الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدّينُ والعقلُ

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2016 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لجميع الديانات في العالم دساتيرٌ بمسمّياتٍ مختلفة ، تدعو جميعُها إلى صالح الأعمال والخير ، قطعاً ، سواء كانت للحياة الدنيوية أو الأخروية . وقد إتبعت هذه الديانات في دعوتها أساليب مختلفة في التشويق والتحريض ، أوالترهيب من سوء العاقبة إذا خالف الفرد بنود دستور الدين .
بتنوّع الأديان وتعاقب الدهور والمجتمعات والأجيال ، وتوارث كل جيل عن ما قبله ديانتهم ودساتيرها ، فقد أصبحت بنود تلك الدساتير بمثابة قوانين تنظم حياة الطائفة المؤمنة بها ، ليس من الناحية الروحية فحسب بل من النواحي الإجتماعية والنفسية ، حتى باتت مرجعاً لهم في جميع مناحي حياتهم .
لم تبقَ الديانات الوسيلة التي تربط الفرد بخالقه ؛ يتعبّد بالصلاة والصوم والدعاء ليتقرّب إليه وينال رضاه ويحصل على حياة ثانية في جناته ، وينعم بنِعَمها ، بل جاءت بعض الأديان ببعض الفروض التي تتطلّب بالإضافة إلى الجهد البدني تكاليف أخرى ، منها تسديد بعض الأموال إلى جهات معيّنة كجزءٍ من الواجبات الدينية ، أو زيارة بعض الأماكن المقدّسة ، وتحمل تكاليف السفر وما إليها . هكذا أصبح الدين مجموعة من الفروض على الفرد ، لا يكتمل إيفاؤها إلاّ بإتباعها .
وقد تواترت على الدول حكومات إختلف المسؤولون فيها في مدى إلتزامهم بالدين ، ومن موقع السلطة والإقتدار صدرت في كثير من الدول قوانين وضعية من مشيئة حكامها تفرض أحكاماً إضافية بل وأحياناً أحكاماً مخالفة للدين الذي يعتنقه بعض مواطني ذلك البلد ، فلم يكتفِ الحكام بفرض الصيام على الناس ، قسراً ، وجعل المخالف عرضة للعقوبات الدنيوية لمخالفته لقانون الحاكم ، وليس لفروض الدين التي يكون حسابها في الآخرة ، بل أن بعض الحكام يصدرون أحكامهم أن تكون رعيتهم جميعها على دينه ومذهبه هو ، وإلاّ يحال المخالف إلى المحاكم وينال عقوبة الجلد أو السجن أو تفرض عليه أتاوة تحت تسمية الجزية أو ما شابه .
ما كان تبنّي حكام الدول لأي دين دليلاً على حرصهم على ذلك الدين ودستوره ، والعمل على حسن تطبيق مبادئه ، وإلاّ لما كان عملهم يؤدي إلى تردّي أوضاع الناس الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية ، ولما تفشّى الظلم والفساد ، ما دمنا نعرف أن دساتير جميع الأديان تدعو إلى الصلاح . لقد كان دأب جميع الحكام ، إبتداءً من الذين إدعو بالحق الإلهي قبل آلاف السنين ، أو الذين تحالفوا مع المراجع الدينية العليا التي كانت تنصرهم وتدعمهم بالفتاوى والتوجيهات المغلّفة بما يوحي روحانيتها ، كل أولئك الحكام ، وهؤلاء الحاكمون اليوم ، إنما تمسكوا بالدين زوراً من أجل مصالحهم الدنيوية الضيّقة وضمان البقاء في الحكم .
تولّدت بمرور الأزمان ، وتدخّل الحكام في شؤون الدين ، طبقة إجتماعية تتزلّف إلى الحكام وتفسّر بنود دستور الدين بما يتلاءم مع متطلباتهم ، دون مراعاة للمبادئ الأساسية لذلك الدين ، وعدم توافق تفسيراتهم مع المنطق العقلي . إن الإيمان بمبادئ أي دين يجب أن يكون على أساس القناعة الفكرية والعقلية ، إذ لا يصحّ إيمان أي فرد بتلك المبادئ إن هو لم يتفحصّها بعقله ، ويقتنع بها ، فكراً وقلباً ، وإنّما أصبح يطبقها لأنه توارثها من الذين قبله ، وإلاّ أصبح مثل هذا التديّن إفساداً للدين والعقل في آن .
وبقصد " الحفاظ على الدين " إبتدع البعض من " رجال الدين " بدعة ، لا يمكن وصفها ، إلاّ أنها بدعة مخالفة للعقل والمنطق التحليلي والتاريخي لحياة البشر . هذه البدعة التي قُدّمت تحت يافطة الحفاظ على الدين ، لم تأت إلاّ لتحقيق أغراض آنية في حينها ، ولكنها ذهبت ، مع الأسف في مسارها حتى وصلتنا في هذا الزمن ، وما زال البعض يتبعونها دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء التفكير المنطقي العقلي بعدم توافقها أصلاً مع مبادئ ذلك الدين .
بدعة رجال الدين " إعتبار دينهم ديناً مغلقاً ، غير تبشيري ، وأن ليس من مهام أحد أن يعمل على إقناع غيره ليكسبه إلى هذا الدين " . من هذا المنطلق يخلصون إلى بيت القصيد " لا يجوز لأي فرد يعتنق هذا الدين أن يقترن بالزواج من فرد آخر من دين آخر" ، ولذلك يتوارث الفرد دينه من والديه أو أحد هما ، في بعض الأديان .
إن أردنا أن نناقش هذا الموضوع ، الجدلي ، من بداية الخليقة ، فنقول أن الخالق قد خلق النبي آدم وحدد له ديناً معيناً ، ثم خلق بعد آدم إمرأة " هي حواء " وربما جعل دينها نفس دين آدم ، وبالتالي فإن البشرية كلها من نسل آدم وحواء ، و لا يكون أحدٌ من دين آخر حتى يُبشّره بدين جديد ، ففي هذه الحالة تنتفي حالة التبشير بمعنى كسب شخص آخر من دين آخر إلى دين معيّن ، وعندها يقتصر العمل على التنوير وهداية العاق أو الكافر بالدين إلى صواب دينه . أما إذا إفترضنا أن الخالق لم يجعل دين حواء نفس دين آدم ، ففي هذه الحالة يكون النبي آدم أوّل المخالفين لربّه ولدينه بأن تزوّج من إمرأة لم تكن على دينه ، أو أنه بشّرها بدينه وكسبها إليه سواء قبل زواجه منها أو بعد ذلك . ثم يمكننا أن نتدرّج في النقاش الجدلي ونقول : إن الخالق لم يرسل نبيّاً إلاّ وكان من الذكور ، فأصبح هذا النبيّ هو الأول والوحيد في ذلك الدين ، فكيف تمكن هذا الفرد الوحيد ، أن يخالف ربه ومبادئ دينه ، وأن يتزوّج من إمرأة ليست على دينه ، وكيف تمكن من كسبها إلى دينه ، إن كان دينه ليس تبشيريّاً . وقد نجد الفرصة لنسترسل في السؤال : إن كان الخالق يرسل رسله ( الذكور ) ويحملهم أمانة نشر المبادئ الخيّرة الهادية إلى الصلاح ، فمَن من البشرعنده الصلاحية فوق الإلهية لنقض إرادته ، وإيقاف عملية التبشير ؟ وإن كانت تلك الأديان مُغلقة فكيف إنتشرت مبادئها وقامت مجتمعات واسعة لها في بقاع الأرض ؟ ثمّ هل جاءت الأديان ليقتصر أمرها بالزواج والنكاح فحسب ، أم أن الخالق أرسل الأنبياء لهداية البشر إلى الخير والصلاح ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في