الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنا ، و النحن ، و الشخصية .!

ميشيل زهرة

2016 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لكل امريء شخصيتان :
واحدة اجتماعية يظهرها أمام المجتمع ليتناغم معه ، متواضعا ، و متذللا له كي يتقبله عضوا فيه ..هذه الشخصية غالبا ما تكون مسحوقة ، و مداسة من البوط الاجتماعي لأنها ليست ( هي ) الحقيقية المعبرة عن الذات العميقة للأفراد الطامحين للتعبير عن الدوافع العميقة للفرد .! بل هي الجماعة بما تحفظه ذاكرتها من أعراف ، و تقاليد ، و عادات ، و عبادات مقدسة .
و أخرى ذاتية ، فردية ، غالبا ما يخفيها الشخص ، لأنها تتناقض مع الجماعة ، و شخصيتها.. و هذا يحدث غالبا في المجتمعات التي لا حرية فيها . و التي تحاصر فيها الشخصية الفردية المتمردة على الجماعة و شخصيتها الكابحة لحرية الفعل الإنساني .
تتمدد الشخصية الاجتماعية في المجتمعات المقهورة ، و المضطهدة ، و المكبوتة ، على حساب الفردية ، لدرجة أنها تحتل المساحة الفردية كليا فتسحقها نهائيا ، و لا يبقى منها إلا هيكلا هزيلا ، معاقا . لترضي الجماعة و ليس الذات الفرد ذاتها ..! و كثيرا ما تذوب هذه الشخصية الفردية ، في الجماعة كليا لدرجة التلاشي ، فتوجهها الجماعة ، أو تقودها من يدها كما يقاد الأعمى ، كما في الجماعات ذات الصبغة ، العائلية البدائية الطاغية بسيطرة عميدها ، و القبلية ، و العشائرية ، و الطائفية ، و الدينية . و هذا يؤدي إلى استخدام هذه الشخصية الفردية من قبل سدنة الجماعة ، بعد حشوها بوعي الجماعة البائد ، في القتل ، و الثأر ، و الحروب الطائفية ، و الدينية ، و القومية .
لذلك يلجأ الفرد الذي لم تسحق شخصيته نهائيا في هذه المجتمعات الشكلانية القاهرة للأفراد ، لإخفاء سلوكه الفردي عن أعين المجتمع الذي يرفض ، و يعاقب على سلوك الشخصية الفردية المختلفة عن مجتمعها . سواء بطرحها الفكري ، أو سلوكها الاجتماعي ، أو السياسي ، أو الديني ، أو الجنسي .
هذه الشخصية الفردية مخيفة للجماعة جدا ..ما أن تظهر بين الجماعة ، و تبدأ بسلوكها ، أو طرحها الفكري الذي يتناول
( تابوهات ) الجماعة ، و يبدأ برجها ، و زعزعة ثوابتها..حتى ترتعد فرائص القائمين على سدّة السيطرة على هذه الجماعة .. وهم ( سدنتها ) الدينية ، و السياسية خوفا من أن تبدأ هذه الشخصية الفردية ، في تقويض بناءها ( المقدس ) ..فتبدأ السدنة في تشويه صورة الشخصية الفردية النافرة في عين الجماعة ..و عندما تفشل في ذلك ..و ترى أن هذه الشخصية بدأت باستقطاب أفراد من الجماعة ، و بدأت بتفكيك البناء الفوقي لها .. كثيرا ما تلجأ السدنة ، إلى تصفية هذه الشخصية المتفوقة . رغم أن هذه الشخصية هي من ترفع من شأن محيطها الاجتماعي المتخلف ، و الذي لم يعد يتطابق مع وعيها المتفوق ..
لهذا السبب ، و تحت تأثير الرعب من العقاب الذي قد يصل حد القتل الجسدي ..تنكفيء هذه الشخصية عند الشخص الضعيف أمام الجماعة - في مجتمعاتنا القمعية - على ذاتها ، و تفعل في الخفاء كل ما يرضيها ، و ما لا يتوافق مع الشخصية الاجتماعية ، و الجماعة ، سواء في السياسة ، أو الأخلاق ، أو الجنس ، أو المعرفة العلمية التي يرى فيها المجتمع القهري خروجا عن المقدس . لذلك تصبح شخصية سلبية ، هاربة من المواجهة ، فتطرح طروحات ، و أماثيل ، تتناغم مع عجزها و هروبها . و لكن هناك أشخاص خاضوا تجربتهم حتى النهاية ، و اكتشفوا : إن الجماعة ، و قوانينها ، و أعرافها أوهى من بيت من ملح ، وحققوا انتصارا .
أما في المجتمعات التي تعطي مجالا واسعا للحرية الفردية ..نرى أن هذه الشخصية الخلاقة للأفراد تنهض بذاتها و بمجتمعاتها على السواء ..لأن دور الرقيب الاجتماعي المحافظ على بدائية المؤسسة للجماعة يكون غائبا عمليا في المجتمعات المنفتحة ، و الحرّة ، و التي تُمنح الشخصية الفردية ، فيها ، دورا بارزا لتظهر ، فتبدع ، و تتفاعل بشكل إيجابي مع محيطها الاجتماعي ، و العالم .. فتكون إنسانية منتجة ، مبدعة ، منفتحة ، غير حاقدة ، و غير متطرفة ، و غير إلغائية ، بل تشاركية متفاعلة ، و فاعلة.
لذلك تكون فطرية ، غالبا ، في سلوكها ، و نظرتها للكون . و يكون مجالها الإنساني رحبا ، و منفتحا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية