الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ناهض الحتر وتمزيق صورة - الإله الخادم - من العقول البالية

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2016 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جريمة اغتيال الكاتب و الصحفي الأردني ناهض الحتر ، لم تحرك في الناس فقط موضوع اغتيالات الرأي و التصفية الجسدية بسبب خلاف فكري أو عقائدي أو سياسي وهي جريمة حصدت عبر التاريخ عدد كبير من الأدباء و الفلاسفة و المفكرين و العلماء وحتى رجال دين مختلفي المذهب والزعماء السياسيين الذين يتحولون تدريجيا الى أصوات مقلقة ثم محرجة ثم لا يطاق وجودها فتتم التصفية عادة بمساهمة وإرادة جهاز الدولة أو جهاز دولة ما وبإخراج ذو طابع عقائدي يبرر الفعلة أو من طرف عصبيات مختلفة و بطواطؤ من الدولة و تغافل منها .
هذه الجريمة فتحت النقاش في موضوع أكثر عمق من الحدث نفسه وهو مكان المقدس ومجاله في مخيال الناس و تصرفاتهم و مكان الابداع و الحرية ومجالها في واقع الناس و علاقاتهم وصورة الاله من خالق الى خادم... فالرسم الكاريكاتيري الذي اقترن باغتيال ناهض الحتر لم يصور ما يجول بخاطر الدواعش ( فكريا كل متبني للفكر السلفي و يؤمن بتطبيق الشريعة ) بل صور ما يجول في مخيلة أغلبية المؤمنين من بسطاء العقول الذين لم يطرق النور و الفكر و العلم أبواب عقولهم ، فهم أيضا لا يرون في الدين سوى تجارة في شكل مقايضة ، بضاعة ببضاعة ، لباس مميز وصلوات و كثير من التسبيح و صوم وقشور دينية كثيرة وحقد على المختلف وقلق في الشعور و حدة في الطبيعة مقابل جنة فيها الكثير من الأكل والجنس على اختلافه ( مع الجواري و مع الولدان ) و اله في خدمته يامره في الدنيا ( دعاء ) و يامره في الاخرة فيستجيب "كن فيكون "و البقية مجرد تفاصيل للتأثيث لا طائل من اعمال العقل فيها و التفكر فيها و التدبر ...حتى القرآن في اذهانهم لا حاجة للتطلع في مختلف اياته فهناك احاديث بسيطة يمكن بها قضاء الحياة بكل بساطة و أريحية ... "من فعل كذا له الف حسنة" و "من فعل كذا تمحى سيئاته" وهكذا و تندرج أغلبها في الفهم التجاري للعقيدة يضاف لها " من بدل دينه فاقتلوه " و" بين المسلم والكفر ترك الصلاة " ليتحول أغلب من حوله الى هدف محتمل للقتل و التصفية وطبعا ، يضاف لها ايضا " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله " ليعلنها حربا على باقي البشرية واعتبارهم أعداء محتملين و مشاريع جثث وبالتأكيد دون نسيان ألاف الفتاوى التي تنتهي ب " يستتاب ثلاثا ثم يقتل " .
هذه النظرة للدين مؤصلة في الفكر السلفي بجميع تشعباته و في تعاليم الشريعة باعتبارها ركام من أفهام و تراجم و تفاسير الناس للنص الديني و لكتب التاريخ التي تؤثث الشريعة أمثال كتب الحديث للبخاري و مسلم و غيرهما ، وهي دستور الوهابية و داعش والقاعدة وكل الحركات الارهابية المنظمة و هدف الحركات المرجئة كالاخوان و بقية تنظيمات الاسلام السياسي مع اظهار غير ذلك و طبعا الدين الشعبي لأغلب " الأمة " .
في هذا الإطار فان العامة من المسلمين لا يعنيهم هل يسمح الدين حقيقة بالسخرية من فهم بعضهم للدين أم لا و لا يعنيهم عدم وجود ما يمنع تصوير و تخيل الاله أو " الرسل و الانبياء " وتمثيلهم و تجسيدهم في النص الديني بل يهمهم ماهو شائع و متداول تحت العنوان الكبير " الاساءة للمقدسات " " الاساءة للذات الالهية " " الاساءة للنبي محمد " و الموضوع غير قابل للنقاش حول معنى الإساءة و المسافة الفاصلة بين الخيال و الابداع و التفكير و النقد و بين الاساءة . المقدس غير قابل للنقاش مقدس بالنسبة لمن ؟ و اين تنتهي حدود المقدس؟ وهل حياة الانسان ليست مقدسة؟ و هل قبول الاختلاف ليس امرا مقدسا ؟.... فتكون المحصلة قرار الانتقام لا النقاش و محاولة الفهم .
أمام هذه الحمية القطيعية و الاندفاع الغرائزي يضع هذا المؤمن البسيط و ذاك السلفي المتخلف الاله في مرتبة أدنى منه و في موضع القاصر العاجز الذي يحتاج الى حماية منه و دفاعا منه و انتقاما له فيستصغر ربه حد الاحتقار رغم انه يؤمن انه على كل شيء قدير لكن يستسيغ التناقض حد التفاهة ويكرس من حيث يدري أو لا يدري صورة الاله الخادم .
هذه الصورة القائمة على الاستصغار للاله تتكرر في اليوم الاف المرات في فهم الدعاء المقترن اليا بالاستجابة و اعتباره أوامر من تحت إلى فوق واجبة التنفيذ فتكرست صورة " صورة الاله الخادم " الذي يطبق اوامر عباده بحذافيرها بمجرد فهم سطحي ل "ادعوني استجب لكم " و ترافق هذه الصورة الاله في الجنة فهو في مخيال هؤلاء المشرف على البستان العملاق الذي فيه من كل الثمرات و الأكل الشهي و الخمر بأصنافه و هو أيضا في صورة مبغى مجاني حيث الجنس يتم جماعيا مع عشرات الجواري و الغلمان و الجميع في خدمة هذا الذكر الفحل بما في ذلك الاله نفسه حسب مخيلة السلفي و المؤمن العامي ...
يحيلنا هذا الى الرسم الكاريكاتوري الذي نشره ناهض حتر وانتهى بتكفيره ثم التحريض عليه ثم سجنه ثم التهاون في حمايته ثم اغتياله والذي صور فيه بكل اختصار وظيفة الاله في الجنة حسب مخيلة الفكر الاخواني و السلفي و العامي ايضا و علوية التعامل معه كخادم مطيع وهي صورة تعري المستوى المتدني الذي بلغه خيال الانسانية تجاه مقدساتها و عقائدها وهي صورة نسجها بكل ابداع ابو العلاء المعري منذ أكثر من الف عام في مؤلفه " رسالة الغفران " حيث سخر بأسلوبه النقدي من سلوك اهل الجنة كما يتخيلها العوام عكس الصورة التي ابدعتها الشعوب منذ الاف السنين حول الحياة الأخرى و حول الالهة التي وضعت فيها كل ما تهدف اليه و لا تستطيعه ( قيم ) القوة و العدل و السلطة و الحماية و العون و منح الحياة و منح الخلود و منح اسباب العيش الرغيد وناه عن الظلم فبنت نسيج اسطوري وعقائدي ساعدها على بناء حضارة و بناء قيم مشتركة لا بناء صورة مشوهة اساسها القتل و سفك الدماء في الدنيا و سكر و جنس في الاخرة . ناهض الحتر حرك المياه الراكدة في مجتمعات لاتزال تعيش في ما قبل ابو العلاء المعري وقبل رسالته ، انه تظافر التخلف و الاستبداد السياسي زائد التطرف العقائدي و سذاجة التفكير جعل من شعوبنا قطيعا مهتاجا متعطشا للانتقام قليل الصبر عديم التسامح يحتاج لثورة في الفكر و في الدين و السياسة و ثورة على الخضوع لكل من يحمل تفويضا مزورا للحديث باسم الاله على هذه الأرض .
تحية لروح ناهض الحتر و من سبقه بدمائه الزكية على درب الحرية و رفع غشاوة الجهل المقدس ، والمسيرة تستمر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قل الحقيقة وإلا فلتصمت ودع المجال لغيرك!
ماسنسن ( 2016 / 9 / 25 - 19:36 )
المقال يلخص (الفكر) الذي يعرضه جل الكتاب (التنويريين) اليوم : السرطان إستفحل وهم يتحدّثون عن وعكة برد! وإلى أن يستيقظ هؤلاء الذين أخذوا زورا مشعل التنوير دعونا نعدد ضحايا الإرهاب العربي الإسلامي ونسأل : من القتيل القادم؟

رأيي : لاعذر لك اليوم يا من تعرف الحقيقة ولا تقلها كما هي، أكتب باسم مستعار إن خشيت على نفسك وإلا فلتصمت!


2 - حرية (ناهض حتر) هل كانت صفقة مع الأرهاب ؟؟
john habil ( 2016 / 9 / 25 - 20:20 )
وأخيراُ قتلوا (( ناهض حتر )
إن المسؤول عن قتل الكاتب
المسيحي -- الأردني -- وكالعادة -- وبسهولة كما حدث في العراق .. وسوريا وليبيا ونيجيريا
والصومال والجزائر
{{هو}}
الشخص الذي اشتكاه
والقاضي الذي حكم عليه
والشريعة التي أدانته
والعلماء الذين كفروه وأباحوا دمه
والسلطات التي لم تحميه وهو أمام دارها
والحكومة الآردنية الوهابية
إن دماء حتر ستكون نار جهنم التي سوف تحرقكم على الآرض وفي السماء
عاش الأردن وشعبه
وليمت اعداء والإنسانية


3 - اجرام تحت اسم الدين!
ملحد ( 2016 / 9 / 25 - 20:23 )
اجرام تحت اسم الدين!
من قتل ناهض حتر فهو قاتل مجرم ومن يحمل نفس فكر القاتل فهو مجرم مثله....

تعازينا الصادقة لاهل الفقيد


4 - تصفية ناهض حتر سياسية أم دينية
john habil ( 2016 / 9 / 25 - 21:11 )

الحكومة الأردنية 20% اخوان و75% سلفية وهابية
وعلماء الإسلام اعتمدوا على وجوب قتل كل من يسبُ النبي ومن شتم الذات الإلهية يُستتاب
ولو افترضنا أنه أهان الذات الإلهية في دولة مسلمة وهابية ,,,, فهل يجيز قتله شرعاً
طبعاً (( لا))
ويبقى السؤال ضمن السياسة الأردنية في سوريا وشعب الأردن الأبي الذي ينتظر قدوم داعش الوهابية إلى أرضه

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج