الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المُنافقون في دولة الإسلام

هشام آدم

2016 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جاء في لسان العرب أنَّ النِّفاق هو الدُّخول في الإسلام من وجهٍ والخروج عنه من آخر، مُشتقًا من نَافِقَاء اليربوع إسلاميَّة، وقد نافق مُنافقةً ونِفاقًا، وقد تكرَّر في الحديث ذِكر النِّفاق، وما تصرَّف منه اسملًا وفعلًا، وهو اسم إسلاميٌ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كُفره ويُظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللُّغة معروفًا. يُقال: نافق يُنفاق مُنافقةً ونِفاقًا، وهو مأخوذ من النِّافِقاء، لا من النَّفق، وهو السرب الذي يستتر فيه لستره وكفره(1). وقد يُستحسن بنا أن نأخذ في اعتبارنا عدم استخدام العرب لكلمة "مُنافق" و "نفاق" بهذا المعنى الذي تفرَّد به الإسلام، فالنفاق بمعنى إظهار شيءٍ وإبطان عكسه لم تكن عادةً معروفة لدى العرب قبل الإسلام، ولذلك دلالة هامةً سوف نحتاج إليها في هذا المقال.

بادئ ذي بدء دعونا نتساءل عمَّا قد يدفع الإنسان إلى إخفاء حقيقة أفكاره ومُعتقداته، وإبداء أفكار ومُعتقداتٍ لا يُؤمن بها فعليًا؟ في اعتقادي الشَّخصي؛ لا شيء يدفع الإنسان إلى ذلك إلَّا ابتغاء مصلحة يرجوها، فيكون نفاقه انتهازيَّةً منه، أو يدفعه إلى ذلك الخوف، فيكون الأمر عائدًا إلى شكل السُّلطة التي تحكمه، بأن تكون قمعيَّةً لا تقبل باختلاف الآراء. الأنظمة القمعيَّة قد تجبر الإنسان على إخفاء أفكاره التي لا تنسجم مع توجُّهات النظام، فيُضطر المرء إلى مُنافقة النّظام اتقاءً لشرها وغضبها. وقد يكون الأمر انتهازيَّةً الغرض منها الكسب المادي أو الحظوة في ظل النظام القمعي، وكذلك نرى الأمر ذاته في ظل الأنظمة القمعيَّة التي تزخر بالمُنافقين الذين يُصفّقون لكل ما يفعله النّظام. وفي رأيي الشَّخصي أيضًا، فإنَّ الدَّولة الإسلاميَّة جمعت بين الاثنين: التَّرغيب والتَّرهيب، وهو ما ساعد على نشوء ظاهرة النفاق، فلو كانت دولة المدنية في عهد مُحمَّدٍ دولةً ديمقراطيَّةً بها سقفٌ وهامشٌ من الحريَّات، لما اضطر البعض إلى إبطان الكُفر وإظهار الإيمان، وهذا قد يُعتبر دليلًا واضحًا على شكل النظام في دولة المدنية، والتي أسَّسها محمد في "يثرب"؛ لاسيما عندما نعرف أنَّ العرب لم يعرفوا النفاق قبل الإسلام.

إنَّ خوف المُعارضين داخل الدَّولة الإسلاميَّة من قمع النظام، وشراهة البعض وطمعهم في الحظوة والمال هما ما ساعدا على ظهور المُنافقين في دولة المدينة المُحمديَّة؛ لاسيما وإنَّه لا يُوجد للمُنافقين ذكر في القرآن في العهد المكي، فكل السُّور القرآنيَّة التي تحدَّثت عن المُنافقين هي في أساسها سورٌ مدنيَّة، أي بعد الهجرة إلى يثرب وإقامة الدَّولة، على خلاف نظام الحُكم السياسي الذي كان قائمًا مكةَّ القُرشيَّة، والذي كان فيها سقف وهامش الحُريَّة عاليًا، إلى الدَّرجة التي جعلت كُلَّ صاحب ديانةٍ أو مُعتقدٍ يجهر بها، دون خوفٍ على حياته أو حُريته، بمن في ذلك مُحمَّدٌ نفسه. ولقد ذكرتُ في مقالٍ آخر بعنوان (مُحاولة لقراءة التَّاريخ الإسلامي بعينين)(2) أنَّ خلاف قريشٍ مع مُحمَّدٍ لم يكن بسبب جهره بمُعتقده، وإنَّما بسبب تعديه على مٌعتقدات ومُقدَّسات الآخرين بالسَّب والإهانة والإعابة، وعرفنا في المقال الطُّرق الديمقراطيَّة التي اتخذتها قريش في مُعالجة هذا الأمر، وذلك عبر الحوار، بإرسال وفودٍ تُحاور مُحمَّدًا تارةً، وتُحاور أبا طالبٍ تارةً أُخرى.

إنَّ الأسلوب الذي اتبعه مُحمَّدٌ في دعوته إلى دينه الجديد، هو نفسه ما كان سببًا في إيمانه الجازم بأنَّ كثيرًا من أتابعه لم يكونوا في حقيقتهم مُؤمنين تمامًا بدعوته، وإنَّ ما دفعهم إلى اتباعه لم يكن أكثر من خوفهم من السيف أو طمعهم في الغنائم، وقليلٌ منهم كان مُؤمنًا ومُصدقًا فعلًا بدعوته ونبوته، وبأنَّ من وراء ذلك جنَّةٌ ونار، وحتَّى أولئك كان الخوف والطَّمع وراء إيمانهم، ولكنَّه خوفٌ وطمعٌ ميتافيزيقيين، وليس كخوف وطمع المُنافقين والذي كان فيزيقيًا، ففي حين يخاف المُنافقون من السيف الفيزيقي، كان المُؤمنون يخافون من النَّار الميتافيزيقيَّة، وفي حين يطمع المُنافقون في الغنائم الفيزيقيَّة، كان المُؤمنون يطمعون في الجنَّة الميتافيزيقيَّة، فكان الاختلاف بين المُؤمنين والمُنافقين في هذا الأمر اختلافًا طفيفًا جدًا. وعندما أتكلَّم عن الأسلوب الذي اتبعه مُحمَّد فإنَّني أتكلَّم عن أسلوب التَّرغيب والتَّرهيب على المُستوى الفيزيقي طبعًا، فمُحمَّد أغرى النَّاس بالغنائم التي سوف يتقاسمونها معهُ، إن هم اتبعوه، فنقرأ مثلًا:
* [وَمَغَانِمَ كَثِيِرَةٍ يَأْخُذُوُنَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيِزًا حَكِيِمًا]
* [وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيِرَةٍ تَأْخُذُوُنَهَا]
* [فَكُلُوُا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالًا طَيْبًا]

وفي الأثر ما قيل في إسلام سُراقة بن مالك، عندما وعده مُحمَّدٌ بسواري كسرى بن هرمز، وكذلك ما جاء في قصَّة حفر الخندق عندما كان مُحمَّدٌ يُبشرّ أتباعه بفتح قصور الشَّام وقصور فارس. فمن هذا الباب كان التَّرغيب الفيزيقي العياني والمادي، وكذلك مما جاء في قصَّة الحوار الذي دار بين مُحمَّدٍ وبين سادة قريش، ومُحاولة إغرائهم له بالمال والمُلك على قريش، ومُحاولة إغرائه لهم بحُكم العرب والعجم، حيث قال: "أريدهم أن يقولوا كلمةً تدين لهم بها العرب، ويدفع لهم بها العجم الجزية." أو ما شابه المعنى وإن اختلف اللفظ. فدلائل الإغراء والتَّرغيب المادي واضحةٌٌ وثابتةٌ قرآنًا، وسنَّةً وأثرًا، فكان هذا ما فتح شهيَّة البعض لنيل جزءٍ من هذا الخير الذي وعدهم به مُحمَّدٌ؛ لاسيما عندما بدأ يظهر على أعدائه من أهل مكَّة.

أمَّا عن التَّرهيب، فكما قلنا سابقًا فإنَّ القمع هو ممَّا يجعل المرء يُبطن أفكاره، خوف البطش والعقاب، ولقد رأينا كيف فعل مُحمَّد بيهود المدينة، فقط لأنَّهم لم يتحالفوا معه، ورفضوا معاونته ماديًا في حربه مع قريش؛ تلك الحرب التي لا ناقة لليهود فيها ولا جمل. ولقد عرفنا الأعذار والتَّبريرات التي يسوقها المُسلمون لإبادة مُحمَّد لليهود ونفيهم من يثرب، باتهامهم تارةً بأنَّهم خانوا العهد، وتارةً بأنَّهم أرادوا قتل مُحمَّد، وتارة بأنَّهم هتكوا عرض امرأةٍ مُسلمةٍ، فكانت النَّتيجة هو إنزال عقوبةٍ جماعيَّةٍ عليهم. لقد شكَّل مُحمَّدٌ وجيشه المُدفوع بالقوة الغيبيَّة (المُتمثَّلة في التَّرغيب والتَّرهيب الميتافيزيقيين) قوَّةً ضاربةً في الجزيرة العربيَّة، جعلت من الواضح لدى القبائل العربيَّة أنَّه لا مناص من التَّحالف معها، إن لم يكن طمعًا بالغنيمة، فخوفًا من الغزو، وأن تكون أموالهم ونساؤهم غنيمةً لهذا الجيش القوي؛ لاسيما بعد فتح مكَّة وخضوع قريشٍ (سيدة قبائل العرب) إلى سًلطان هذه القوَّة الجديدة.

إنَّ الكلام عن النفاق والمُنافقين، في ظل الدَّولة الإسلاميَّة، يفضح -في واقع الأمر- شكل الدَّولة، ويُوضح كيف أنَّها كانت دولةً قمعيَّةً، لا تسمح بالمُعارضة، ولا بتعدُّد الآراء والمُخالفة، فإن كان لابُد من تعدُّدها فيكون ذلك من داخل المنظومة نفسها، فيما يُعرف بنظام الشُّورى، ولكن ليس مُعارضةً تحميها الدَّولة، وتُوفر لها حقوقها الطَّبيعيَّة. فكان النفاق إفرازًا طبيعيَّا، ونتيجة حتميَّة لتسلُّط الدَّولة أو لإغرائها الذي يُوفر الانقياد بلا ولاء، ولابُد من وضع هذا الأمر في الاعتبار عند قراءة الآيات التي تتكلَّم عن المُنافقين؛ إذ أنَّ الأمر يُصبح جليًا عندما يُكشف أمر المُنافق ويظهر للعلن، فكانت العقوبة تنزل به فورًا [وَلَئِن سَأَلْتَهُم لَيَقُوُلُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوُضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُوُلِهِ كُنْتُم تَسْتَهْزِئِوُن * لَا تَعْتَذِرُوُا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيِمَانِكُم إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُم نُعَذِّب طَائِفَةً بَأنَّهُم كَانُوُا مُجْرِمِيِن] وفي هذا ردٌ لمن يقول بأنَّه لا عقوبة على المُرتد أيضًا، فالجُرم هنا مُرتبطٌ بالكُفر، كما فيه ردٌ على من يستخدمون آية [وَقَد نَزَّلَ عَلَيْكُم فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُم آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوُا مَعَهُم حَتَّى يَخُوُضُوُا فِي حَدِيِثٍ غَيْرِهِ] على أنَّ القرآن لا يُحدّد عقوبةً على من يكفر بعد إيمانه، أو حتَّى من يستهزئ بالقرآن؛ وإلَّا فعليهم أن يحلوا التَّناقض الظَّاهري بين هاتين الآيتين.


--------------------------
المصادر:
1- ابن منظور، لسان العرب. ط دار المعارف. القاهرة-مصر. تحقيق: عبد الله علي الكبير. محمد أحمد حسب الله. هاشم محمد الشَّاذلي. ص 4509
2- رابط مقال (مُحاولة لقراءة التَّاريخ الإسلامي بعينين)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=377862








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وما اكثر المنافقين!!
سناء نعيم ( 2016 / 9 / 17 - 09:05 )
جاء في سورة التوبة-يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون-
فهل نسي الله انه انزل سورة قبل ذلك تسمّى -المنافقون- ام انه الإرتباك البشري في ترتيب الآيات والسوّر وهو ما يفضح الإدعاء الإسلامي بالمعجزة الخالدة.
اما عن الترغيب في الإسلام فلم يكن بالغنائم فقط بل بالنساء وهو مايعتبر معرّة في جبين الإسلام فكيف يامر الله باغتصاب نساء المهزومين وإذلالهم.هل من يحرّم القرب من الزنا يبيح انتهاك الأعراض ونكاح المتعة ونكاح الجواري وغيرها من المشينات؟!!
وهي وسائل إغراء تهفو لها النفوس عموما فمابالك بنفوس جائعة تهفو لكل الطيّبات وهو ما أستثمر فيها الإسلام. فكان من تبنّاه عن قناعة وهم قلّة وكان من دخله لاجل مغنم وهم الاغلبية وحروب الرّدّة شاهد على ذلك.
فلا عجب ان ينتشر النفاق في المجتمع الإسلامي قديمه وحديثه.
أعرف بشرا لايصلّون إلا الجمعة والعيدين خوفا من تهمة الكفر او الإلحاد والسبب السلطة الدينية واتباعها من الدهماء الذين ينفرون من المخالف.
فلا حياة كريمة لمن يشذّ عن القطيع.
دامت لكم نعمة العقل


2 - متوالية من النفاق
عدلي جندي ( 2016 / 9 / 17 - 10:26 )
أفضل خلق الله
النبي الكريم
ص الله عليه وسلم أو ع الصلاة والسلام ينطقها أي مسلم حتي لو كان ممن ينتقد الدين لأنه إن لم ينافق بتبجيل الرسول حسابه معروف والإتهام جاهز في أي بقعة تعيش الحقيقة الإفتراضية أن الله أرسل وحي وأن جِبْرِيل نزل من الفضاء عاد ولم يعد مرة أخري فقد إنتهت المشاكل وصار الإسلام هو الحل والحل يتضح في سوريا والعراق وليبيا ومصر وأفغانستان وقريبا في أوروبا
نافقوا تصحوا علي إسلام
تحيات للكاتب