية المتصاعدة يوماً بعد يوم في الطين التركي النتن .
هل يخدمنا الصمت في هذه النهايات القصوى من القرون وفي ظل هذا الحراك والديناميكية العالمية المفعلة نتيجة للثورة المعرفية ومغامرات العقل الإنساني في إنجازاته الجديرة بالتقبل والاحترام . هل تخدمنا وضعية النعامة إذ تدس رأسها في التراب . متى نتحرر من عقد إقصاء بعضنا البعض بينما العدو المبين كما دائماً يستمتع بمراقبة مشهدنا الأخرس ويتكبد المشقات لأجل حصرنا في الزوايا الأكثر إظلاماً , ومطوحاً بمساعينا الدؤوبة لأجل رسم أفقنا التنويري الحضاري الذي يعتبر هذا التلفزيون المهدد بالانقراض أحد عناوينه البارزة والمقاومة لأحادية التفكير الطوراني ومن خلفه الجوار الحاقد .
في دردشة عابرة مع أحد الأصدقاء من القياديين الشباب في حزب كردي وليد استفهمته عن سر صمتهم المطبق وعدم إصدارهم لأيما بيان تضامني مع الفضائية التي في مهب الشماتات الأمريكية والتركية ومحاولاتهم الحثيثة لكتم صوتها أخبرني ذلك البطريق الحزبي أن تلك الفضائية تدعو للإرهاب . رد عجيب ومزلزل وكاد يطوح بما تبقى من شعر على رأسي . قناة تدعو للإرهاب بمعنى أنها قناة إرهابية فالسياسي الكردي يعرف ما يقصد مواربة وهو وغيره يعلمون غاية العلم أن ما يميز النضالات الكردية السياسية والمسلحة طيلة عقود وعقود هي هذه الروح الإنسانية الأخاذة والتي تفرض احترامها على العدو قبل الصديق . ما يميز النضالات الكردية السياسية والمسلحة هي هذه الفروسية والنبل والأخلاق ما جعلها محل احترام من القاصي والداني ولا يمكن لكردي مهما كان أن يشطب على منبر كردي يستقطب الهم الكردي من مهاباد إلى عفرين ومن البحر الأسود إلى بادية الشام السورية . هكذا تصريحات تدخل قسماً لا بأس به من الكرد في خدمة البروباغاندا الهادفة إلى شرذمة وتفتيت المجتمع الكردي ومواقفه المدافعة عن حق وجودها القومي والإنساني والتاريخي على خارطة الغد الفضفاضة .
لا بد من الالتمام حول ROJ TV وأي منبر كردي آخر يطرح الممكن الكردي في مواجهة الإقصاء والتهميش والمصادرات الممنهجة للنيل من الهوية الكردية ولا سيما بعدها الثقافي , وترك الحالة الاستسلامية القدرية العبثية الخانعة كفيل بإخافة العدو المبين وإغداق اللعنات عليه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: