الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميون و تحريف مفهوم -الأغلبية-

جواد بولكيد

2016 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين تواجه الإسلاميين بمطلب "العلمانية" غالبا ما يلجئون إلى ورقة الأغلبية، يشهرونها عن وقاحة أو عن جهل؟ و ستجد أشخاصا على قدر كبير من التعليم، يتحدثون عن العدالة في أسلمة الدولة مادامت غالبية سكانها تدين بالإسلام، و الواقع أن هذا الطرح تتواطأ عليه كل القوى السياسية من أنظمة حاكمة و أحزاب سياسية و منظمات مدنية، و قليلة هي الأصوات التي تنادي بعلمنة الدولة، و إن وجدت، غالبا ما تأتي خافتة في ظل الحصار المضروب عليها بمقابل الدعم الكلي- المادي قبل المعنوي- الذي تحظى به القوى المطوعة، ممن توافق على ""ثوابت" الأمة و طبعا على رأسها الإسلام: عقيدةً مفروضة على الجميع، أما الشريعة فيطبق بعض و يترك بعض حسب الدول و المجتمعات (السعودية و المغرب مثلا دولتان إسلاميتان، لكن المغرب يمثل الملجأ للسعوديين الهاربين من شريعة إسلامية "هارد" نحو شريعة إسلامية "سوفت")... هذا الإجماع على جعل الإسلام دينا للدولة و مرجعية أساسية أو وحيدة للتشريع يبرره دعاته كما سبقت الإشارة بكونه الوضع الطبيعي في ظل الأغلبية التي يمثلها المسلمون في الدولة، و يصاحبون حجاجهم بالاستفهام الاستنكاري الشهير: "أليست هذه هي الديمقراطية؟" الرد الانفعالي الحاسم على سؤالهم هو: لا، ليست هذه هي الديمقراطية. لكن الرد ليس موجها للإسلاميين، بل للمسلمين.

الديمقراطية في تعريفها الأول هي حكم الشعب لنفسه، لكن هذا التعريف اليوناني حدد الشعب في الرجال الأحرار و لم يمنح حق التصويت للعبيد و النساء، فهل أثينا تعتبر ديمقراطية بالمعنى الحديث للكلمة؟ لقد بنت الولايات المتحدة ديمقراطيتها على جثت ضحايا الحرب الأهلية، هذه الحرب التي كان إيقاف الرق أحد أهم محركاتها، و على مدى القرنين الأخيرين عرفت حقوق المرأة ثورة حقيقية و أصبحت المجتمعات الغربية متشبعة بروح المساواة بين الجنسين، هذه الفتوحات التاريخية في مجال حقوق المرأة و حقوق الإنسان عامة، طورت الفهم اليوناني القديم للديمقراطية و صار النموذج المعبر عن محتوى كلمة "الديمقراطية" هو النموذج الليبرالي الذي نشأ في أوروبا و الولايات المتحدة و وضحت معالمه أكثر بعد الحرب العالمية الثانية و مع إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و لعل أهم معالم الدولة و المجتمع الديمقراطيين، هو جعل الشعب يتحكم بالسلطة دون تمييز بين أفراده على أساس عرقي أو ديني أو إثني، ديمقراطية تقطع مع الأساليب القروسطية للحكم و مع النماذج الديكتاتورية الفاشية و الشيوعية، في إطار يمنح للفرد إمكانية العيش الكريم و الوجود الحر. و بهذا يصبح بناء دولة ديمقراطية رهينا باحترام الحقوق و الحريات الفردية و بحماية الأقليات و ضمان العدل و المساواة، عبر نصوص قانونية و مؤسسات سياسية و اجتماعية و آليات و وسائل عملية، و رغم الاختلافات الموجودة بين مختلف التجارب الديمقراطية الرائدة و الصاعدة فإنه من الممكن تلمس ملامح نظام ديمقراطي محترم مع كل التحفظات الموضوعية و النواقص الطبيعية التي قد تشوب كلا من هذه التجارب. مع التأكيد على كون العلمانية شرطا أساسيا لتحقيق المجتمع الديمقراطي المتشبع بالفكر العقلاني و قيم المساواة كما سيتم توضيحه لاحقا.

بالعودة للإسلاميين و تبريرهم لمشروعية الدولة الدينية بكون المسلمين يشكلون الأغلبية، تقييم سريع لهذا الادعاء يكشف عن فهم خاطئ لدى هؤلاء، لمعنى الأغلبية و لمعنى الديمقراطية عموما: ففي السياق الديمقراطي تستعمل كلمة الأغلبية للإشارة للتفوق العددي الذي حققه حزب أو قوة سياسية في الانتخابات، و بالتالي حصوله على حق ممارسة السلطة التنفيذية لفترة محددة، و في احترام لمبدأ التداول السلمي للحكم و فصل السلط و غيرهما من المبادئ الديمقراطية و في انسجام مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، ما يحقق المساواة الكاملة بين أفراد المجتمع: الرجل مثل المرأة و الأبيض مثل الأسود و الكافر مثل المؤمن، أما الأغلبية المسلمة فهي ليست أغلبية انتخابية، و مصطلح الأغلبية هنا يقابله مصطلح الأقليات- في صيغة الجمع لأن الأقليات غالبا ما تكون متعددة في الواقع- و يكون بذلك مقابل الأغلبية المسلمة هي الأقليات المسيحية أو اليهودية أو اللادينية... و تصبح أسلمة الدولة مرادفا لانتهاك حقوق الأقليات، وهنا دور العلمانية في ضمان المساواة، بغض النظر عن الاختيار الحر للدين أو العقيدة. و هذا شيء تعيه جيدا الحركات الإسلامية و ما تحريفهم لمفهوم الأغلبية إلا مكر سياسي، يستغل غياب المعرفة لدى المواطن البسيط و انجذابه العاطفي نحو الخطابات المغلفة بالدين، و إلا فلماذا تطالب نفس هذه الحركات بحق المسلمات في فرنسا مثلا بارتداء الزي الإسلامي و بالحرية في بناء المساجد و رفع الآذان، بل و بالتمييز الإيجابي في رمضان و في المطاعم المدرسية؟ ماذا سيكون موقفهم لو أعلنت فرنسا مثلا أنها ستطبق المسيحية الكاثوليكية، نظرا لكونها المعتقد السائد في البلاد و قامت بمنع المسلمين من التواجد العلني في الدولة أو قامت بنفيهم أو تصفيتهم كما يأمر بذلك دينها؟

الإسلاميون إذن يمارسون ازدواجية في الخطاب، يفهمون الديمقراطية كما هو متعارف عليها كونيا، و يطالبون بتطبيقها حين يكونون أقلية داخل مجتمع ما. و يتشبثون بحقهم في إعلان معتقدهم، بل و الدعوة له و نشره،مستفيدين من مزايا العلمانية، لكنهم بالمقابل حين يمثلون الأغلبية يطلبون من الأقليات الاختفاء و يفرضون قوانين مستمدة من نصوص دينية - غالبا ما تكون مؤولة بغير معناها- يمرغون قيمتها الروحانية في أوحال الصراعات السياسية، و يصادرون حق مواطنين أصيلين في بلدانهم، من حرية أساسية هي حرية التفكير و التعبير عن التفكير.

إن أسلمة الدولة و تديينها عموما، يعني إلغاء المساواة و يجعل الدين عنصر تمييز بين مواطني نفس البلد، و في جميع البلدان الإسلامية يتم انتهاك الحريات الأساسية للفرد وتصادر الحقوق و تقمع الآراء و تراقب الكتب و تمنع الأفلام باسم الدفاع عن الدين. كما أن قوانين الأسرة و تنظيم المجتمع لا يحققان المساواة بين الجنسين ، كل هذا يخلق مجتمعات منافقة لا يعبر فيها الفرد عن نفسه بحرية، و يتقمص الدور الذي فرضه النظام القائم، الشيء الذي يمنع كل إبداع لدى هذا الفرد و يعرقل كل دينامية داخل المجتمع.
يقول الحديث النبوي "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". بعض التفسيرات تعتبر الأخوة هنا تشير للأخوة في الإسلام، وحتى تلك التي تعممها، لتشمل المسلمين و غير المسلمين فهي تحدد الخير الذي قد تحبه لغير المسلم في دخول الإسلام، لكن الديمقراطية تريد من المسلم أن تكون الأخوة في الإنسانية و أن يقر بأن الديمقراطية العلمانية: التي تسمح له بقدر كبير من الحرية و تعامله كمواطن كامل المواطنة، بغض النظر عن دينه الذي يخالف دين الأغلبية، هي بالفعل النظام الأمثل لتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع على اختلاف إيمانهم . قد يطالب المسلم بحقوق أكبر في مجتمع علماني و الإمكانية متاحة لأن حرية التعبير مكفولة لدى "الغرب"، لكنه لكي يكون منسجما مع ذاته و يكون مقنعا، يجب أن يقبل إعطاء حقوق أكبر لغير المسلم في البلدان"الإسلامية.
(مع الاعتذار على الخلط الذي لا يمكن تجنبه بين الانتماء المبني على المواطنة و الانتماء المبني على الدين و الناتج عن التداخل الموجود لدى المسلمين عموما في هذا الصدد.)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
ألأسود العنسي ( 2016 / 9 / 2 - 18:26 )
الإسلام السياسي حركه فاشيه يستخدمن مبداء الديموقراطيه للوصول للحكم ثم ينقلبون علي المبادئ العلمانيه اكبر مثلما يحدث في تركيا وما حدث في مصر أيام حكم الاخوان، ليس هناك فرق بينهم وما فعل هتلر في المانبا

اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله