الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية و الدين عند روسو :

احمد فاضل النوري

2016 / 9 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يمكن أن نتحدث عن هذه الثنائية – حرية دين - من خلال كتاب بعينه بقدر ما يجب أن نغوص في المتن الروسوي لنستشف مفهوم الحرية الدينية عنده ، و هذا راجع للترابط الكامن بين كتب هذا الفيلسوف ، فكتاب " العقد الاجتماعي " يقعد للحرية المدنية التي يؤسس لها المواطن في المدينة بعد انتقاله من حالة الطبيعة التي كانت فيها الحرية لصيقة بالفرد كهوية لا تحتاج للتأسيس ، فالعقد الاجتماعي هو الكفيل بضمان حقوق المواطن الكاملة ، و المواطن هو الذي يسن القانون و بيده السلطة التشريعية التي تجعل أفعال الافراد تحت المحاسبة القانونية و منه لا يكون المواطن خاضعا لفرد بعينه بقدر ما هو خاضع لإرادة القانون ، أما كتاب "إميل" فيحاول من خلاله روسو رسم المعالم الكبرى للتنشئة الاجتماعية لبناء الفرد فزيولوجيا و فكريا ليكون مواطنا يحترم و يبني الدولة المدنية التي تحدث عنها روسو في " العقد الاجتماعي " ، و أخيرا نجد كتاب " دين الفطرة " كمرجع أساسي في فهم تصور روسو للحرية الدينية ، هذا الاخير الذي لا يمكن فهمه بمعزل عما سبق كما يقول العروي " لا يفهم النص المعرب – دين الفطرة – فهما سليما إذا فصل عن النص المتمم له ، أي العقد الإجتماعي ، و ثانيا عن باقي كتب أميل " ، و منه ما هو تصور جون جاك روسو للحرية الدينية ؟
تعامل روسو مع الدين كظاهرة اجتماعية و أفرد له كتابا خاصا هو " عقيدة القس " ، فحرية العقيدة عنده مطلقة عقائديا و مقيدة سياسيا ، حيث يقول عن كتابه – عقيدة القس- " نسخت هذا الخطاب لا ليكون ضابطا لما يجب أن نستشعره في مجال الدين ، بل كمثال على الأسلوب الذي يخاطب به الأستاذ تلميذه إن ظل و فيا للمنهج المقترح في مؤلفي هذا . بما أننا نرفض الخضوع لأية سلطة بشرية ، لا نصادق على أية عقيدة متوارثة في بلد مولدنا ، كل ما يمكن أن يهدينا اليه نور العقل في حدود الطبيعة هو دين الفطرة . لذا أقف عنده في مخاطبة الشاب اميل .أن قدر له أن يعتنق ديانة أخرى فليس من حقي أن أرشده إليها . عليه أن يختارها هو لنفسه " ، هذا المنطق الذي تعامل به روسو مع الدين جنى عليه لعنة الكنيسة بمعتقديها الكاثوليكي و البروتستانتي ، فالهدف الأسمى للتربية الدينية بالنسبة له هو تحرير العقل من الأفكار المسبقة و الأحكام المتوارثة ، لهذا يطلب روسو على لسان القس أن يحفظ المقولات – الدينية – ليمحصها فيما بعد على ضوء تجربته ، و مرجعه في كل حكم ضميره ، حيث ينتقد تمسك الافراد بالاراء و الشائعات دون أي استعمال للعقل " رحت أتأمل وضع بني آدم البئيس ، يسيحون في بحر هائل من الآراء لا دليل لهم و لا مشير تتقاذفهم أهواؤهم السائحة " و هنا دعوة صريحة الى تحكيم العقل خاصة في تناول ما هو ديني ، فالافكار العامة المجردة هي من أسقط البشر في مهاوي الأخطاء ، لكن هل الانسان حر في ذاته ؟ ام مقيد ؟ هل نزعه الى الخير أو الشر ذاتي أم خارجي ؟ يقول روسو على لسان القس دائما " كنت أقول في نفسي و أنا أشعر بتجاذب و تصارع هاتين الحركتين المتعاكستين : لا وحدة في الإنسان ، أريد و لا أريد ، أشعر في آن اني حر و اني مقيد ، أرى الخير أحبه ثم أفعل الشر ، متحمس نشيط عندما أنصت للعقل ، متخاذل ضعيف عندما أنصاع للشهوة . و ما يحز في قلبي عندما أدرك أني كنت قادرا على الصمود " و منه فإن حرية الفرد مرتبطة بالإنصات لصوت العقل و العي وراء الخير ، لان انصياع الفرد للشهوة و اللذة ينزله منزلة الحيوان و يفقده حريته و هذا طرح قديم يعود لافلاطون حين قسم النفس الانسانية في كتابه الجمهورية الى القوة العاقلة و الغضبية و الشهوانية ، و أسماها العاقلة .
و حرية الفرد الدينية من خلال اختيار الفرد ما يوافقه عقديا " لا شك أني لست حرا أن أختار ما هو مفيد لي ، كما اني لست حرا أن أختار ما هو سيئ لي . لكن حريتي هي بالضبط أن لا أريد الا ما يوافقني ، أو ما يبدو لي كذلك "
و منه فالفرد له الحرية في اختيار ما يناسبه دينيا من خلال تحكيم العقل/الضمير في استقراء التراث الديني .
جون جاك روسو " دين الفطرة " ترجمة عبد الله العروي المركز الثقافي العربي الطبعة الاولى 2012 ص 11
جون جاك روسو نفس المرجع الصفحة 16 .
نفس المرجع ص 29 .
نفس المرجع ص 52.
نفس المرجع ص 55.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا