الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتاج الفهم

مريم كنبور

2016 / 9 / 5
التربية والتعليم والبحث العلمي


"ثمة فرق بين أن نربي من أجل تحصيل الفهم في الرياضيات أو في مادة تعليمية أخرى، و بين أن نربي من أجل اكتساب الفهم الإنساني...يتعلق الأمر بتعليم الفهم بين الناس"
الفيلسوف الفرنسي ادجار موران EDGAR MORIN
بما لا يدع مجالا للشك، أثبتت الوقائع أثناء تفاعل الأفراد في الحياة اليومية أن التواصل لا يخلق بالضرورة فهما و تفهما و تفاهما ،إن العالم بكل ما يعتمل فيه من صنوف الرفض و التمييز و العدوانية و التناحر يؤكد أن تلقين الفهم كتربية وكقيمة ظل منزويا أو أريد له أن يظل كذلك.
و أمام السباق المحموم لتملك الوسائل و الماديات، وحسب قانون العرض و الطلب للسوق المتوحشة، تتباهى المؤسسات و البرامج التعليمية عبر العالم و تتفنن في عروضها العلمية و الرياضية و الاقتصادية و المعلوماتية، و يتقهقر البعد الإنساني للمعرفة حتى ليكاد يقتصر فقط على أصحاب التخصص والنخبة المنزوية. الأمر الذي أنتج في المحصلة حالة من عدم التوازن و الاختلال بين المستوى التعليمي لدى الأفراد و بين أدائهم في الحياة اليومية و قدرتهم على التعايش، وكذا مساهمتهم في التأثير في مجتمعاتهم و إعطاء القدوة و احترام الأخر المختلف. وضعية التنافر هذه أفرزت حالة من فقدان الثقة لدى الأفراد كما لدى المجتمعات كما خلقت نوعا من الارتباك في تبني القيم وتثمين التفاهم الإنساني.
إن النطق بعبارة ما أو استعمالها من لدن المرسل لا يحيلنا بالضرورة على معنى محدد و دقيق لدى المرسل إليه، بقدر ما يضعنا أمام تفسيرات و تأويلات متعددة و غير موحدة النتائج ، هذا التفسير و التأويل الذي يختلف باختلاف المرجعيات و المفاهيم و المعارف الأساسية و والأولية التي تلقاها و تربى عليها الفرد . و في هذا الإطار يورد فرانك سميث FRANK SMITHتعريفا للفهم يندرج في إطار علم اللغة النفسي "الفهم هو عبارة عن عملية إعطاء معنى للأشياء " كما يؤكد "إن المعنى لا يأتي من النص إلى المستمع أو القارئ،بل القارئ هو الذي يأتي بالمعنى للنص "و في نفس المنحى عرف عالما الديداكتيك بوايي و ميشال يوزباش – ريفارا H. BOYER et M. BUTZBACH – RIVERA عملية الفهم بأنها "عبارة عن إنتاج لمعنى و ليست عملية تلق و استقبال".
من كل ما سبق نستنتج أن الفهم ليس صفحة بيضاء و ليس شيكا دون رصيد، بقدر ما هو تراكم يكتسي أهميته من المخزون الذي يتم استدعاؤه و استحضاره.و تكمن خطورة الفهم في المعلومات الأولية التي يتلقاها الفرد خلال مراحل تنشئته، والتي يكتسبها الطفل على الخصوص في مراحل تلقينه معارفه الأولية و تربيته الأساسية من أسرته ومدرسته و محيطه ،و يدعم هذا القول ما ذهبت إليه الفيلسوفة الفرنسية المختصة في علوم التربية بريت ماري بارت BRITT- MARI BARTH بأن" ما يعرفه الفرد و طريقة معرفته له تؤثر على الطريقة التي يتعامل بها مع النص.فليس محتوى النص هو الذي يؤثر على المتعلم و لكن المعلومات التي يمتلكها هذا الأخير هي التي تمكنه من فهم النص"
و لأهمية التربية على الفهم أفرد ادجار موران في كتابه "تربية المستقبل" المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل- فصلا كاملا يحث فيه على "تعليم الفهم " كسادس معرفة من واجب تربية و مدرسة المستقبل أن تأخذ بها. ويؤكد "يحيل الفهم الإنساني على معرفة الذات للذات .هكذا فإذا رأيت طفلا يبكي سأفهمه، ليس اعتمادا على درجة ملوحة دموعه و لكن اعتمادا على الغوص في أعماقي و استخراج كل الشدائد التي عشتها في طفولتي،...إننا لا ندرك الغير إدراكا موضوعيا فقط، بل ندركه كذلك كذات أخرى نتطابق معها...إنه أنا آخر، و قد أصبح غيرا" بل يذهب هذا الفيلسوف الناقم على عصر مابعد الحداثة وعلى الليبرالية الجديدة إلى أن من أكبر رهانات تربية المستقبل هو تغيير العقليات عبر تفكيك اللاتفاهم لمعرفة جذور العنصرية و محاربة مختلف أشكال التعصب الإنساني.
مريم كنبور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|