الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق نوري السعيد - ج 8 والاخير

وليد يوسف عطو

2016 / 9 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



استكمالا للجزء السابق والمنشور على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530405

في استعراضنا لكتاب ( عراق نوري السعيد :انطباعاتي عن نوري السعيد بين سنة 1954 – 1958 ) وهي مذكرات سفير الولايات المتحدة الامريكية في العراق فالديمارغالمان – دراسة وتقديم وتحقيق : المؤرخ العراقي البروفيسور سيار كوكب الجميل – ط 1 – 1965 – ط 1 (المحققة )- 2015- الناشر: دار ميزوبوتاميا –بغداد – شارع المتنبي .

تساءل البروفيسور المؤرخ سيار الجميل عن مصير نوري السعيد :
(هل يستحق الرجل ذلك المصير المثير للقرف والاشمئزاز ؟ ان نوري السعيد باختصار قد ذهب ضحية اجندة دولية كانت تمثلها الحرب الباردة بين معسكرين اثنين , اولا ,وذهب ضحية هوس ايديولوجيتين متعارضتين تمثلهما الشيوعية العالمية والقومية العربية .وهنا اقول :
لما كنت اشتغل اليوم على تاليف كتابين اولاهما عن ( تكوين العراق المعاصر (1921 – 2003)و ( تكوين العرب المعاصر 1909- 2009), فقد انكشفت امامي معلومات وثائقية مهمة جدا , وخصوصا عن فترة مابعد الحرب العالمية الثانية , ومدى علاقة كل من الانكليز والامريكان بالمنطقة العربية منذ القرن التاسع عشروحتى اليوم .

ومنها وثائق سرية للغاية تحتوي على معلومات تاريخية نادرة لاتقيم باي ثمن ستكشف عن جملة من المتغيرات التي يمكنها ان تزيح الغشاوة التي غطت عيون العرب لاكثر من خمسين سنة , بل انها ستعمل على تاسيس وعي من نوع آخر , واعادة التفكير التاريخي بتواريخنا ورجالاتنا وزعمائنا ومنهم : نوري السعيد. هذا الرجل الذي يعتبر محور الشرق الاوسط برمته في عقود الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات آبان القرن العشرين , وصولا الى مصرعه عام 1958 .

انه مؤسس النظام السياسي العربي الذي اراده منحازا الى الغرب من خلال ايمانه العميق ان بايدي الغرب مفاتيح الشرق الاوسط والمنطقة العربية برمتها .وسيكون هو نفسه ضحية لذلك الغرب .
من مؤلفات البروفيسور سيار الجميل كتابه (تفكيك هيكل ) وكتابه الثاني ( بقايا هيكل ). ويبين فيهما ان هيكل لايملك الشهادة الابتدائية , لكنه صحفي موهوب صنع بنفسه وبقلمه ظاهرة جمال عبد الناصر .وكان المفروض ان يكون عنوان كتاب هيكل عن عبد الناصر ( انا وعبد الناصر) وليس ( عبد الناصر انا ).

ويبين ان هيكل ليس مؤرخا وان المصادر التي يستند اليها تعطي معلومات غير التي يعطيها هيكل , ومنها اكاذيب هيكل بخصوص حلف بغداد . حيث يقول هيكل ان الوثائق التي جلبت من بغداد حول حلف بغداد احتاجت الى طائرة كاملة لتحميلها بطائرة خاصة بعد انقلاب 14 تموز 1958 . وهذا الكلام يتناقض مع الواقع تماما . فميثاق بغداد لم يحتوي على بنود سرية . وكان يمكن للحكومة العراقية الانسحاب من الميثاق في اي وقت تشاء.

انقلاب عبد الوهاب الشواف في الموصل

يقول سيار الجميل عن عبد الكريم قاسم ان قاسم ادخل العراق في صراعات داخلية بحدوث انقسامات عميقة بين الشيوعيين العراقيين والقوميين العراقيين .بعد شهرين او ثلاثة من انقلاب 14 تموز ساءت العلاقات السياسية بين عراق الزعيم قاسم وبين مصر عبدالناصر .وتكلل الصراع باحداث الموصل الدامية في اذار – مارس 1959 عندما تمرد العقيد الركن عبد الوهاب الشواف وعدد من ضباط الموصل عندما كان امرا للواء الخامس في الموصل ضد سياسة قاسم المساندة للشيوعيين واستقالة الوزراء القوميين من حكومته .

وكانت الموصل (مدينة منقسمة سياسيا على نفسها بين القوميين وبين الشيوعيين ..فكان ان فشلت محاولة التمرد وانتهت الادارة وهربت الشرطة وبدات حرب اهلية بين الطرفين بوصول قطارات السلام من بغداد الى الموصل لعقد مؤتمر انصار السلام الذي عقده الشيوعيون وباصرار عبد الكريم قاسم على انعقاده , بالرغم من حالة الاحتقان السياسي الذي كانت الموصل تعيشه .فكان تمرد الموصل بمساعدة من جمال عبد الناصر . وكان فشل التمرد والثورة جراء قصف طائرات قاسم للشواف ومقتله وسحله بالشوارع , وانفلات السيطرة على الموقف بتاسيس كيمونة شيوعية ومحاكمات سريعة وقتل بالجملة مع اعدامات وقتل وسحل للبشرفي شوارع الموصل .

وحالات نهب وسلب في المدينة من قبل الغوغاء والطارئين الذين قدموا من كل حدب وصوب . وبقيت الحالة لعدة ايام حتى اعادت بغداد سيطرتها على الوضع بصعوبة.وفرض النظام واعتقل كل المشتركين من العسكريين والمدنيين ونقلهم الى بغداد . وجرت محاكمتهم امام محكمة الشعب ( التي اسميت بمحكمة المهداوي )التي تزعمها العقيد فاضل عباس المهداوي ( ابن خالة عبد الكريم قاسم ).وقد اصدر جملة من احكام الاعدام على كل القادة والضباط والطيارين الموصليين من القوميين الذين تامروا مع العقيدالركن عبد الوهاب الشواف , وكان معهم ايضا الزعيم الركن ناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية في كركوك والعقيد رفعت الحاج سري .

وقد اتهم كلا منهما بمعرفته للتامر وكان في وزارة الدفاع (ورفعت حسب ماذكر في بعض الوثائق هو الاب الروحي لحركة الانقلاب على النظام الملكي في العراق )

تنبؤات نوري السعيد

نشرت مجلة لايف life الامريكية في عددها في 28 تموز – يوليو 1958 , اي بعد اقل من اسبوعين من مصرع نوري باشا السعيد , اذ جاء فيها مايشبه الوصية الاخيرة له , وهو اخر تصريح له قبل نهايته الماساوية التي لايمكن تخيلها ..

يقول الباشا نوري السعيد :
(انني كعربي وبرغم صداقتي للعالم الحر , اقول جهرا: ان طاقتي في التحمل بلغت نهايتها , فلقد طفح الكيل كثيرا جراء سياسات الغرب معنا . ويشاركني في مشاعري كل المسؤولين العرب في العالم .
لقد سبق ان نبهناكم ونصحناكم مرارا بضرورة انصافنا وحل قضيتنا قبل ان يستفحل الامر .ولكنكم تجاهلتمونا , فحلت في المنطقةعدة مشاكل وخطوب .. والان انني ارى كوارث مقبلة في الافق البعيد , فهي ان حدثت عن طريق الياس .. فلابد ان يتجدد سعيرها الملتهب على ايدي شيوعيين او ارهابيين في المستقبل القريب , ويقيني ان اخمادها حين ذاك لن يكون هينا باي حال من الاحوال ).

يقول البروفيسور سيار الجميل ( انني اعتقد اعتقادا راسخا بعد قراءتي لتاريخ العراق المعاصر ان عقدالخمسينات من القرن العشرين كان افضل بكثير من عقد الاربعينات .. لان الخمسينات قد شهدت تطورا واضحا في البنية الاجتماعية والثقافية والتعليمية في العراق .وخرج جيل جديد يتسلح بالرؤى الجديدة .لكن ذلك الجيل بدا منقسما على نفسه اشد الانقسام ازاء ما احاط العراق من تداعيات الحرب الباردة .

لقد كانت الخمسينات العراقية قد ذبحتها السياسات وتدخلاتها ..واعتقد ان العراقيين لو كانوا اكثر صبرا واناة وحكمة , لما تعجلوا 14 تموز – يوليو 1958 التي اخذت العراق الى تاريخ من نوع اخر . وسحبته الى حكم العسكر والحزب الواحد والدكتاتورية ).
( كان العراقيون يتاملون في بداية الخمسينيات تغييرات حاسمة بعد تتويج فيصل الثاني . وكانوا قد عبروا اصدق تعبير في الاهزوجة ( الهوسة ) التي نادوا بها فيصل :

عراقنا حزبين ياهل الناس
حزب يابن الوليد وحزب لابن العاص
سمجتنا يافيصل خاست من الراس
اتوج بالله اتوج بلكت تلحك عالذنبات

ولما تحققت (الثورة )التي انتظروها طويلا وجاء حكم الزعيم عبد الكريم قاسم , وقد اطلقت عليه صفات لاتعد ولاتحصى , ومنها : الزعيم الاوحد , وابن الشعب البار , والزعيم المنقذ من الاستعمار .. الخ انطلقت هوسة اخرى على عهده , وهم يقارنون بين عهدين ,اذا ناداه الناس قائلين :
عكب ماي المقطر . كمت اشرب ماي ابار
وصارت حكة الحنطة بربع دينار
كل عشرة اب بشت , واحنا احرار
من ميلة حظه وحظنا وياه
هو يسولف واحنا نصدك بيه

خاتمة المقال

يقول البروفيسور سيار جميل ( فان الضرورة التاريخية تتطلب اعادة النظر في الرؤية والوقوف بعيدا في درس هذه التجربة التاريخية التي كان بطلها رجل سياسي تناقضت الاراء في تقييمه في الماضي ,وان تعاد اليوم دراسته على ضؤ الوثائق المتوفرة , ومقارنة ماكان على عهده قبل 14 تموز – يوليو 1958 وماجرى من بعدها ..وسواء اتفق الناس حول رؤيته ومواقفه واحكامه وتجربته وافكاره ومشروعاته وارتباطاته , ام اختلفوا عليها, فان الاجيال القادمة ستقف وقفات مطولة على تاريخ القرن العشرين .

تم الموضوع ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة