الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الغفران بين الثّّواب والعقاب

محمد ماجد ديُوب

2016 / 9 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إنّ مجمل عمليّة التّربية في أغلب المجتمعات الإنسانيّة تقوم على مبدأ الثّواب والعقاب وليس على مبدأ الصّواب والخطأ .ممّا جعل البشريّة ومنذ إنتصار يهوه إله بني إسرائيل على آلهة الشّرق القديم حيث أصبح الإنسان الذي يتّبع في عقيدته إحدى الدّيانات الإبراهيميّة الثلاث أكثر تقبلاً لفكرة الثّواب والعقاب الدّنوي والآخروي
وبسبب توارث خطيئة النّزول من الجنّة والحكم على الإنسان بأنّ عليه أن يعيش في الأرض كدار إختبارٍ ثانٍ بعد فشله في الإختبار الأوّل وأكله من الشّجرة التي أوصاهما ربّهما هو وحوّاء بأن لايقرباها ولايأكلا منها .مازال يعيش هذا الإنسان هاجس الموت والثّواب والعقاب
فماكان من الفكر الدّيني إلا أن فتح له سبيلاً للغفران في هذه الدّار لعلم هذا الفكر عميقاً أنّ الإنسان لابدّ يخطىء كثيراً في حياته فهو ليس إلهاً والشّيطان قوّيٌّ جدّاً فلا يستطيع لوسوسته مقاومةً إلا فيما ندر ويضعف هذا الإنسان كثيراً أمام أمرين إثنين أكثر من غيرهما هما الجنس والمال . ولكن لو تتبّعنا الفكر الدّيني لوجدنا أنّ المرأة النّجسة ومعاشرتها حراماً من وجهة نظر الفكر الدّيني هي أسوأ أخطائه قاطبةً وقد ركزّ هذا الفكر مسألة المرأة كصنو ٍلإبليس في الوسوسة لهذا الرّجل المسكين منذ أن إنتصر يهوه إله بني إسرائيل على آلهة الشّرق القديم
من هنا كان لابدّ من إيجاد منفذٍ لهذا الإنسان يجعله يموت مرتاح الضّمير وهو بالأساس ذو ضميرٍ قذرٍ جدّاً لايتّسع المجال هنا لشرح ذلك
الموت براحةٍ ودون خوفٍ من الحساب الآخروي كان في المسيحيّة عبر مايسمّى الإعتراف عند الكاهن ومن ثم المناولة التي تعيده طاهراً مغفوراً له ماتقدّم من ذنب ٍ ويموت في المسيح ليحيا ثانيةً في الله ممّا يجعل الإنسان المؤمن بالمسيح أكثر راحةً في عيش ماتبقّى من حياته فهو الإنسان المغف له بإعترافه بخطاياه
هنا لابد من القول أن الإعتراف هو مسألةٌ نفسيّةٌ بحتةٌ فما من إنسانٍ إلا ويرتاح عندما يفرج عمّا في صدره ويزعجه حدّ الألم النّفسي الكبير وخاصّةً إذا ماكان هذا المخبوء في النّفس هو من درجة التّناقض الكامل فعلاً وبشكلٍ عميقٍ مع مايؤمن به هذا الإنسان عميقاً ..أليس الذّهاب إلى الطّبيب النّفسي والحوار معه حول مايجيش في الصّدر ويتعب النّفس يحقّق الهدف نفسه ؟
أمّا الإسلام فقد رأى في مسألة الحجّ والعمرة ذات البعد الإسرائيلي العميق فكرةً لابأس بها وممتازةً فهي تلبّي حاجات ٍ ثلاث لنفس هذا الإنسان وخاصّةً أولئك البدو في شبه جزيرة العرب حيث كانت التّجارة والغزو مصدر رزقهما الوحيد مع القليل من الرّعي :
أوّلا هي تجارةٌ مادّيةٌ يُنتفع منها
ثانياً هي عبادةٌ لله في أيّامٍ معدوداتٍ
ثالثاً وهنا بيت القصيد يعود كما ولدته أمّه مطهّراً بدون ذنوبٍ وقد غفرت له ( آية الحجّ : وأذّن في النّاس في الحجّ .............ليشهدوا منافع لهم وليعبدوا الله في أيّامٍ معدوداتٍ ) لاحظ هنا كيف قدّم الإسلام المنفعة على العبادة هل لهذا معنى ما لم يجرؤ محمّد على الإفصاح عنه ؟
والحجّ هنا هو المعادل النّفسي لعمليّة الإعتراف في المسيحيّة ولكنّه يتميّز عنها في أنّ السرّ يبقى في الصّدر ويخلّص المسلم من تبعاته النفسيّة المرّة الغفران الذي يناله بعد أن يتمّ حجتّه وهو بذلك يحقق ثانيةً مقولة إذا إبتيلتم بالمعاصي إستتروا إذ يبقى السّتر هو بيت القصيد لدى المسلم في عصيانه وفي غفران ذنوبه
من هنا نجد أنّ فكرة الثّواب والعقاب بعد الموت هي الأكثر عمقاً وتجذّراً في لاوعي الفرد واللاوعي الجمعي عند جماهير المؤمنين مسلمين ومسيحيين وذلك بسبب رعبهم ممّا يمكن أن يحدث لهم بعد الموت وهنا نجد أنّ الطّامة الكبرى تكمن في أنّ احداً لم يعد من الموت ليخبرنا بما حدث معه
لكنّ البوذيّة وجدت حلّاً أكثر إنسانيّةً وأكثر طهراً وعمقاً من الفكر الإيراهيمي بمجمله إذا قالت بفكرة البوذا (المستنير) والتي لن يصل إليها الإنسان إلا عبر مراحل متطوّرةٍ كثيرةٍ ومتعاقبةٍ من خلال دورة الولادة والموت وكأنّه يتحرّك على لولبٍ صاعدٍ فما أن يصل بنقائه وطهره إلى مرحلة البوذا حتّى يستقرّ في عالم العقل الكلّي عالم بوذا السّماويّ الخفيّ ولن يعود ثانيةً إلى دورة الحياة : ولادة - موت
هل كانت على حقّ بعض الفرق الإسلاميّة كالدّروز والعلويين عندما آمنت بفكرة التّناسخ (مايّسمى عند العامّة خطأً التّقمص )؟
علميّاً أقول نعم
إنّ التّخلص من فكرة الثّواب والعقاب المتجذّرة في اللاوعي الفردي والجمعي لجماهير المؤمنين مسيحيين ومسلمين لن يمكننا إزالتها بغير التّربية على فكرة الصّواب والخطأ عندها وفقط عندها نستطيع القول أنّنا لم نعد بحاجةٍ لغفران السّماء بل نحتاج فقط لمراجعة الذّات والتّصالح معها من جديد..
وماذا تعني الإستنارة في البوذيّة غير التّصالح مع الذّات ؟
ملحوظة:
خير من يمثّل الفكر البوذيّ عميقاً في هذا الشّرق إثنان هما عيسى المسيح وعليّ بن أبي طالب ففي تعاليم االإثنين نرى التّركيز على أنّ الإنسان هو سيّد قدره بكلّ تفصيلاته وهو سيّد الطّبيعة والفاعل فيها بقوّة إيمانه وعمقه ودعوتهما إلى الإيمان العميق بذلك هو جوهر فكرهما













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع أستاذ محمد ماجد ديوب
سامى لبيب ( 2016 / 9 / 12 - 00:08 )
مقال وتحليل رائع أستاذ محمد ماجد ديوب وأتصور أن التحرر من فكرة الثواب والعقاب وما يصاحبها من فوبيا وإضطراب نفسى مع تبنى فكرة الصح والخطأ كبديل , كفيل بتطور الإنسان ورقيه ونضوجه النفسى .


2 - فلسفة الغفران
شاكر شكور ( 2016 / 9 / 12 - 07:59 )
موضوعك جديد وأختيار ذكي استاذ محمد ، وبغض النظر عن الإيمان بفلسفة الغفران بين الثّّواب والعقاب ، فإن كانت فلسفة الغفران مجانية بدون ان يعطي الإنسان مقابل فستعتبر في هذه الحالة فلسفة فاشلة لأنها لا تعبر عن هدف وشرط يؤدي الى تقويم اخلاق المجتمع ، اما إذا كان شرط إزالة الذنوب مقرون بتوبة الإنسان عن الأعمال الشريرة فعندئذ يكون لفلسفة الغفران معنى وهدف إصلاحي للنفوس ، فالطقوس الدينية الني تمنح الغفران مجانا بدون شرط التوبة تكون تلك الطقوس بمثابة نصب وأحتيال وراءها عملية ابتزاز وتجارة مادية ... عن قولك ( أنّ احداً لم يعد من الموت ليخبرنا بما حدث معه) ، الإنسان بطبيعنه يشك في قول الأحياء عندما يتكلمون عن الغيبيات فبكم لو ظهرالأموات وتحدثوا عن الحياة بعد الموت فمن سيصدقهم ؟ وقد يعتبرهم البعض مجرد خيال لتقمص شيطاني بصورة انسان ، هذا اضافة الى ظهور الأموات سيلغي معنى لوجود الكتب الدينية التي تؤكد وجود الحياة في الآخرة وحتى عالم بوذا السّماويّ الخفيّ فلا يوجد برهان يؤيده ليكون هو العالم المفضل ، تحياتي استاذ محمد وشكرا لهذا الموضوع


3 - الحج الإسلامي يلزمه المال الاعتراف المسيحي مجاني
ليندا كبرييل ( 2016 / 9 / 12 - 11:11 )
كل عام وحضرتك بخير أستاذ محمد ماجد ديوب المحترم

كنت دوما أرى في الصديقات الشيعيّات الأقرب إلى منهجي في الحياة
وجاءت المعلومة في نهاية مقالك لتؤكد لي شعوري

لا بد أن نستبدل ثقافة الثواب والعقاب بثقافة الصواب والخطأ

ليس من السهل أن يكون الإنسان شجاعا في الاعتراف بضعفه أو خطئه

الاعتراف بخطأ مهما كان بسيطا يعبّر عن إنسان واعٍ حرّ

لكن ثقافتنا هي ثقافة التبريرات
دوما يلجأ الإنسان للهروب من ورطاته الأخلاقية إلى التماس مختلف الذرائع الواهية منها والمعقّدة ليعفي نفسه من الشعور بالذنب

الإنسان في داخله يعلم تماما أنه مخطئ لكنه يستريح إلى التبريرات الملفقة حتى تمضي به الحياة دون تأنيب للضمير

الحج الإسلامي أستاذنا يلزمه المال الوفير
بعضهم يبيع ما فوقه وتحته ليؤمّن تكاليف الحج الباهظة
ليلة واحدة في فندق فاخر في هذا الموسم بالذات ألف دولار

شبهة النفع والتربّح .. ويقولون الدين لوجه الله

نحن المسيحية رأف الله بنا
ركعة مجانية أمام الأبونا واعتراف صغير ونملك به ملكوت الله

تفضل خالص الاحترام والتقدير



4 - الصديق سامي لبيب
ممحمد ماجد ديُوب ( 2016 / 9 / 12 - 11:27 )
شكراً على رأيك الذي أعتز به نعم التربية على مبدا الصّواب والخطأ تشفيها من فوبيا جهنم وتعقيداتها النفسية تحيتي الكبيرة لك


5 - العزيزشاكر شكور
ممحمد ماجد ديُوب ( 2016 / 9 / 12 - 11:32 )
إن الإثبات العلمي على علم بوذا الخفي موجود إنطلاقاً من فيزياء الكم وموضوع التناسخ أنا نفسي عاينته وعايشته أربع مرات مع أشخاصٍ أعرفهم يوم كانوا أطفالا وتحدثوا بما يشبه المعرفة القَبْلية والمعرفة عن حياة سابقة القَبْلية وإذا أتيح لي الوقت سأكتب البرهان على وجود عالم بوذا الخفي


6 - المحترمة ليندا كبرييل
ممحمد ماجد ديُوب ( 2016 / 9 / 13 - 10:48 )
وأنت بخير وشكراً لمرورك وإضافتك المهمة

اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!