الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهافت الأمراء ..!

ميشيل زهرة

2016 / 9 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دعونا نعود إلى الجذر التاريخي للمثقف العربي ، الذي تأسس على قاعدة دينية إسلامية ، بما فيه الأقليات الخاضعة نفسيا لثقافة المنطقة الدينية ، كالمسيحيين و غيرهم .!
هذا المثقف العربي الذي بنى ثقافته على مداميك دينية غيبية ، كان مؤمنا عميقا في نصوصه الدينية و لم يتحرر منها ..! و من باب آخر تفنن في اقتناء الكتب العلمية ليزين صالون البيت ..الكتب التي تشير إلى أنه ابن الموضة العصرية ، محاولا تجاوز ركيزته الدينية و ثوابتها..!!
و قد تشدّه الرغبة في الخروج من ثوبه ، في أن يبالغ في اقتناء الكثير من السمفونيات ، و المسرحيات ، و الروايات العالمية .. و قد يقتني بيانو لا يعرف العزف عليه ، ليس تفاعلا مع الحضارة ، و لا انسجاما حقيقيا معها ..بقدر ما هو رغبة مغتالة ، أو ناكصة في رحم الوعي العربي الراغب في التغيير الكسيح ، لإحياء الجثة الميتة في الروح ، و الذاكرة .
لكنه غير قادر على إحداث هذا التغيير بفعل الركائز التي بنى عليها ثقافته . لذلك حاول هذا الوعي الناكص ، و الكسيح ، أن يتململ في بيضة المكان ، فأنتج الوعي القومي المرتبط جدليا ، و روحيا بالدين ..و اللغة التي تعتبر لغة السماء روحيا ، و ثقافيا ..و هذا سبب آخر هام من أسباب النكوص ، و عدم تجدد الفكر من خلال اللغة ..! و كمقارنة بين الديني العربي ، و الديني الأوروبي ..لا نرى هناك تشابه إطلاقا ..إذ أن روحانية الوعي العربي ليست على غرار الوعي القومي الأوروبي ، الذي ينتمي إلى أيديولوجية مسيحية واحدة ، كانتماء العربي لأيديولوجيته الاسلامية ، الواحدة . و لكن هذا الأوروبي بقي محافظا على انتماءاته القومية ، التي لم يسحقها الفكر المسيحي الداخل إلى القارة بسلام ، و المُتلقّى بسلام ، من قبل شعوب هذه القوميات الأوروبية التي حافظت على خصوصيتها الحضارية دون انسحاق ديني على حساب القومي ، و العلمي . و لكن الفارق بين العربي و بين الأوروبي : إن الفكر الديني العربي ، قد ألغى القوميات كلها ، و صهرها في خدمة الفكر الدخيل على هذه البلدان التي فقدت هوياتها القومية بالقوة ..حيث تربع الأمير الديني على صدور هذه الشعوب المنتمية إلى قوميات مختلفة ، لا علاقة لها ، حضاريا ، بالمحتل الروحي ، و الثقافي للمنطقة ..! و على هذه الخلفية بنى المثقف العربي وعيه ( العلمي ) على مداميك خرافية غيبية .. ( كما لو أن الحامل كجزيرة في بحر ..ظن المثقف أنها اليابسة ، و في النهاية نكتشف إن الجزيرة ، هي حوت متحرّك زلزل كل البناء في تحركه . فغرقت الثقافة و السياسة ..وبقي الحوت الديني ليعيث في المحيط فسادا و إفسادا ، و قتلا و تحطيما ..و قد يكون مقادا ) ..!!
هتلر كان ديكتاتورا قوميا ، و مسيحيا ..لكنه كان علمانيا ، و قد تفوق القومي على الديني في طرح المثقف الألماني ..! في الوقت الذي لم يستطع الديكتاتور العربي أن يكون علمانيا ، و لا حتى المثقف الذي يدعمه فكريا..لذلك كرّس مثقفا على شاكلته لم يستطع التحرر من الديني ، و الانتماء الضيق ..! رغم أنه بتأثير الفكر القومي الغربي ، قد نادى بالعلمانية ، و فشل في تحقيق هذا الطموح ، لأنه ، كمثقف ، قد خرج من عباءة الامير الديني الإسلامي ، القومي ، إذ أراد أن يكون( عربيا مسلما ) ..
و أحيانا يخرج هذا الأمير الديني ، متبوعا بالأمير السياسي ، و خلفه الأمير الثقافي العربي ، عن القومية ، و الوطنية في خدمة الفكر السلفي ، الإسلامي العالمي . كما نراه الآونة في ( الإسلام السياسي الأممي ) ..! هذا الأمير السياسي لم يستطع التحرر من قبضة الأمير الديني لكي ينتج مجتمعا ..أو يعمل على تحقيق ذلك ، و بالتالي لم يستطع أن ينتج وطنا ، بسبب أن ثمة عَقد ، غير معلن ، بين الأميرين السياسي ، و الديني ، ومن خلفهما الأمير الثقافي الذي يقوم بكل الطقوس التي ترضي هذين الأميرين . هذا المثقف لم يكن فاعلا في يوم من الأيام ، عبر التاريخ الثقافي العربي ، ( ما عدا بعض استثناءات سُحقت بلا رحمة ..) و التي قام بسحقها الأمير الديني في خدمة الأمير السياسي في عملية الاجهاض الاجتماعي الدائمة نحو النكوص ، و الارتداد إلى الخلف ..! و أحيانا يقوم الأمير السياسي بذلك السحق متهما المثقف الخارج عن السرب ، بالكفر ، لتجييش الأمير الديني خلفه ( كما حدث في زمن الماركسيين ، و بعض العلمانيين من المثقفين العرب ..! ) و لأن الأمير السياسي اطمأن لفعل الأمير الديني . و العكس صحيح ، فقد شاركا في عملية اغتيال المجتمع مع المثقف المتهافت على أقدام السلطان ، و المتعلق روحيا بأذيال الأمير الديني ..!! ( وما حدث في هذه الفترة الانتقالية من التاريخ العربي دليل صارخ على دعم الأمير الديني الخفي ، للسياسي مع المثقف المشروخ نفسيا و المتهافت على أقدام السلطان ..!
لقد انقسم هذا المثقف نفسيا مابين ثلاثة جهات : الديني ، و السياسي ، و الرغبة في مجاراة العصر المتغير ، و الوميض الأخاذ للحضارة الغربية ..! فقد تشظّى هذا المثقف ، و تهافت في بؤرة التغيرات العميقة في المرحلة ..فسقط المحمول الثقافي العلمي ببساطة ..ليبقى الحامل الديني و حسب ..ليسقط هذا الأمير الثقافي في أقذر مكان هو الوحل الطائفي ، و الديني ، في مرحلة التغيرات العميقة في كل مناحي الحياة العربية ..و التي تعتبر من أعقد مراحل التغيير التي تحبل بها المنطقة ..! ليس الأمير الثقافي فقط من تهافت ..بل الأمير الديني ، و السياسي أيضا ..!
الأمراء الثلاثة في مأزق الآونة ..و القادم من الزمن لا يتقبل التقليدي سواء سياسيا ..أو دينيا ، أو ثقافيا ..! فلو أخذت نصا أدبيا لمثقف أميري ، لم يستطع أن يتحرر من الأميرين ( السياسي ، و الديني ) ، و غيلان وعيه ..! سترى بوضوح مدى الانكسار في الوعي ، و عملية النكوص في ذات الوعي ، حيث أنه يشبه إلى حد بعيد صوصا في بيضة فاسدة ، و قد التفّ حول نفسه و أخذ يلفظ أنفاسه المتبقية في هذا الجسد الخاوي و المتهافت ..وما ينطبق على الأمير الثقافي ، ينطبق على الأميرين الآخرين ..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله