الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة أبستمولوجية

تامر البطراوي

2016 / 9 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الوعي الإنساني هو ما وعاه الذهن الإنساني من مكون معنوي عبر متغير الزمان والمكان ، ذلك المكون المعنوي بشقيه الفاعل والمنفعل والمادة المصاحبة له كلاً منهما مؤثر ومتأثر بالآخر ديناميكيا أفقيا ورأسيا ، فدافع الرغبة بالمكون اللامادي موجه للمادة للتراكم الرأسي ومحرك لها أفقيا بالزمكان ، كما أن المادة هي المغذية للتراكم الرأسي بالمكون المعنوي مؤثرة على اتجاه حركته أفقياً موضوعياً ، والمكون المعنوي أشمل من العلم لأن العلم أخص من المعرفة ، وليس فقط المعرفة لأنها المفهوم (تحليل وتركيب) من المعلوم (الرؤية) ، والرؤيه المعرفية إما واقعيه وهي الصوره الحسيه للشئ كما هو كناتج عن النظرة الحسية ، وإما غير واقعيه تقريبيه وهي التصور الذهني كناتج عن النظرية الذهنية أو العقلية ، أما الفهم فهو تحليل وربط المفردات المعلوماتيه المتدفقة للصورة الكلية وفق المخزون الفكري للكائن ، وتتكون الرؤيه المعرفية من إعمال وظائف الفكر للمعالج الذهني بالمعلومات المتدفقه (من الداخل أو الخارج) ، وأشمل من المعرفة المعلوم (ليس العلمي) ، فليس كل معلومة وعاها الذهن معروفة ، والمعلومة هي كل منظم من البيانات أفاد معنى ، وليس كل بيان وعاه الذهن معلوم ، فالبيانات حقائق خام (كميه أو كيفيه) ليس لها معنى ، وبذلك فإن وعاء الذهن قد يحوي مزيجا لامادياً غير متجانسا من أطوار معرفية وحدتها الأولى هي البيان أو المعلومة أو المعرفة وما يتبعها من رأي ودافع ، وإذا كانت تلك المضامين متباينة المعنوية طور بسلسلة المعرفة فيمكن إكسابها إسمياً صفة المعرفية نسبة إلى غايتها وليس كينونتها ، وينتقل المكون اللامادي المعرفي من وعي لآخر عبر أي نمط من تلك الأنماط ، ويتفاوت نسبياً وعي كائنات نفس النوع كمياً وكيفياً لإختلاف المكون المعنوي المتدفق إلى الوعي والمكون المعنوي المذكور بالوعي والإختلافات النسبيه في إعمال وظائف الفكر بالمعالج الذهني ، ووفقاً لذلك تختلف ماهية الرؤيه (الصورة أو التصور) لنفس الشئ فيما يعرف بإختلاف النظرة أو جهة النظر ، ويترتب عليه إختلاف في مفهوم الرؤيه ، أما الرأي فهو حالة من الشعور المنعطف تجاه القبول أو الرفض والمتكونه حول تلك الرؤية المعرفية الناتجه ، ويتحدد إتجاه إنعطاف الشعور على حجم ما يعيه الوعي من معرفة بالشئ معرف بشعور منعطف تجاه القبول أو الرفض ، ثم يتركب على الرأي شعور بالإراده بنفس درجة الرأي ولنفس الإتجاه وهو ما يعرف بدافع الرغبة واختصاراً الرغبة ، فكلاً من المكون اللامادي بالوعي والمعالج الذهني (المتغير من حيث السرعة والدرجة والإستمرارية ) ، متغيرين مستقلين لمتغيرين تابعين وهما الرأي والدافع ، والدافع هو بداية منظومة الرغبة (عقل الرغبة) ، وكينونته رأي إكتسب شعور بإرادة ما لمعرفه.
وعليه فإن المكون اللامادي بالوعي هو جسد معلوماتي محرك (سائس) للمادة البشرية ، فالإتجاه الكيفي للحركة تابع للتكوين الكيفي للمعرفة ، بينما درجة عمق الإتجاه الكمي تابعاً للكم المعرفي ، أي أن المزيج المعرفي محدد للأهداف الحركية للمادة البشرية على المستوى الجزئي والكلي ، فإذا كان العنصر المعرفي (أ) بنسبة (س) بالوعي فإن المادة ستتجه نحو الإتجاه (أ) بدرجة عمق (س) ، وكلما تغيرت المضامين تغير التابع ، وكلما اتجهت المادة البشرية لإتجاه ما فإنها تتطلع إلى المعرفة لوظيفتان أساسيتان وهما أولاً وضوح الرؤية لهذا الإتجاه ، ثانياً تطبيق رغبة هذا الإتجاه ، وعليه فإن المعرفة لها دور محرك للمادة البشرية ناحية إتجاه ما ، يتولد عليه رغبة طردية العلاقة للمادة البشرية في المعرفة الصادقة عن نفس ذات الإتجاه لغرضي الرؤية والتطبيق ، فالمصداقية صلة بين مقدمة ونتيجه ، وبقدر غياب الصلة تغيب المصداقية ويحل محلها كذب الإدعاء ، وبذا يتضح أهمية إعمال التمييز ما بين المعرفة الصادقة والكاذبة بحقل المعرفة الواسع.
ويعد ذلك التمييز مع الدراسة النقدية للحقل المعرفي العام أحد مباحث الفلسفة الثلاثة ، وهو فلسفة المعرفة الإنسانية ، والتي تشمل بمفهومها العام كل الرصيد الواسع والهائل من المعارف والعلوم والمعلومات التي استطاع الإنسان أن يجمعها عبر مراحل التاريخ الإنساني الطويل بحواسه وفكره ، أي وفقاً لمنهج الحس والفكر ، فالحس يمكن من إستقراء الظواهر والوصول إلى معرفة حسية بوصفها وتفسيرها ، أما الفكر فيما لا يدركه الحس بالظواهر فيقوم بإستنباط معرفة فلسفية بالتفكر والتأمل الفلسفي ، مثل التفكير والتأمل في أسباب الحياة والموت, وخلق الوجود والكون ( ) ، وقد اصطلحت الدراسات الفلسفية للمعرفة الإنسانية على أن المعرفة التي تتميز بدرجة عالية من المصداقية هي المعرفة العلمية والتخصص الذي يدرسها هو الإبستمولوجيا أو فلسفة المعرفة العلمية ، وذلك للتميز ما بين المعرفة الصادقة مصطلحاً عليها بالعلم (وهي التي زادت إحتمالية مصداقيتها حسيا عن رفضها) وغيرها من العارف منخفضة إحتمالية المصداقية والتي يصطلح عليها بالعلم الزائف أو الكاذب.
وتكمن خطورة عدم التمييز والتورط بالمعارف الكاذبة في أن الهدر يأخذ بعدين أساسيين ، الأول يتمثل في تفويت فرصة مقابلة رغبة التفسير أو الضبط أو التحكم والمرتبطة بأبعاد زمنية لايمكن إستعادتها ، والثاني إستنزاف قيم المجتمع بغير عائد ذي جدوى ، وعلى سبيل المثال فإذا اعتبرنا أن طباً شعبياً يمثل معرفة كاذبة مصنف كعلماً زائفاً ، فإذا تورط مجتمع به لضبط خواص البدن والنفس فسيترتب على ذلك ضياع فرصة الضبط كفقد أرواح بسبب اعتمادهم على علاجاتٍ شعبيّة غير نافعة وهدر موارد مستخدمة بغير ذي جدوى ، أو كأن تنفق أموال المجتمعات على تمويل أبحاث دراسة التخاطر أو التنجيم أو غيرها من المعارف التي لاتتسق أهدافها مع نتائجها ففي ذلك هدر للقيم المادية وغير المادية ، وهنا تبرز أهمية تمييز المعارف العلمية عن غيرها للوصول للمستهدف وتجنب أخطار تفويت الفرص والهدر ، إلا أن الخطورة قد تصبح أكثر تفاقماً في حالة ما إذا كان الجسد المعرفي المنفعل نفسه زائف الحقيقه ، لأن المادة البشرية ستتوجه لذلك لإتجاه الزائف وبذل جهد تمييزي عبثي بحقل المعرفة الزائفة ما بين الصادق والكاذب ، والذي يثير ظاهرة محاولة مَنْطَقَة معرفة كاذبة منْطَقَة حسية فيما يعرف بالعلم الزائف ، وعليه فإن أهمية تحري مصداقية المدخل المعرفي تبدأ من مراقبة المكون المعرفي المنفعل بالجسد الفكري والدافع للمادة ، إلى مراقبة المعرفة المغذية.

البطراوي، تامر (2016). فلسفة علم السياحة، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، دار المعارف للنشر والتوزيع، الأسكندرية، مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا