الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الشبابي في قطاع غزة -

تامر سلامة

2016 / 9 / 10
المجتمع المدني


الوعي و الثقافة ، مفهومان ترابطا منذ العصور اليونانية القديمة و نشوء الحضارات و ثقافة التفكير و البحث عن المعرفة ، و اللذان نراهما يتذبذبان بشكل عنيف بين أوساط الشباب الجامعي في قطاع غزة .

و أخص بالذكر الشباب الجامعي لأنني ك فرد منهم و ك طالبٍ جامعي ملامس للواقع و شاهد عيانٍ عن كثب لما أكتب ، حيث يستطيع أي شخص عاقل ، أن يركز لوهلة حين يدخل جامعة و يختلط في طلابها ليلامس ذاك التذبذب الثقافي و اختلاف درجات الوعي بين الطلبة ، أو بمجرد الدخول لأحد القروبات أو الصفحات التي تجمع الشباب الجامعي عبر مواقع التواصل الإجتماعي المتنوعة مثل الفيسبوك ، ترى الفروقات الثقافية و الإختلافات و التناقضات الفكرية التي تظهر بصيغة أسهل و أوضح ، فتلك البيئة الإلكترونية التي تمثل بيئةً آمنةٌ نوعاً ما للمثقفين و الناقمين على الوضع الراهن من الحياة في قطاع غزة من حصارٍ مرير و مشاكل إجتماعية تضرب بالشباب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل خاص .

لكن البيئة القاسية التي وفرها الحصار الصهيوني لقطاع غزة ، تركت منفسا سلساً للمثقفين بشكل عام و للشباب الجامعي بشكل خاص ، وهو الإنترنت ، المليء بالمعلومات و الثقافات من حول العالم ، و التي يتأثر فيها الشباب الغزي ، كلٌ حسب ما يقتنع و يشعر بقربه من واقعه و حالته النفسية و طريقة تفكيره و التوجه الأيديولوجي الذي يتخذه ك بوصلة يوجه حياته بها .

فنجد الشباب الفلسطيني منقسما حسب الوعي لمجموعات ، نذكر أهمها :

(١) مجموعة المثقفين و التقدميين و المتحررين ، و يكون أغلب من فيها من اليساريين و القرّاء و المفكرين و الكُتّاب ، و الذين يُعاملوا بنفور و ينبذون في مجمل الأحوال و يتم تكفيرهم في بعض الأحيان و شتم أفكارهم و توجهاتهم الفكرية بل و محاولة تغييرها و تشويه سمعتها ، و يكون ذنبهم الوحيد هو الرغبة في التحرر الفكري و تصحيح الميل الثقافي و المفاهيم المغلوطة المنتشرة في المجتمع الغزي و تخليصه من الرجعية و التخلف المنتشر ليومنا هذا .

(٢) مجموعة الإسلاميين و المتطرفين دينياً ، و يكون أغلب من فيها ينتمون بالدرجة الأولى لأحزاب تتخذ نهج الإسلام السياسي أو متأثرين بالحركات الجهادية التكفيرية المنتشرة حديثاً ك داعش و غيرها ، و تطرفهم يكون محدوداً بالإعتداء اللفظي على المغايرين لفكرهم و تكفيرهم و التنفير منهم و قد يصل للإعتداء الجسدي في بعض الأحيان حسب قربهم من السلطة الحاكمة .

(٣) مجموعة المقلدين و اللامبدئيين ، و يكون أغلب من فيها عبارة عن من لا يمتون للوعي بأدنى صلة ، بل و يكون دورهم و شغلهم الشاغل في أي نقاش هو التكفير و الشتم و إدعاء المثالية و النفاق و الذي يكون واضحاً و جلياً لدى باقي المناقشين ، حيث من يعرفهم جيداً يعلم بنفاقهم و غبائهم المتخفي تحت وجه الخداع و التشبه بالمثالية و إدعاء المعرفة و الشرف .

(٤) مجموعة المغيبين فكرياً ، و المعبئين فكرياً ، الذين تم غسل أدمغتهم و ملأها بما يراه أصحاب المصالح الحزبية مناسباً ، فيتم إخفاء الحقائق عنهم و إيهامهم بكل ما هو إيجابي لمصالحهم الشخصية فقط لا غير ، و نجد أفراد هذه المجموعة عبارة عن تابعين لا أكثر يمتثلون لأوامر قادة أحزابهم دون وعي أو تفكير كقطيع خراف ، و نجد أغلب من فيها يتبعون لأحزاب يمينية ليبرالية و أحزاب الإسلام السياسي .

(٥) المحايدين ، و يكونون باقي الطلبة و الشباب الغير مهتمين بالعمل النقابي الطلابي و بالأنشطة السياسية أو حتى بالتجمعات الطلابية ، و يكتفون بدور المشاهد و يتجنبون النقاشات الحادة التي قد تنفجر بأي لحظة بين أفراد المجموعات الأربعة السابقة كي لا يخسروا أي من أصدقائهم و معارفهم منها .

و لكن الظاهرة التي يجب أخذها بالحسبان هي ظاهرة التكفير ، و ظاهرة التعهير التي نراها إستشرت بشكل مخيف بين الطلبة ، فنجد أن الغير محجبة يتم وصفها بأبشع الكلام و الصفات بل و التحرش لفظياً بها ، و تكون الحجة دائما " هي لم تستر نفسها " ، في حين أنها غير مطالبة بالستر كما أنت مطالب بكبت غرائزك الحيوانية المكبوتة ك رجعي متخلف ، و في الجهة الأخرى نجد الهجمات العنيفة ضد اليساريين و أصحاب الفكر المتحرر ، حيث الإتهامات بالإلحاد والتغييب العقلي ، و نشر الفتنة و الإلحاد بين الطلبة ، و هو ما لا يحدث إطلاقاً ...

فلدى الرجعيين و المتطرفين دينياً ، يكون النقاش عبارة عن صراخ بل يمكن وصفه بالنهيق المتواصل دون معنى ، و إستغلال الدين و العاطفة الدينية لإبراز وجهة النظر و تحقير من يناقشه و تقزييمه أمام الغير تحت شعار " كلامك حرام ! " . فإن طالبت بحرية المرأة و مساواتها بالرجل يسخرون منك مباشرةً بعبارة " شو رايك المراة تشتغل بالباطون و السواقة عالخط " بضحكة إستهزائية ، لا تجد حينها بين إنفراج الشفتين إلا شعاع حقارة ملوث بالرجعية المقيتة السامة التي تنتشر تحت عباءة الدين و الخوف الإجتماعي ، و حين تناقش أمراً من الغيبيات يتم وصفك و إتهامك بالزندقة و الإلحاد دون تأجيل أو تأويل ، و صد حوارك و محاولة تشويهك بأبشع الصفات ،و إن قررت الفتاة خلع الحجاب أو عدم إرتداءه يتم وصفها بالفاسقة و الفاجرة و بالعاهرة ، دون أدنى مراعاة لمشاعرها الإنسانية و النفسية ، و يتم أيضاً زرع الفتنة و الحقد و الكراهية و التي كذلك قد تصل للتكفير بين المنتمين للأحزاب السياسية ممكا يكرس الإنقسام و المشاكل بين الطلبة .

و كلما تحدثنا في هذا الموضوع ، يخرج عليك المثاليون و كاملوا الأوصاف ، لتبدأ محاضرات الشرف و الدين ، و لكن إن دققنا قليلاً في أسرارهم الخاصة ، و التي لا تخفى على باقي من يدرس معهم و يعايشونهم في محيطهم ، نجدهم بعيدين كل البعد عن الأخلاق و الشرف و الدين ، بل و قد تصل فيهم الحقارة لأن يكونوا رمزاً للعفة و الدين للعامة و يكونون أسفل سافلين في علاقاتهم الخاصة التي بفضل الإنترنت ، هذا المجتمع الإفتراضي المتبحر المجالات ،أصبح فيه كل شيء يمكن كشفه بل و متابعته عن كثب .

في نهاية المطاف ، إن التثقيف الذاتي و الممنهج ، و المسؤولية التثقيفية الملقاة على عاتق كل شخص واعي و عاقل ،هي الحل ، و التخلي عن كل ما هو بالي و قديم من معتقدات و عادات لا تتناسب مع عصرنا هو الحل ، و البحث عن التطور و مواكبة ركب العالم و الحضارات الأخرى و التعلم من أخطائهم هو الحل ، الحلول كثيرة ، و فئة المثقفين ليست بالقليلة رغم محاربتهم ، و لكن الثورة الفكرية والتي فعلياً قد بدات و إنتشرت كالنار فس الهشيم ، لن يوقفها شيء .

بقلم :
تامر سلامة
- أبو جيفارا -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس


.. Amnesty International explainer on our global crisis respons




.. فيديو يظهر اعتقال شابين فلسطينيين بعد الزعم بتسللهما إلى إحد


.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي




.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه