الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتلة البشرية بين الانقياد والتمرد

وليد يوسف عطو

2016 / 9 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان الهجرات الكبرى عبر التاريخ قد صاحبها تغييرات عميقة في عقائدها وفي بنية المجتمعات التي حلت فيها , وفي عقائدها ودياناتها , وبالتالي فان موسم الهجرات الكبرى في سوريا والعراق ولبنان وغيرها من بلدان الشرق الاوسط تعكس صيرورة جديدة للهوية وللمكان والزمان .

هذه التاثيرات لاتقوم على التاثيرات القديمة بل على تاثيرات العولمة . والعولمة هي نظام النقل والاتصال والانتاج عن طريق الحاسوب . فالوطن قد يتحول الى صورة رقمية وتاريخ افتراضي والشعب يتحول الى رموز عبر الهاتف الذكي وشاشة الكومبيوتر .ان صيرورة الاحداث الحالية في بلدان الشرق الاوسط تشير الى تدمير نظام الدولة القومية وازالة الحدود بين الدول وخلف كيانات سياسية هشة تقوم على هوية احادية خارج الوطن والمواطنة .

ان عصرنا يشهد عودة الاصوليات المتطرفة بقوة عن طريق الخطاب التحريضي والصورة والخطاب عبر شاشات الفضائيات والهواتف الذكية وشاشات الحواسيب .فمن السهل استثارة الجماهير عن طريق دغدغة مشاعرها عن طريق الصورة والخطاب التعبوي الديني .

في ظل الفوضى العارمة في العالم العربي فان الجماهير غير ميالة الى التامل والتفكير,بل تميل الى الانخراط في الاعمال الجماهيرية .ان الاحتجاجات الجماهيرية تقوم على هدم مرتكزات السلطة ومراكز قوتها ورموزها ,حيث تقوم الجماهير في فترة الاضطرابات الكبرى بممارسة اعمال العنف والقتل والنهب والحرق, الا في حالة كون هذه الكتلة تخضع لمؤسسات المجتمع المدني كنقابات العمال مثلا,فهي تقود التجمعات الجماهيرية بعقلانية وبدون خطاب عاطفي , ولا تتركها لثقافة القطيع في الانقياد الاعمى .

ان منظمات المجتمع المدني تخلق صلات افقية بين جماهيرها ولا تقوم في اغلب الاحوال على قدرات شخصية كارزمية فذة ,بل على العمل التشاركي والطوعي والجماعي وبدون تراتبية هرمية بيروقراطية وبدون قيادات احزاب ايديولوجية. فالاحزاب الايديولوجية تحولت الى اديان جديدة .
هنا تقوم قدرة الجماهير على المشاركة الواعية في صناعة الحدث, اما الجماهير اللاواعية والمنومة مغناطيسيا فهي تقوم باعمال العنف والقتل . ان الجماهير عندما تستخدم عقلها اللاواعي فانه تستخدمه كما يستخدم النمل قدراته في افتراس الحشرات والحيوانات الاخرى .

اما العقل الواعي للجماهير فانه يحقق العبور من اعمال الفطرة الى مرحلة العقلانية. ان قادة التغييرات الكبرى في المجتمعات كالانبياء وكبار القادة كانوا يقودون الجماهير بعقلية الخبراء بنفسية الجماهير .ان نفسية القائد والزعيم والنبي قديما تتغلب على نظام المؤسسات والقوانين .في العمل الجماهيري علينا الخروج من عقلية القطيع اللاواعي الى عقلية الفرد الواعي والحر والذي يشارك الكتلة البشرية التي ينتمي اليها همومها .

ان العقل اللاواعي قد تم استغلاله من قبل المؤسسات الدينية ورجالات السلطة واحزابها من اجل انقياد الجماهير وجذبها اليها عن طريق العاطفة واستخدام الخطاب الشعبوي واستخدام الصور .المطلوب خلق كتلة بشرية لجمهور واعي وليس جمهور منوم مغناطيسيا .ان الفرد المنضوي في كتلة بشرية يتم التاثير عليه نفسيا بنفس تاثير المنوم المغناطيسي حيث يتعطل عمل المخ ويصبح منفصلا عن الواقع .

من هنا تتولد الاساطير حول القادة والزعماء والانبياء وحول دم الحلاج الذي رسم صورة الله على الارض و ظهور صورة الزعيم عبد الكريم قاسم على سطح القمر .حيث يتم رفع هذه الشخصيات الى مصاف المهدي المنتظر.
اليوم يزداد تعصب الجماهير ويصاحبه زيادة في العنف , يغذي هذا العنف شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات العرقية والطائفية والصور على شاشات الحواسيب والهواتف الذكية. حيث اصبح للصورة تاثيرا مذهلا يتجاوز اهمية الكلمة .

قدرة الزعماء والقادة على التاثير على الجمهور المنوم مغناطيسيا , حيث يسهل خداعه والتاثيرعليه ويستطيعون جعل الجمهور ان يصدق مالاتراه عيونهم . انها صناعة الوهم .ان الجماهير تحاول تعويض شعورها بالقلق عن طريق اليقين ولا تتقبل فكرة الشك .لذا فليس لديها شك في صحة الرواية الاسلامية عن نشؤ الاسلام وعن موقف الاسلام من الحجاب والبرقع وعن تغطية عوراتهن رغم ان كتب التراث الاسلامي والتفاسير تشير الى ان النساء والرجال في زمن النبي محمد لم يكونوا يلبسون ملابس داخليةلانهم لم يسمعوا بها .

وانه لاوجود للحجاب ولا للنقاب في القران.الجماهير تحب ان تصدق بكلام رجال الدين وان تعيش في ظلال الاوهام افضل لها من معرفة الحقيقة البائسة.
ان الكتلة البشرية يتم اخضاعها نفسيا عن طريق الاعلام والصورة والخطاب الشعبوي وتكرار الخطاب والكلام . انها تصبح قادرة على التضحية بنفسها من اجب قضية عادلة ونبيلة. وهو مالايمكن ان يحققه الانسان المعزول .لذا يتم عزل المعتقلين السياسيين في غرف انفرادية لكسر ارادتهم.

ان رفع الشعارات الطائفية والعرقية وتكرار الخطاب يعمل على تحويل الجماهير الى جماهير متعصبة ومحافظة وتستطيع ممارسة العنف . ان الفرد قد يقبل القاش والحوار والاعتذار لكن الكتلة البشرية لاتقبل النقاش والاعتذار .

لذا فان الاحزاب الشمولية تحول منتسبيها الى مجرد قطيع منوم مغناطيسيا ومتعصب لعقيدته التي تحولت الى دين جديد .
ان الجماهير غير مستعدة للاستسلام والخضوع الا للسلطة القوية . وهذا يفسر رغبة الكثيرين بعودة صدام حسين الى الحكم .
ان تعاطف الجماهير مع عقيدة وحزب وقائد يتحول لديها الى دين جديد والى عبادة , وبنفس الوقت الى حقد مدمر للمخالفين لها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ وليد يوسف عطو المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2016 / 9 / 24 - 10:58 )
تحية طيبة
هل يمكن ان يشمل ما تفضلتم به اعلاه ما حصل في اعصار كاترينا في الولايات المتحدة الامريكية من اعمل حرق و نهب قبل سنوات؟
هل تتفضل علينا بتفسير ما حصل من اعمال عنف و نهب و تكسير و حرق قبل سنوات في كل من لندن و باريس و التي اطلق عليها احداث الضواحي؟
هل تتفضل علينا بتفسير لماذا يرافق الاضرابات العمالية و تظاهرات النقابات في اوربا هذه الايام اعمال حرق و سرقة و اعمال عنف؟
هل تفسر لنا اسباب ماحصل لفريق سان جيرمان قبل سنوات عندما احتفل بالفوز بالدوري الفرنسي...حيث احتلت جماهيره شارع الشانزليزيه و حرقت و سرقت ؟
ها تفسر لنا اسباب العنف بين الجماهير في مباريات كرة القدم الداخلية او بين جماهير المنتخبات الوطنية؟
.........................
اكرر التحية


2 - الأستاذ وليد عطو المحترم
nasha ( 2016 / 9 / 24 - 11:53 )
الكتل البشرية تتحرك وتتفاعل مع الواقع بحسب معادلات طبيعية معقدة يصعب السيطرة عليها . علم الاجتتماع وعلم النفس والعلوم السياسية هي أدوات أو دراسات للتنبؤ باتجاه الكتل البشرية لتقليل الآثار المؤذية الناجمة من التحولات الكبرى وإخراج هذه الكتل البشرية من تأثيرات التحول المدمرة في كثير من الأحيان.
ما يحدث في الشرق الأوسط هو سقوط النظم القديمة وفقدان اتجاه بوصلة الشعوب وتخبطها بحثا عن اتجاه عام مشترك جديد .
الشرق الأوسط يمر بمخاض ولادة قيم وطريقة حياة جديدة وما يحدث من نزاع وحروب وتدمير هو ثمن إيجاد طريقة حياة مناسبة لشعوب الشرق الأوسط نفسها وإعادة ترتيب علاقاتها مع باقي شعوب العالم
أنها مرحلة تاريخية مهمة تدخل بها الشعوب كافة والان هو دور منطقة الشرق الأوسط لتغيير لا بد منه .
الانسان جزء من الطبيعة وما يحدث من أشياء نراها كريهة هي عمليات تفاعل بشرية طبيعية ليست وليدة اليوم ولكنها حدثت سابقا في كل المجتمعات وفي مختلف الأزمنة
تحياتي


3 - الاخ ناشا المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 9 / 24 - 12:32 )

شكرا لحضورك صديقي وزميلي الباحث الراقي ناشا..

الانسان يمارس سطوته على اخيه الانسان وعلى الطبيعة ..

انه حب السيطرة والتملك واقصاء الاخرين ..

اوربا توصلت بعد سلسلة حروب كثيرة الى دساتير وقوانين تنظم حياتها لكن لازال الخوف من

الدخول في الصراعات الدولية قائما ..

انه تنازع المصالح واقتسام مناطق النفوذ واستحواذ الشركات الكبرى في عصر العولمة الاقتصادية على مزيدا من الامتيازات والاموال .. مقابل زيادة افقار الشعوب والطبقات والفئات محدودة الدخل ..

نلتقيكم في مدارات فكرية جديدة ..

دمتم بسلام ...




4 - البغداديون وطباعهم
طلال السوري ( 2016 / 9 / 24 - 15:10 )
واحدة من طباع البغداديين هي صعوبة تأهيل الشخص الذي اسقطوه من حساباتهم فيتمسكون بعدم الرد عليه مهما حاول----لانه سبق وتمادى في اسفافه


5 - نوبوآكي توتوهارا - العرب وجهة نظر يابانيه-
طارق ( 2016 / 9 / 24 - 20:04 )
هذا الكتاب للمستعرب الياباني https://docs.google.com/file/d/0B1qkU_zLHOomVXd2RmZhOTN1N1U/edit


6 - الكتل البشرية هي الشعب و الملك يقود الو حوش
رياض ناجي ( 2016 / 9 / 25 - 19:50 )
قال احد الملوك في معاناته من الكتل البشرية .لو لم تكونوا وحوشا لما جعلتموني ميلكاً .

فهنا نغمة استعلاء (الفرد) عن الشعب و انفصامه عن واقع الجماهير,من فلاحين وعمال صانعون للثروات(ضراائب الملك) ليعيش حياة الرفاهية,هناك اختلاف في الفهم للحياة وكلٌ ينطلق من مواله.

نشهد اليوم خراب ليس فقط في العالم العربي المتخلف. امامنا احداث اليونان ومعضلتها ومشكل أوكرنيا و روسيا الغير شيوعية والفوضى في الغرب حين يتم التظاهر للعمال والمهمشين,فتحدث اعمال الشعب و ينزل البوليس بالهروات في معاقل الديمقراطية والعلمانية.

أما في بلد الحرية امريكا تحدث عمليات القتل للسود وهناك مسلسل شهري هذه الايام في العنف ضد السود.

في كل البلدان المذكورة لا وجود للاحزاب الايديولوجية بل يوجد تغريدة الفرد الحر.

لا اعرف ما هو الشر في الايديولوجيا.

ألايديولوجيا العلمية أنقذت العالم من مخالب هتلر الذي حمل ايديولوجيا قومية رجعية استمدت افكارها من الكاثوليكية و شرور حروبها الصليبية في السيطرة على القدس وافريقيا والهند.

تحررت كثير من البلدان على يد الايديولوجيا, الصين مثال.

لا توجد ديمقراطية بل قوانين و وهم يسود العالم.

اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة