الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آه.. يا رجلى

ياسر العدل

2005 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مثل طوب الأرض والشجر والحيوان، زهقت من دعاية المنتفعين وفساد المعالجين وتهرؤ الشعارات الكبيرة، وظهر لى أن كثيرا ممن أحب لقاءهم فى الأحلام، عظماء التاريخ والأصدقاء الحميمين وبعض الممثلات، ليسوا أكثر من بشر تطق منهم ضلوعى غيظا وتتحشرج منهم روحى كمدا، يمارسون طول الوقت نكد الزوجات وتنطع الأولاد ودلع البنات ووعود التقدم لكبار المصلحين0

فى صباح الأسابيع القليلة الفائتة، استيقظت مهدودا فى ضلوع مكسورة، وعيون متورمة وشفاه معوجة وأطراف مرتخية وتثاؤب متردد وراس ثقيلة تحشوه بلادة رائعة، وكلما تحسست رجلى للوقوف لمست الألم فى بطن قدمى وورم أصابعى ونغز مسمار كعبى الأيسر، كان الأمر منطقيا، فمنذ أكثر من خمس وثلاثين سنة، وأنا موظف عند الحكومة أمارس معها عصيان التباطؤ، لا أعطيها جهد الموظف الحريص ولا تعطينى الأجر المناسب على ما بذلت من جهد، ومنذ ربع قرن وأنا زوج لم أمارس حقى فى الطلاق ولم تتبرع زوجتى بالخلع، ومنذ سنوات تصر زوجتى على أن معاناتى دلع ماسخ أتهرب به من واجباتى المنزلية، وحين نغزنى مسمار كعبى الأيمن أصبح لازما أن اطرق باب الطب والأطباء منغلقا على ذاتى أتأمل أحوال جسدى العجوز.

جسنى طبيب أمراض باطنية، وأخبرنى بأن لدي بوادر مرض النقرس أشارك به الملوك القدامى بعض آلامهم، وأن علاجى محصور فى التوقف عن أكل اللحم والفول المدمس وكل ما يزيد حامض اليوريك فى دمى، كانت حكمة الطبيب فاجعة، ففى السنوات الخوالى صارعنى الفقر فتناولت الفول اخضرا مجروشا مدمسا بصارة نابتا، فى الدار والمدرسة وأجران اللعب، وفى السنوات الأخيرة صرعت بعض الفقر، فتناولت اللحم فتافيتا نسايرا قطعا هبرا، فى الأعياد والمواسم والدعايات الانتخابية وموائد تكفير الذنوب، كانت فاجعة العلاج أن أبتعد عن تاريخى فى الفقر مع الفول مخاصما طموحاتى فى الغنى مع اللحوم، وحين عملت بنصيحة الطبيب خف الألم قليلا وركبت رجلاى إلى أصدقاء مخلصين.

صديقى الأول موظف حكومة غلبان، لا يكفيه راتبه ويتحايل على ضيق المعيشة بتربية نحل العسل، يحيط منزله بشباك من السلك تمنع خروج الشغالات من خلية نحل بلدى يضعها فى حجرة الضيوف، وحين شكوت له بلواى، رسم لى صورة تشريحية لنحل العسل، واجتهد فى تقديم أدلة يمتلئ بها تراثنا، بأن شفائى ميسور مع جلسات العلاج بنحل العسل، وفى الجلسة الأولى ارتدى صديقى قفازا وأمسك بنحلات حفزها كى تلسعنى بجوار منطقة الألم، وحين أدخلت ثلاث نحلات سمها فى كل قدم وتركت جزءا من أمعائها فوق جلدى، اعتصرنى الألم وورمت قدماى ومكثت مرهقا أياما ثلاثة، واستمر الصباح مزعجا يناوشنى بنغز مسامير القدمين، وقررت الذهاب إلى صديق جديد.

صديقى الثانى طبيب، تعليم مدارس وخريج كلية الطب، رطن معى بكلام خليط يحمل سمت لغات الأجانب، فأصابنى هوس بأن جلسات الأوزون علاج ناجع، جربوها هناك وجلبوها هنا، تعالج حزمة من الأمراض وتحقق كثيرا من الأمانى المستحيلة، تعيد الشيخ إلى صباه والحيزبون إلى عصر البراءة، وخضعت لجلسات العلاج بالأوزون، فى واحدة سحب الطبيب مقدارا من دمى ثم أعاده لجسدى مخلوطا بالأوزون، وفى أخرى أخذت حمام بخار مخلوط بالأوزون، ومع الجلسات ظلت مسامير الألم تلعب فى قدمى ويتأوه جيبى من أجر الأوزون، وحين أصابنى انتعاش مفاجئ قررت الذهاب إلى معالجين جدد0

الشيخ الطيب يقسم بأن شفائى ليس فى يد أحد من الخلق، ويؤكد تابعوه أن التدين والصلاح يشفى من كل مرض، والشيخ المناور يقسم انه لا يعرف كل الأسرار، ويؤكد تابعوه انه قادر على إخراج كل شيطان مس جسدى بالمرض، ويؤكد شاب لا يملك القدرة على الزواج بأن مرضى حبة برد تخللت عظامى، ولا يزيل البرد غير الزواج من سمراء تحت العشرين، وتؤكد زوجتى أن العلاج يكمن فى الانشغال بتربية الأولاد0

آه يا رجلى، كثير من المعالجين يتاجرون فى دواء واحد يعالجون به كل الأمراض، وحين تفشل ثقافة المجتمع فى التأكيد على أن الأمراض لا تأتى من سبب واحد، وأن للأمراض علوما موضوعية تدخل طرق علاجها فى دوائر العلوم المضبوطة، فسيبقى المرضى حقلا لتجارب كثير من المغامرين، ويتعايش الجميع مع أمراض الفشة والطحال والبرد والتخلف العقلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-An-Nisa


.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي




.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان