الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بين:واقع التدين المصلحي ومطلب التغيير المجتمعي

سامر أبوالقاسم

2005 / 12 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يعرف المجتمع المغربي أي شكل من أشكال التبرم عن المرجعية الدينية، بالرغم مما تعرفه الساحة الفكرية والسياسية والاجتماعية من نقاشات صاخبة حول قضية التدين. وكل التيارات، المتجاذبة آراؤها ومواقفها، لا تخرج عن سياق ملامسة السؤال المتمركز حول إعادة النظر في الأدوار التي يمكن للدين الإسلامي أن يطلع بها، تجاه الحاجات الملحة لتقدم المجتمع، والإكراهات المعيقة لأداء الدولة، وإمكانات إقامة نوع من الموازنة لبلوغ غاية التنمية الشاملة للطاقات والكفاءات والموارد.
وبما أن التدين عرف قصورا على مستوى تمثل قيم الدين والمجتمع ومبادئهما العامة، وعرف استخدامات مصلحية على المستوى الاجتماعي والسياسي، فقد برز كـ"قضية" إلى جانب قضية التحديث.
هذا الوضع الداخلي المشحون أدى إلى بروز مطلب عدم إقحام الدين وإدخاله في الصراع على المصالح، وضرورة تحرير المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من إكراهات التقديس والتعالي والخلود، والحاجة إلى تحرير مجال التنافس السياسي والاجتماعي من قيود الإقصاء الديني أو المذهبي.

هناك من يعتقد، من غير ولو قليل من الحذر المنهجي والعلمي، أن المحدد في النقاش الدائر حول قضايا التحديث والتدين بالمغرب هو العامل السياسي بامتياز. وهو اعتقاد يهمل الأبعاد الفكرية والثقافية، فضلا عن أنه يهمش الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، لمثل هذه القضايا الاستراتيجية في تحديد مسار الاجتهاد ومصالح البلاد.
هذا التعبير عن التموقف السياسي المعزول لدى بعض الحالات الانتمائية الحزبية، كان الاعتقاد أنه إنما يشكل حالة استثنائية عابرة، لكن وللأسف، لم يتم الانتباه إلى ذلك وتجاوزه، وهو ما أصبح يطرح على المثقفين ضرورة التوضيح المنهجي والاجتهاد العلمي على المستويين الثقافي والسياسي، للوصول ـ على الأقل ـ إلى وضعية التخفيف من حدة مثل هذا "الانغلاق الحزبي"، الذي يشكل حالة سياسية مرضية، أخذت تضيق الخناق على مساحة التفكير المغربي، مثله في ذلك مثل أي انغلاق مذهبي فقهي أو عقدي تماما.
والأحزاب السياسية نفسها، من، بفعل التوجهات والاختيارات والتقديرات في السنوات الأخيرة، كان لها دور في جزء من مآلات هذا الوضع السياسي المختل لصالح التيار السياسي الديني. فلا هي أصبحت مؤثرة سياسيا وبرنامجيا من خلال مواقع تواجدها البرلمانية والحكومية والجماعية، ولا هي بقيت محتفظة بزخم التعاطف الشعبي السابق، الذي كان تتويجا لمسار من الفعل السياسي والاجتماعي في العقود الماضية، وهو ما قد ينذر بحصول كل احتمالات النكوص في الوضع، إن لم يتم تدارك الأخطاء وتجاوز النواقص.
التخفيف من حدة تفاعلات موضوع التطرف السياسي/الديني يُلزم أقلام مثل هذه الأحزاب الوقوف الرصين على أسباب ومقدمات هذه الظاهرة، التي هي في الأصل محصلة تقديرات الفاعلين السياسيين ذاتها، والتجنب الفطن للدفاع بـ"استماتة" عما ارتكب من أخطاء، واعتماد آليات التقييم والتقويم للأداء السياسي، على أقل تقدير.
فالحديث عن "الاستئصال" غير واقعي، بل خارج منطق التاريخ، الذي تبقى له الكلمة في نهاية المطاف، من حيث طبيعة وشكل التفاعلات الممكنة والمحتملة مع التيار السياسي الديني الذي أصبح حضوره باديا للعيان في حالتنا الوطنية.
مشروع التيار السياسي الديني- على الأقل في تجربتنا الوطنية- لا يتمثل في إقامة الدولة الدينية، كما يحلو للبعض توصيفه، بل يتجسد في إقامة نمط حكم استبدادي بمبررات يطلق عليها اسم " المنطلقات الشرعية". ومن ثمة، فإن خطأ قراءة أو سوء تقدير بعض الديمقراطيين لطبيعة مشروع التيار السياسي الديني يفقدهم كافة عناصر الأهلية الفكرية والسياسية للانتصاب من أجل الحديث فيما يعنيهم ( كمواطنين ) ولكن لا يفقهونه ( كمشتغلين على المستوى الفكري أو السياسي ).
لذلك، ينبغي القيام بمقاربة بعض مواقف الأقلام المنتمية إلى الصف الديمقراطي بخصوص تعاطيها مع المسألة الدينية والمذهبية.
واعتبارا للضغوط التي أصبح يمارسها الواقع الاجتماعي والسياسي بمختلف تجلياته، المتمثلة - في جزء منها - في بروز وظهور العديد من الآفات ذات الصلة بغياب الخيوط الناظمة للرؤية والتصور من موقع قوى التغيير، واعتبارا للرغبة الأكيدة والملحة في إحداث نوع من "التقارب" على مستوى مقومات وخصائص رؤية وتصور قوى التغيير للإشكالات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية المطروحة في جدول أعمال هذه المرحلة، يمكن التساؤل على الشكل التالي:
ما موقع المثقفين والمفكرين المرتبطين أساسا بِهَمِّ المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي في هذا الوضع الانتقالي الحساس؟
ما هي أهم المواقف والآراء المرتبطة بنسق التغيير الديمقراطي الحداثي من مختلف القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية المطروحة؟
ما هي آفاق وإمكانيات التفكير المشترك في الوضع الراهن؛ المتسم ببروز قوى تعبر عن مدى إمكانية النكوص والتراجع إلى الخلف؟
ما هي حدود درجات تفاعل النخبة المثقفة مع محيطها؛ وما يطرحه من قضايا وإشكالات عميقة تستلزم تجنيد الطاقات الفكرية والثقافية من أجل فك ألغازها من جهة، ومع مكونات المشهد من فاعلين اجتماعيين وسياسيين وإداريين وتقنيين؛ وما يطرحوه من إجابات على مثل هذه القضايا والإشكاليات من جهة أخرى؟
وحسب ما توصلنا إليه من استنتاجات أولية بهذا الخصوص، لا يمكن التعاطي مع ظاهرة بروز حركات سياسية واجتماعية ذات ميول دينية، إلا من خلال الارتكاز على قاعدة التعامل الفكري والسياسي المستند إلى المبدأ القائم على الديمقراطية من جهة، والفصل بين الشرعيتين الدينية والسياسية من جهة ثانية، والتنافس على قاعدة المصلحة الوطنية من جهة ثالثة.
لذلك فإن أي تباين في الطرح والتحليل بين مختلف مفردات الحقل الفكري والثقافي، خاصة المنحازة إلى طروحات قوى التغيير، ينبغي أن يكون محكوما – ضرورة - بالاستناد إلى تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي بناء على خيارات وتوجهات مطلب التغيير المجتمعي العام ذاته، وإلى تقييم وتقويم نتائج البحث والدراسة والتفكير في ظل الدعم النقدي اللازم للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي وحسابات الربح والخسارة على ضوئه، وتقويم القدرات والكفاءات والإمكانات المتاحة في الحقل الفكري والثقافي لقوى التغيير المجتمعي مقارنة مع المتاح في هذا المجال لقوى المحافظة والرجعية داخل المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س