الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية وفقه التدليس

محمد ابداح

2016 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تهانينا..ـ أخي وأختي العلمانية ، نبارك لكم دينكم أو لادينكم الجديد.. العَلمانية!!؛ أخيرا أصبحتم أحرارا من أي معتقد ديني.. إن أول ما يبدأ به المرء بصفته علمانيا جديدا- وكما يفترض- هو تحرير عقله من اساطير الأولين ومهاترات المتأخرين، والتركيز على الواقع المادي بعيدا عن تأثير الدين، وليس تكريس وقته وفكره في إثبات علمانيته من خلال الإساءة لمعتقدات الآخرين !!، فالعديد من المتعلمنين يهاجمون أديانا بعينها حتى يخال للقارئ بأنهم فقهاء أديان ، وكأن حال المرء منهم يقول ( أنا علماني شيعي، أو علماني سني وهكذا.. ) فالعلمانية كما نعرفها ليست لمهاجمة الأديان أو المعتقدات الدينية، او ممارسة التدليس الديني والنقل الاعمى للمعلومات ، بل هي فصلُ الحكومة والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة أو الشّخصيّات الدّينيّة، وتعني أيضًا عدم قيام الحكومة أو الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ على اعتناق وتبنّي معتقدٍ أو دينٍ أو تقليدٍ معيّنٍ لأسباب ذاتيّة غير موضوعيّة(1)، كما تكفل الحقّ للجميع في عدم اعتناق أو تبنّي دينٍ معيّنٍ كدينٍ رسميٍّ للدّولة، وبمعنى عامّ، فإنّ هذا المصطلح يعني بأنّ الأنشطةَ البشريّة والقراراتِ -وخصوصًا السّياسيّة منها- يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المُؤسّسات الدّينيّة.
تعود جذور العلمانيّة إلى الفلسفة اليونانيّة القديمة، لفلاسفة يونانيّين أمثال إبيقور، غير أنّها خرجت بمفهومِها الحديث خلال عصر التّنوير الأورُبّيّ، على يد عددٍ من المفكّرين أمثال توماس جيفرسون، وفولتير وسواهما، ينطبقُ نفس المفهوم على الكون والأجرام السّماويّة، عندما يُفسَّر النّظام الكونيّ بصورة علمية بحتة، بعيدًا عن الدّين، في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومُكوّناته، ولا تُعتبر العلمانيّة شيئًا جامدًا، بل هي قابلة للتّحديث والتّكييف حسب ظروف الدِّوَل الّتي تتبنّاها، وتختلف حدّة تطبيقها ودعمها من قبل الأحزاب أو الجمعيّات الدّاعمة لها بين مختلف مناطق العالم، كما لا تَعتبر العلمانيّة ذاتها ضدّ الدّين، بل تقف على الحيادِ منه، في الولايات المتّحدة مثلاً، فان العلمانيّة خدمت الدّين من تدخّل الدّولة والحكومة، وليس العكس(2) وقد يعتبرها البعض جزءًا من (التّيّار الإلحاديّ) كما جاء في (الموسوعة العربيّة العالميّة)(3).
العلمانيّة في العربيّة مُشتقّة من مُفردة عَلَم، وهي بدورها قادمة من اللغات السّاميّة القريبة منها؛ أمّا في الإنجليزيّة والفرنسية فهي مُشتقّة من اليونانية بمعنى "العامّة" أو "الشّعب"، وبشكل أدقّ، عكس الإكليروس أو الطّبقة الدّينيّة الحاكمة؛ وإبّان عصر النّهضة، بات المصطلح يشير إلى القضايا الّتي تهمّ العامّة أو الشّعب، بعكس القضايا التي تهمّ خاصّته، أمّا في اللغات السامية ففي السريانية تشير كلمة ܥܠܡܐ (نقحرة: عَلما) إلى ما هو مُنتمٍ إلى العالم أو الدّنيا، أي دون النّظر إلى العالم الرّوحي أو الماورائيّ، وكذلك الأمر في اللغة العبرية: עולם (نقحرة: عُولَم) والبابليّة وغيرهم؛ وبشكل عامّ، لا علاقة للمصطلح بالعلوم الدينية، وإنّما يشير إلى الاهتمام بالقضايا الأرضيّة فحسب.(4)
وتقدّم دائرة المعارف البريطانية تعريف العلمانيّة بكونها: "حركة اجتماعيّة تتّجه نحو الاهتمام بالشّؤون الدُّنيويّة بدلًا من الاهتمام بالشّؤون الآخروية. وهي تُعتبر جزءًا من النّزعة الإنسانيّة الّتي سادت منذ عصر النّهضة؛ الدّاعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به، بدلاً من إفراط الاهتمام بالعُزوف عن شؤون الحياة والتّأمّل في الله واليوم الأخر، وقد كانت الإنجازات الثّقافيّة والعلمية البشريّة المختلفة في عصر النّهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاهٍ في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية".(5)
وعليه فيا معشر المتعلمنين ليس مطلوب منكم - لاثبات علمانيتكم- التفنن في مهاجمة أديان الشعوب أو الشخصبات الدينية، فلا يعد ذلك من العلمانية في شيء، ولاحرج عليكم ان اهتممتم بالعلوم الدنيوية كالطب والفلك والهندسة وغيرها، بدلا من الحديث عن حكم المفاخذة ورضاع الكبار وزواج المتعة.
محمد ابداح
---------------------
المصادر:
1- النّزعات الأصوليّة في اليّهوديّة والمسيحيّة والإسلام، كارين آرمسترونغ، دار الكلمة، دمشق 2005، ص.102
2- العلمانية، الجمعية العالمية لمترجمي العربية، 28 نيسان 2011.
3- الموسوعة العربية العالمية. جزء (إ) فقرة (الإلحاد).
4- الدولة المدنية والدولة العلمانية هل هناك فرق؟، اليوم السابع، 30 نيسان 2011.
ا5- لإنسان والكون والتطور بين العلم والدين، هنري بولاد، دار المشرق، الطبعة الرابعة، بيروت 2008، ص.201








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهل لا يضر
emad.emad ( 2016 / 9 / 7 - 07:34 )
يا سيد ابداح
كيف تتكلم عن العلمانيه فى وسط قوم علم لا ينفع
خليكم فى جهل لا يضر

اخر الافلام

.. 98-Al-araf


.. 99-Al-araf




.. أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع


.. بن غفير يحاول منع الأذان في القدس والداخل المحتل




.. فرحة وزغاريد بعد إحالة قاتل نجله بسوهاج لمفتي الجمهورية