الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة المتساوية وانفصام الشخصية

عادل صوما

2016 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تلجأ الجمعيات الاسلامية في دول الغرب إلى شرعة حقوق الانسان والدساتير والقانون العلماني، عندما يشعرون بأي غبن يلحق بهم كمسلمين وليس كمواطنين، وآخر هذه الموجات المتلاحقة تسونامي البوركيني الذي اثار مزايدات واسعة في كل دول الغرب، ما عدا إسرائيل التي تعتبر نفسها تعيش الديموقراطية الغربية بين امم الشرق الاوسط التي لا تعرف معناها، فمشهد السابحات مرتديات البوركيني مألوف على الشواطئ الإسرائيلية، التي تسبح فيها النسوة المحافظات اليهوديات والمسلمات اللاتي يرتدين البوركيني نفسه، لأن إسرائيل في نهاية المطاف دولة دينية لم تبال كثيرا بما قيل حول البوركيني!
حقوق الانسان والدساتير والقانون العلماني تختفي، في الدول التي كانت عربية ثم صارت إسلامية، ويحل محلها تطبيق الشريعة عندما يطلب أي مواطن حقه، ويتساوى في هذا الامر دولة دينية كالمملكة العربية السعودية أو دولة مدنية مثل مصر وغيرها من بعض الدول العربية، ما يعني ان هذه الدول مازالت تعيش ايام التمييز بين المواطنين على اساس العرق أو المذهب أو الدين. لا مواطنة متساوية في هذه الدول.
انفصام الشخصية واضح ايضا، ففي الوقت الذي انفقت فيه المملكة حتى اليوم ما يقارب 100 مليار دولار لنشر المذهب الوهابي في العالم وليس الاسلام، تحظر المملكة ولن تسمح، كما تتدعي ذرا للرماد في العيون، ببناء كنائس أو معابد لليهود أو السيخ أو الهندوس أو للدروز والبهائيين، وتعتبر ان غير المسلمين الذين يصلون مع آخرين على اراضي المملكة، ينخرطون في نشاط غير مشروع يُمكن ان يُقبض عليهم بسببه، رغم ان أهل الكتاب، كما يقول القرآن عن اليهود والنصارى، يصلون لإله المسلمين نفسه وهو إله إبراهيم.
العلم والحطب
قلت ان السعودية تنشر المذهب الوهابي وليس الاسلام، والامثلة كثيرة جدا واختار منها اربعة، اولها رفض الحكومة الاسترالية طلباً سعودياً لإرسال أموال إلى "الجمعية الاسلامية" في جنوبي استراليا سنة 2007 للمساعدة في بناء مسجد جديد، وقال وزير الخارجية ألكسندر داونر "من الواضح أننا لا نريد أن نرى أي منظمة متطرفة تخترق أستراليا"، ولم ترد المملكة في حينها على كلام المسؤول الاسترالي.
المثال الثاني هو ان المسلمين كانوا يسافرون إلى الغرب للتعلم أو الهجرة وكانوا ينخرطون في مجتمعاتهم الجديدة بشكل طبيعي، وبدون زي موحَّد أو تزمت أو إعتبار اوطانهم الجديدة التي حلوا فيها "دور حرب".
الامر الثالث هو أن كل البعثات التعليمية العربية التي سافرت في اوائل القرن العشرين عادت إلى اواطنها وبدأت حركة التنوير وتحديث الفكر والثقافة ونشر العلم بدلا من الجهل والغيبيات. نظروا إلى الغرب على إنه أكثر تطورا منهم ويجب الاستفادة مما وصل إليه، ولم ينظروا إلى دين الغرب ولم يعتبروا أهله حطب جهنم لأنهم غير مسلمين.
المثال الرابع هو ان كل البعثات التعليمية العربية التي سافرت إلى الغرب بعد ارتفاع المد الوهابي، حاولت بناء مناطق منعزلة، قال ستيفن إيمرسون عنها في قناة فوكس نيوز "موجودة في جميع أنحاء أوروبا ... فهي أماكن لا تمارس فيها حكومات مثل فرنسا، بريطانيا، السويد، ألمانيا أي سيادة. .. لديك أساساً مناطق أسست فيها محاكم الشريعة، حيث الكثافة الإسلامية قوية جداً، حيث أن الشرطة لا تدخلها، وحيث أنها في الأساس بلد مستقل تقريباً، دولة داخل دولة".
ذهبت البعثة المصرية ايام محمد على إلى اوروبا وعادت لتنشر القيم العلمانية الحديثة وافكار المواطنة المتساوية، وذهب محمد عطا إلى ألمانيا في القرن الواحد والعشرين ليدرس الهندسة فتآمر مع تسعة عشر شابا وهابيا يؤمنون بافكاره نفسها وانجزوا غزوتي نيويورك وبنسلفانيا.
تجد اليوم مسلما في الغرب يرد على الهاتف في عمله بقوله: السلام عليكم. وعندما تقول له: الناس لا تفهم لغتك هنا، ينظر إليك نظرة تقول بكل وضوح انه يلعنك في قلبه.
ثورتان علمانيتان
من الملفت للنظر انه بعد ثورتين علمانيتين في مصر، كما بدأتا وقبل ان تركب موجة الاولى منهما تيارات المستفيدين من الاسلام سياسيا، إنضمت مصر إلى قائمة الدول المصابة بانفصام الشخصية، إذ سيمنع قانون الكنائس الجديد فيها بناء الصلبان على قباب الكنائس أو ابوابها، وهو امر يخالف المواطنة المتساوية والدولة العلمانية التي حارب المصريون من اجلها وأعطوا المشير عبد الفتاح السيسي الشرعية الشعبية والسياسية ليقيل رئيس لم يقبل المصريون بحكمه أو حكم مرشده. كما يخالف تماما رسالة حضور عبد الفتاح السيسي نفسه كأول رئيس مصري إلى كنيسة ليشارك في قداس ذكرى ميلاد المسيح.
إتكأ الرئيس عبد الناصر في طموح زعامة الدول العربية على تاريخ محمد علي باشا وجيشه والسينما المصرية وأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد رامي وروايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأغاني ليلى مراد وعبد الوهاب وكتابات سلامة موسى والعقاد وطه حسين ومسرح نجيب الريحاني وإسماعيل يس، مع عدم إغفال الاسماء الادبية والفنية والسينمائية والمسرحية العلمانية الاخرى لإستحالة كتابتها كلها.
لم يتكل عبد الناصر على أي كتابات دينية أو أي شيخ من مشايخ الازهر ليبني طموحه، لأن الدولة من ايام الإمبراطورية العثمانية تعينهم ليقولوا ما تريده، وبالتالي يستحيل ان يشكلوا أي قوة ناعمة تقول ما تؤمن به سواء وافقت الدولة عليه أو لم توافق. قوة ناعمة تدعم الدولة وترفع شأنها بين الامم والدول.
هناك فرق بين الدول العلمانية والدينية، والمؤسف أن كفاح وكتابات وإشراقات العلمانيين امام قوى الغيبيات، للوصول إلى مبدأ حقيقي، لا تنسخه أو تلغيه مبادىء أخرى، هو المواطنة المتساوية وحقوق المواطنين بدأت تنهار، فالدول الدينية القليلة الباقية ستهوى بالعالم إلى مستوى هزيل من التفكير والمماحكات الغيبية، التي لم تثبت منذ أن ظهرت أي فائدة سوى الجدل العقيم وزرع الاحقاد ووأد ملكة النقد والتفكير، قبل أن تدمر حضارات العالم بحروب ضروس بسبب تزمتها وعمى بصيرتها.
قوض العلمانيون شعار حق الملوك الإلهي الذي وهبهم إياه الكهنة بصكوك سماوية، ورغم ذلك تقودنا قلة من الناس اليوم إلى حق الشيوخ الإلهي الذين يملكون مفاتيح الارض والسموات، ويريدون نشر تزمتهم على الكوكب.
هل الله الذي يتحدثون عنه بحاجة إلى كل هذه الدماء لنشر كلمته؟ ومن قال ان الله بحاجة إلى دول أو أحزاب أو جمعيات غير ربحية وهو خالق الكون كما يزعمون؟ هل يُعقل ان الله يخلق الكون ثم يتفرغ لنشر افكاره على حبة رمل من الكون أسميناها كوكب الارض؟ من قال أن الله بحاجة إلينا اساسا؟!
إذا كان الامر كذلك، لا عجب من ثمة ان يتحول جوزف ستالين إلى الإلحاد وهو راهب على مقاعد دراسة اللاهوت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي