الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار السياسي الديني وإشكالية الجنوح إلى الإرهاب

سامر أبوالقاسم

2005 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من كون الإرهاب ، الذي مورس في حالتنا الوطنية ، على الشاكلة التي تمظهر من خلالها يوم 16 ماي 2003 في أقصى تجلياته ، هو شكل من أشكال الإحساس بفقدان الثقة بالنفس ، ونوع من الاختلال الوجودي الذي أصاب بعض العناصر داخل مجتمعنا ، وصيغة من صيغ التعبير عن درجات عالية من الاختلال في التكيف والتعايش مع المحيط وحركيته التاريخية .
وبالرغم من كونه يشكل تعبيرا صارخا عن فقدان الثقة في الدولة والمجتمع ، وفقدان الأمل والطموح والاحتكام إلى المنطق العقلي في أبعاده السياسية والاجتماعية ، نتيجة الهيمنة والسيطرة لبعض الدول ذات المنحى والتوجه الرأسمالي المتوحش التي تعصف بمصالح هذا الشعب المستضعف وكرامته ، وبسبب الاستشراء المثير للاستبداد والفساد والركود ، ونظرا لشيوع ثقافة وقيم الإقصاء والتهميش السياسي والاجتماعي والثقافي ، وشحن المحيط الوطني العام بالتطرف .
على الرغم من كل ما ذكرناه يبقى هذا السلوك أو النشاط مدان من طرف الجميع ، ولو أريد له من طرف مريديه أن يلبس لباسا دينيا ، ويتمسح بالفهم التأويلي العنيف والمتخلف للنص الديني الإسلامي . وعلى الكل أن يتعبأ مجتمعا ودولة للعمل على الحد من ظاهرة التطرف والقضاء عليها ، كل من موقعه ، وكل حسب مسؤولياته .
فالإدانة موقف إيجابي ، لكنه غير كاف . خاصة بالنسبة للفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين ، الذين هم ملزمون بالانكباب على الظاهرة بمختلف أبعادها ، والمساهمة في تجنيب المجتمع من مخاطر هذه الظاهرة المحدقة . لأننا لا نمتلك لحدود الساعة – أي بعد مرور أزيد من سنة – أية مؤشرات دالة على مستوى التعرف على مدى تراجع نسبة التطرف والغلو في مجتمعنا أو الزيادة في انتشاره .
والأسئلة المتناسلة اليوم ، من جراء المتابعة لمجمل النقاشات الدائرة في الساحة ، سواء على المستوى الوطني أو المستويات الجهوية والمحلية ، تكمن أساسا في مدى تحقق شرط الابتعاد عن حرارة الحدث وانفعالاته ، وتجاوز مرحلة التعاطي الأمني الصرف مع الظاهرة ، وكذا تجاوز منطق بناء المواقف والأحكام وتحديد المسؤوليات أو التنصل منها بالاعتماد على انطباعات خاطئة أو مراوغة ، ومدى توصل السلطة السياسية القائمة إلى إدراك أنها في حاجة إلى التنوير من جهة ومشاركة مختلف الأطراف في التدخل من جهة أخرى .
ولا شك أن كل متتبع اليوم للنقاش الجاري حول موضوع الإرهاب ، سواء على المستوى الوطني أو الدولي ، يلاحظ أن جل المشتغلين يركزون على بروز إشكالية تحديد مفهوم الإرهاب ذاته ، من منطلق الصعوبات العديدة التي تعترض الباحثين والدارسين ، على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية ، وتحول دون الوقوف على التدقيق المطلوب لتأطير الظاهرة من حيث تحديد طبيعة وشكل العوامل والأسباب والدواعي ، ومن حيث حصر حجم الانعكاسات والعواقب ، ومن حيث تحديد المسؤوليات للوصول إلى ضبط نوع وصيغة الإجابة على الظاهرة والتعاطي معها ورصدها على مستوى قدرتها على الانتشار وكفاءتنا في العمل على جعلها تتراجع ، وصولا إلى مستوى الحد منها والقضاء عليها .
وهو ما يطرح إشكالا آخر ذا ارتباط وثيق بكل ما ذكر ، ويتمثل أساسا في تحديد الأطراف المؤهلة للعب الأدوار المرتبطة باستراتيجية القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه .
وإذا كانت إشكالية تحديد مفهوم الإرهاب على المستوى الدولي قد برزت بالوقوف على تفاقم أشكال متعددة لتمظهرات النزعة الذاتية لدى مختلف الدول المستندة إلى الخصوصيات التاريخية والثقافية والسياسية والدينية ، وكذا بالوقوف على تباين وجهات النظر وتضارب الإيديولوجيات . فإن هذه الإشكالية على المستوى الوطني لم تكن بمنأى عن هذه الصعوبات في تحديد المفهوم . بل انضافت – حسب تتبعنا للنقاش – إليها العديد من الصعوبات الأخرى التي ارتبطت بمشكل تتعدد نوع المقاربة المعتمدة في تحديد المفهوم أو الحقل الدلالي للمصطلح / الظاهرة .
ففي حالتنا الوطنية ، ومباشرة بعد أحداث 16 ماي 2003 ، ظهرت وبقوة الواقع المقاربة الأمنية التي لا مفر منها ، والتي ارتكزت بالأساس على تحرك مختلف أنواع وأشكال الأجهزة الأمنية واقتفاء آثار مرتكبي الفعل الإجرامي ومدبريه والقبض عليهم وإجراء التحقيقات معهم ، واستثمار المعلومات والمعطيات الاستخباراتية وتبادلها ، والتعاون الأمني والاستخباراتي مع مختلف البلدان المجاورة أو المعنية بالظاهرة وامتدادات شبكاتها ، ومراقبة بعض الأماكن وإغلاق بعض المساجد ... إلخ . وعلى الرغم من النجاعة الآنية للمقاربة الأمنية ، فإنها تطرح إشكالية محدوديتها إن بقيت معزولة ولم تواكب بتأطير يراعي الأبعاد الاستراتيجية للظاهرة والقضاء عليها .
وبقوة الواقع كذلك حضرت المقاربة القانونية ، التي ركزت على محاولة تحديد العناصر الموضوعية للفعل الإرهابي ، ومصادقة البرلمان على القانون المتعلق بالإرهاب ، وتحريك المسطرة القضائية في حق كل من ارتكب الفعل الإجرامي أو كان مشاركا فيه أو مساعدا له . لكن هذه المقاربة هي الأخرى طرحت إشكال الموازنة بين حد الإقرار بحق الدولة في التدخل للتحصين الذاتي ولوضع قوانين تهدف إلى حماية المواطنين والحرص على سلامتهم والحفاظ على الأمن والاستقرار ، وبين حد مناهضة أية سياسة جنائية لا تركز على الاحترام اللازم للضمانات الشخصية والقانونية وإجراءات المحاكمة العادلة أو تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
وبالموازاة مع هاتين المقاربتين كان هناك حضور قوي للمقاربة السياسية ، التي عنيت بالبحث عن أسباب ودوافع هذه الظاهرة الإرهابية وأهدافها السياسية والإيديولوجية المركبة والمعقدة ، للوصول إلى تحديد المسؤوليات المادية والمعنوية ، وضبط الكيفيات والطرق والوسائل الوقائية مستقبلا . لكنها مقاربة اصطدمت بواقع سياسي أفرز إشكال التعاطي السياسي الحزبي المباشر ، المعتمد على منطق وأسلوب التنصل من المسؤولية ، وإن تعلق الأمر بمستوياتها الدنيا ، وبالمقابل استبعاد أي حضور للتحليل السياسي المتزن ، الذي يضع المصلحة العليا للوطن والمواطنين فوق أي اعتبار حزبي حلقي ضيق .
كما بدأت تلوح في الأفق بعض ملامح المقاربة السوسيو اقتصادية ، القائمة على ضرورة استحضار العلاقات الممكنة بين التطرف والعنف وبين الواقع الاقتصادي والرابط الاجتماعي لمختلف الشرائح والفئات داخل المجتمع المغربي . لكن هذه المقاربة هي الأخرى بدأت تطرح إشكال عدم تحديد وضبط الأسباب والدوافع المؤدية لبروز الظاهرة ، بفعل الالتباس القائم بخصوص تحديد الأولوية بين منظومة القيم والتمثلات لدى الأفراد داخل المجتمع المغربي المعاصر ، وبين حجم الخدمات العمومية المقدمة للمواطنين على اختلاف مواقعهم داخل التشكيلة الاجتماعية ، وكذا بين مستويات التأطير السياسي والاجتماعي والثقافي والديني للساكنة .
ولأن الظاهرة تكتسي أهمية بالغة من حيث ما أحدثته من مخاطر حقيقية محدقة بالدولة والمجتمع معا ، فإن تأطيرها لا يمكن أن يظل حبيس الإشكال المرتبط بتحديد المفهوم وحقله الدلالي . بل لابد من بذل الجهد وتكثيفه من أجل رفع اللبس والغموض بخصوص هذا السلوك الشنيع المحدث لمجموعة من الآثار السلبية والخطيرة على المواطنين وحقوقهم وحرياتهم ومصالحهم .
ومن هذه المنطلقات ، فإن هذا الفعل الإجرامي – في اعتقادنا – هو عبارة عن سلوك أو نشاط متسم بالعنف . وهو عنف مشوب بشحنات عالية من الإيديولوجية ، التي ارتبطت في حالتنا الوطنية ، كما في الحالة العالمية ، بفهم وتأويل مغرض للدين الإسلامي . عنف مرتبط بأهداف سياسية محددة . وقد ترتب عن هذا السلوك أو النشاط العنيف انتهاك لحقوق الناس وحرياتهم الأساسية ، وإلحاق لأضرار جسيمة بالمصالح المتنوعة ، وتهديد للقيم الديمقراطية الجنينية والسلام والأمن الوطنيين .
ولأن هذا النشاط أو السلوك غير عاد ولا مألوف في الواقع المعيش بالمغرب ، فقد أحدث إحساسا عاما باستهداف سلامة الشعب المغربي وأمن واستقرار المجتمع بأكمله ، ورعبا وترويعا بين الناس ، دون أن يكون هناك أي إعلان عن وجود حرب داخلية بين أطراف محددة ومعروفة لدى الجميع .
فكما أن التمادي في مخالفة مبدأ الشرعية السياسية ودولة القانون ومبدأ فصل السلط والالتزام بمعايير حقوق الإنسان من طرف السلطة السياسية القائمة ، يدفعها إلى منزلق اعتماد المقاربة الأمنية والقمعية التي تنسف كل أسس المشروعية وتهدد استقرار المجتمع والدولة معا ، فإن السلوك والنشاط الإرهابي الذي يمارس من طرف هؤلاء المتطرفين على المستوى السياسي الديني يجر إلى تعميق هذا التواجد للمقاربة الأمنية ذات الانعكاس السلبي والخطير على المجتمع وأمنه واستقراره وسلامته . وهو ما يعرقل ويحول دون إنجاز أية خطوة على مستوى تقعيد أسس ومداخل الانتقال الديمقراطي المنشود على مستوى التفاعل الداخلي مع الأوضاع .
هذا ما يجعلنا نستنتج بأن الجهل السياسي المركب لدى تنظيمات التيار السياسي الديني حينما يتفاعل مع الحماس الزائد عن اللزوم لدى مريديه ، يحدث انفجارا مروعا ومرعبا ومهددا للجميع .
صحيح أن العلاج الموضوعي للظاهرة / المرض يتطلب التصدي المتزن والشجاع لاستمرارية الدولة في رهن مصالح الشعب بالهيمنة الخارجية الساعية إلى تنميط العالم كله على أساس الاستهلاك ، وبالعمل الجاد والهادف إلى تجاوز وضعية الجمود والعجز اللذان يسمان الأوضاع الداخلية ، ويحولان دون القضاء على منطق الاستبداد والفساد وتركيز الثروات . لكن النشاط الإرهابي الممارس في حالتنا الوطنية يوم 16 ماي 2003 أضاف إلى المعادلة الثنائية بعدا ثالثا ، لكي يجعلنا متأكدين بنسبة عالية من ضرورة إعادة النظر في ترخيص السلطة السياسية للبعض بممارسة السياسة من منطلقات عقائدية إيمانية دينية ، دونما أدنى احتساب لحجم انعكاسات ذلك على الوضع السياسي والاجتماعي والديني بالبلاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س