الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم رعد والعشرة دنانير ؟

نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)

2016 / 9 / 22
المجتمع المدني


لا اعرف كيف تذكرت قصة جارتنا القديمة أم رعد والتي مر على وفاتها خمسة وعشرون عاما , ولكن أحببت تمرير قصتي ونشرها هنا عسى ان تكون عبرة للذين بطونهم "متخومة" من مال الحرام ! .
أم رعد امراة تبيع السمك فارشة الارض بعشر مترات , ضاربة القوانين بعرض الحائط , حتى جماعة حزب البعث الذي كان وقتها حاكما للعراق لم يستطع زحيهها لمخالفتها قوانين البلدية . أم رعد رحمها الله , شرسة تتعارك حتى مع القطة , لم تمتلك الرحمة , تتشاجر مع المارة , ويا ويل للذين يمرون من أمامها ولم يشتروا كيلو أو أكثر منها . والمشكلة أن المتسوق مرغم من المرور من أمامها , لانها تبيع في بداية سوق الحرية الثانية , كنا في وقتها نجاملها وأحيانا نشتري السمك منها , كل أسبوع كيلو كي لا تسجلنا في قائمة الأعداء , وهذا الحال ينطبق على جميع أهالي الحي , حتى شيوخ العشائر " يتحاشون" مشاكلها ,وسيارات النجدة الذين هم أهل القانون يخافون منها . بكل الاحوال هي امراة , أن شتمت لا يستطيع الرجل أن يرد عليها . في وقتها كنت بعمر الصبي أمر من أمامها واتخيل أنني أمر من أمام دب مفترس يحاول أفتراسي , وعلى هذا أقوم بضربها بحجر صغير كي تركض ورائي , لأنني أعلم أن هذه المرأة بوزنها الثقيل لا تستطيع اللحاق بي وأنا الصبي الخفيف ,لا أعلم يا أصدقائي لماذا أنا - أحاول التحرش بها رغم أنها لم تتجاسر علي , ولكني أشعر بالاثارة مثل الاسبانيين وهم يطعنون الثور فيقوم بالركض ورائهم , ومن يسقط يتكسر جسده أو يتمزق .
أنا أعترف صراحة لكم . أنني مخطأ تجاة فعلتي هذه , ولكن بتصرفاتها الرعناء جعلتني ان أقود كومة من الصبية لمشاكستها , فتحمل السكين متوعدة لنا بطعننا بها , أوقفت أمي هذه المراة ووعدتها بانها سوف تمزقني ان استمريت على هذا المنوال , تبت من تصرفاتي الصبيانية لخاطر أمي , واصبحت تجاه أم رعد مثل الشماس الذي يخدم في بيوت الله , كبرت علاقتنا معها رغم الحذر , لأننا نعلم مهما نقدم لها من خدمات تنساها فورا . مرة من المرات الصدفة السيئة لعبت دورا لتكون في النهاية حكمة مؤثرة . كان والدي قد استلم راتبه من مدرسته , فأستوقفت أم رعد والدي وترجته أن تستلف منه عشر دنانير , لتشتري السمك , ولا اعرف للساعة لماذا والدي اعطاها هذا المبلغ والذي في حينها كان مبلغا دسما ,وقلت له : لماذا يا والدي سلفتها هذا المبلغ الكبير وقال لي : هذا ليس شانك , وبعد مرور شهر , وشهرين لم تسلم أم رعد المبلغ لوالدي , وذهب لها طالبا حقه فأنكرت ام رعد وقالت لوالدي : هل عندك دليل ؟! , أبي انصرف عنها والعوض على الله , وبعد مرور ثلاث سنوات , أم رعد لم نشاهدها خلال شهرين ولم نشاهد بضاعتها ذات الرائحة الكريهة , توقعنا انها ذهبت عند أشقائها في احدى محافظات العراق وستعود . وذات يوم باب دارنا يطرق , فتحت الباب واذا بأبنها يمد العشر دنانير ويقول لوالدي هذا المبلغ الذي كان بذمة والدتي وهي من بعثتني لاعطيك اياه ! كان الموقف مملوء بالغرابة , ولا نعرف لماذا سلمت المبلغ رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات , وبعد أسبوع سمعنا ان ام رعد قد انتقلت روحها للسماء بسبب مرض خبيث سرى في جسدها , فعلمنا انها تريد أن تموت غير مديونة لأحد ..
هذه الحكاية تذكرني بسراق اليوم , والذين لعبوا بمليارات الدنانير من دون أن يفكروا ان الموت لاحقهم لا محال , نسوا أو تناسوا أن ما يجنوه سوف يتركوه ولا يبقى لهم سوى الكفن , ما يحز في قلبي , ان هناك الألاف من المرضى بحاجة الى عمليات جراحية ولا يملكون المال , تمنيت أن يبنوا مستشقيات تغطي الحاجة لها , كنت أتمنى ان يعمروا المدارس للأطفال , وبناء جيلا مثقفا , كنت أتمنى من المليارديرية أن يقراوا قصة أم رعد والعشرة دنانير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تتهم نتنياهو بالتخلي عن مقترح بايدن والأونروا تتحدث عن


.. اليونيسف: لدينا نحو 100 مليون طفل وشاب في القارة الإفريقية م




.. شهداء وجرحى نتيجة قصف إسرائيلي على محيط خيام النازحين غربي م


.. اعتقال سائحة أميركية اقتحمت مسجدا في يافا.. واعتلت منبره




.. اليونيسف: الأمور ستصبح أسوأ إذا لم يتم وقف إطلاق النار في غز