الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تجسد الكلمة (1) : الحاجة إلى تجسد الإله
ابراهيم القبطي
2005 / 12 / 26العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مع بداية الاحتفال بميلاد الملك ، رب المجد يسوع المسيح ، ابن الله و ابن الانسان ، الكلمة الظاهر في الجسد ، تنتشر مظاهر السعادة في الغرب ، و يظهر "بابا نويل" “Santa Clause” بين الأطفال ليمنحهم الهدايا و اللعب ، و يلعب الأطفال بالثلج و يبنون تماثيل ل"رجل الجليد" ، ويمارسون التزحلق والعاب الجليد ، أما في الشرق تتصاعد رائحة البخور من الكنائس ، و ترتفع الاغاني الروحية العذبة و صلوات الشكر لتعلن "المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة" (لوقا 2 : 14) . فكانت المناسبة المقدسة بداية منطقية لمناقشة قضية التجسد .
*****
في أوساط المجتمع الاسلامي الذي تربينا فيه ، تعودنا على الخوف من التكفير الاسلامي ، و انخرست ألسنتنا تحت طوفان التهم القبيحة بالكفر و الزندقة ، فتوقفنا عن طرح قضية التجسد من زاوية المنطق و العقل و الفلسفة ، و اكتفينا بالدراسات اللاهوتية المبنية على كتابات القرون الأولى لأثناسيوس الرسول و كيرلس عمود الدين و أوريجانوس ، و تقوقع الفكر المسيحي في الشرق ، مع بعض الاستثناءات ، بعد أن كانت كنيسة الاسكندرية هي مدرسة اللاهوت و الفلسفة في العالم المسيحي خلال القرون الأولى ، و هنا أبدأ بعض الدراسات التي تطرح القضية على مائدة البحث المنطقي لعلها تحرك الماء الراكد في فكر الشرق الأوسط المتأسلم ، و الرافض للتفكير و المرحب بالتكفير.
*****
نبدأ هذه الدراسة المنطقية -الغير لاهوتية- من منطلقات أساسية ، أولها أن هناك إله قادر على كل شئ ، و عالم بكل شئ ، و ثانيها أن هناك رغبة من الإنسان في التواصل مع هذا الإله . و هذا لا يستبعد بالطبع التعددية الانسانية في مفهوم هذا الإله باختلاف الأديان و الشعوب ، ولا ينكر أيضا حق حتى الملحدين في الأختلاف حول وجود هذا الإله ، و لكن التشعب في عالم الفكر و الفلسفة و المنطق لإثبات وجود الله يخرج عن نطاق الفكرة في هذا الموضوع .
*****
1) التواصل مع الإله:
إذا كان الإله حاضر في كل مكان ، و قادر على كل شئ ، يتبع هذا بالضرورة أن يصبح تواصل الانسان مع هذا الإله مرغوبا ، من الممكن بالطبع للملحد مثل سارتر (1) أن يرفض هذا التواصل من الاساس بناءا على فرضية حرية الاختيار ، وبما أن الانسان "محكوم بأن يكون حرا" ، و أن اختياراته هي التي تحدد طبيعة وجوده ، فمن حق الانسان أن يرفض الإله ، ولكن دعونا نفترض أن الرغبة الإنسانية موجودة ، فكيف يمكن للإنسان أن يتواصل مع الإله ؟ هل من الممكن أن يصعد الإنسان إلى السماء بقدرته ليتقابل مع الله ؟ لا ... فالفرضية السائدة تؤكد أن قدرة الإنسان محدودة ، و لعل قصة برج بابل في التوراة (2) توضح هذه الحقيقة المنطقية ، فعندما حاول الإنسان الوصول إلى السماء بتفكيره القاصر ، كانت النتيجة هي مزيد من الألم و الفشل .
*****
2) البداية من السماء:
وهذا يقود إلى النتيجة المنطقية ، أن الرغبة الإنسانية في التواصل مع الإله لابد أن تتحقق من فوق ، فبداية الفعل لابد أن يبدأ من السماء ، وهذا ما تعلمه لنا غالبية الأديان ، التوحيدية و المتعددة الآلهة ، أن الآلهة أو الإله لابد من أن يرغب في التواصل مع البشر لتتحقق شهوة البشر في معرفة الإله ، و لعل انتشار هذا المبدأ المنطقي بين غالبية الأديان يخرج الفكرة من مفهوم الوحي إلى مفهوم المنطق المبنى على العقل بدون تدخل الوحي . فإذا كان الإنسان لا يقدر على الصعود فلابد للرسالة الإلهية من الهبوط .
*****
3) كيف يتواصل الإله مع البشر :
أما عن كيفية التواصل ، هنا تختلف الأديان ، ففي الوحي اليهودي ممثلا في كتابات أنبياء العهد القديم يتواصل يهوة رب الجنود مع شعب اسرائيل من خلال الأنبياء و الكهنة ، فيرسل الأنبياء مثل موسى و إليليا و أليشع ، و يشوع و داود و أشعياء ، و يحدد نظاما كهنوتيا كوساطة بينه و بين الإنسان ، فلا يستطيع أحد من عامة الناس الدخول إلى قدس الأقداس (3) ، فقط رئيس الكهنة ، و مرة واحدة في العام ، فكان التواصل من وراء حجاب . عاجزا ينتظر في أمل قدوم المخلص .
أما في الاسلام فقد جاء الوحي المزعوم محفوظا على يد جبريل ، ومنه إلى محمد ، و لم يتخاطب الله مباشرة مع محمد ، فكان التواصل الإلهي أكثر ابتعادا عن اليهودية .
أما عن الزرادشتية مثلا فقد صعد ذرادشت إلى السماء بدعوة من الإله أهورا مزدا ، و منه تلقى الرسالة إلى كافة البشر (4) .
*****
4) رسائل ناقصة الجوهر و المحتوى .. و الاعلان الكامل:
هنا ننتقل إلى المنطق مرة أخرى . هل يستطيع البشر من الأنبياء ، أو حتى الملائكة حمل الرسالة الإلهية كاملة ؟
يؤكد المنطق استحالة العصمة لحاملي الرسالة ، فكمال الطبيعة الإلهية لا يمكن حصرها في رسالة بوسيط بشري ، فعلى الرغم من أن الأنبياء في مجتمعنا الشرقي ذي الثقافة الاسلامية يحظون باحترام يضعهم فوق البشر ، إلا أن العجز و النقصان وارد ، فمهما بلغت قداسة النبي و مهما اسقط عليه الناس من عصمة ، لا يمكن أن يحمل الرسول جوهر فكر الإله دون أن يصير إلها ، و لأن تعدد الآلهة يجعلها أنصاف آلهة ، فلا يمكن أن يكون الرسول أو النبي إلها ، و لكن الإله الحقيقي يستطيع أن يكون انسان ليعلن كمال الرسالة إلى الانسان . و هنا تأتي الأهمية الحتمية و المنطقية للتجسد ، فلكي يصل الإله مباشرة إلى الإنسان دون التدخل البشري لابد من تجسد الفكر الإلهي ليصير إنسانا يحل فيه ملء الألوهة. حيث يعلن في الرسالة ذاته كاملا "وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته." (يوحنا 17 : 3)
ومن هنا كان أنبياء اسرائيل يعلمون بأن رسالتهم مؤقتة و محددة ببني اسرائيل تنتظر الإعلان الكامل في المسيا المنتظر (5) .
و تركزت رسالة أنبياء أسرائيل في التمهيد لهذا المسيا فيعلن أشعياء النبي منبئا عن المسيح قبل مجيئه ب 700 عام " لانه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام." (أشعياء 9: 6) ، و يقول " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية . ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل." (أشعياء 7: 14)
أما دانيال النبي فيؤكد على مجئ ابن الانسان ليحكم إلى الأبد قبل مجيئه بأكثر من 500 عام " كنت ارى في رؤى الليل واذا مع سحاب السماء مثل ابن انسان اتى وجاء الى القديم الايام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والامم والألسنة . سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دانيال 7: 13 ، 14).
و على الجانب الآخر كانت محاولة محمد رسول الاسلام في تقليد الوحي اليهودي ، مع اعلان كمال رسالته و أنه خاتم الأنبياء ، قد فشلت فشلا ذريعا .
فلا محمد كان معصوما من الخطأ " وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى" (الضحى 7) .
ولا الوحي كان معصوما ، فقد أوحى إليه الشيطان بأن يتخذ "اللات و مناة و عزى" شفعاء عند الله ، ثم أكتشف أن الوحي من عند الشيطان ، فجاء في القرآن تعليق " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (الحج 52 : انظر تفسير القرطبي و الجلالين و الطبري و ابن كثير) .
بل أن محمد نفسه كان عرضة لهجمات الشيطان ، فقد نجح اليهودي لبيد بن الأعصم أن يسحر الرسول ، فيتهيأ له أنه يفعل الشئ و هو لا يفعله مما أثار مزيد من الشك حول رسالة نبي الاسلام (البخاري 5763، 5766 : باب الطب) ، فماذا عن آيات القرآن التي نزلت في فترة سحر محمد ، هل كانت من عند الله ؟
كما أنه أُُنسى الكثير من الوحي " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 106) ، و لم يكن الوحي القرآني المزعوم معصوما من أخطاء التاريخ (6) و العلم (7) . فكان الوحي المزعوم في الاسلام مثالا صريحا على فشل الوسيط البشري و عدم عصمته .
*****
5)هل يمكن الهروب من منطقية التجسد ؟
الانسان محكوم بأن يكون انسانا ، و لكي يفهم و يعي ما يحدث حوله لابد أن يسقط عليه من انسانيته ، فعلى سبيل المثال ، يعتقد الكثير من محبي الحيوان بوفاء الكلب ، و الحقيقة أننا منطقيا لا نعلم كيف يفكر الكلب ، و إذا كان يحمل صفة الوفاء من عدمه ، و إنما لكي نفسر تعلقه الغريزي بالإنسان نسقط عليه صفة الوفاء ، و هي صفة إنسانية نعيها لأنها جزء من طبيعتنا البشرية ، و لكننا لا نملك القدرة على معرفة صفات الكلب الجوهرية .
و مثال آخر هو شخصيات والت ديزني الكرتونية ، فعندما حاول ديزني أن يجذب الأطفال إلى شخصياته الحيوانية مثل "ميكي ماوس" ، أو "ميني ماوس" ، لم يتحرج من أن يسقط عليها صفات التفكير و الحب و المغامرة و العدل و الأمانة ، و كلها صفات نعيها لأنها إنسانية ، و لكنها أبعد ما تكون عن الواقع الحيواني ، الذي لا نعلم حقيقة حدود أحساساته أو وعيه ، و لكن الأنسنة جعلت من شخصيات والت ديزني الحيوانية أقرب إلى عقول الأطفال و الكبار أيضا .
بالمثل مع الفارق ، في جميع الأديان على وجه الأرض ، سواء كانت حقيقية أم مزيفة ، موحَى بها أم مخترَعة ، تعددية أم توحيدية ، بشرية المصدر أم إلهية ، دائما ما تُسقِط الصفات الإنسانية على الآلهة ، فتجعل للآلهة وجوه و عيون و أيادى كصفات جسمية ، و كثيرا ما تسقط عليها صفات عقلية مثل الذكاء و الخير و العدل ، و أحيانا القسوة و الخداع و البطش . و كأن الانسان محكوما لكي يفهم إلهه بأن يسقط الصفات الإنسانية عليه . و هذا أيضا يتعدى فكرة الوحي إلى المنطق البحت ، ففي هذا يتفق جميع الأديان . حتى الأديان التي تعبد آلهة لها صور الحيوان ، تجد هذه الآلهة الحيوانية تحيا كالبشر ، تحب و تكره ، و تغضب ، وتتزاوج ، و تنتقم .
و هذا يقودنا إلى فكرة أن الهروب من التجسد أو الأنسنة مستحيل ، فلكي يفهم الإنسان الإله لابد أن يلبس الإله ثوب البشر ، سواء ألبسه البشر هذا الثوب كما في ديانات الهند و اليونان القديمة الوثنية ، حيث أجمعوا على اسقاط الصفات البشرية على الآلهة . أو أكسب الإله نفسه هذه الصفات كما في الوحي اليهودي ، حيث تعددت ظهورات يهوة إلى الأنبياء و شعب اسرائيل على أشكال السحاب و النار و أشكال بشرية .
أما في الاسلام و على الرغم من أن المسلمين يعتقدون بأن إلههم "ليس كمثله شئ" ، إلا أن القرآن لم يتحرج في اقتباس ظهورات يهوة من العهد القديم :
فقد ظهر الإله في القرآن في الشجرة المشتعلة " فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (القصص 30) .
و في الجبل " فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا " (الأعراف 143) .
وكان السؤال المنطقي بأنه ألا يبيح ظهور الإله في الجبل و الشجر بكمال الظهور بهيئة البشر ؟ و البشر أشرف من الجبال و الأشجار !!!!
و لم يتحرج محمد في أن يسقط على الله أعضاء بشرية مثل اليد (الفتح 10) و الساق (البخاري 6886 :(8)) و الوجه (البقرة 115) ، بل و يجلسه على العرش (الحديد 4) . وهنا أتفقت الطبيعة البشرية حتى في اشد الأديان انكارا للتجسد على الحاجة إلى تجسد الإله سواء بصورة فعلية أو بصورة رمزية ، أو حتى مع إضافة "ليس كمثله شئ" .
ولمزيد من التوضيح :
إذا تصادف أن رأيت رجلا يجري مرتعدا في أحد الشوارع ، وكأنه يهرب من شئ ، فأقتربت منه و سألته عما يخيفه ، فأجاب و قال هناك بأن وحش عملاق يختبئ في منزله ، فذهبت معه إلى المنزل ، و سألته أين الوحش ، فأجابك بأنك لا يمكن أن تراه فهو خفي ، فتسأله هل له رائحة ؟ فيقول لا ، فتبدأ علامات الشك تظهر على وجهك ، فتسأله ما شكله ؟ فيقول لك "ليس كمثله شئ" ، فتسأل مرة أخرى كيف تعرف أنه موجود ؟ هل يحرك الأثاث ، أو من أي شئ تهرب ؟ فلا يجيبك ... سيكون التفسير المنطقي بأنه لا وجود للوحش و أن الرجل مخبول .
بالمثل دعونا نفترض العكس ، أنه لا تجسد رمزي أو فعلى ، فالإله يسكن السماء السابعة ، ليس كمثله شئ ، لا يعلم عنه البشر أي شئ ، فهو إله بلا لون و لا طعم و لا رائحة و لا تأثير ، بلا صفة أو شكل ، بلا ملامح ، هذا الإله فعليا لا وجود له ، و لا يمكن للبشر أن يتعاملوا معه ، فلا فائدة للدين أو العبادة فقد مات الإله. فالإله الذي ليس كمثله شئ ، هو لا شي .
وهنا نسأل : ما هي الوسيلة المثلى للإله الحقيقي لكي يعرفه البشر ؟ ولكي يصير مفهوما للإنسان ؟ أليس بأن يتخذ صفة البشر ، فإذا كان الإنسان لا يعي إلا ما هو إنساني ، أليس من المنطقي أن يصير الإله بشرا ليعرف ذاته للبشر؟ و إذا كان الإنسان قبل التجسد متعطشا للإله الحقيقي فأسقط عليه من بشريته ، أليس من المنطقي أن يحقق الإله هذا الحلم البشري و يصير إنسانا . هذا بالطبع إذا كان هذا الإله يهتم بالإنسان !!!!
*****
6) هل يصعب التجسد على الله ؟
هذا السؤال يطرح نفسه على قضية التجسد ، هل من الممكن أن يتخذ الإله هيئة البشر ؟ من الناحية المنطقية البحتة ، الإله إذا كان قادرا على كل شئ ، فلابد أن تدخل كل الأفعال تحت نطاق هذه القدرة اللامحدودة ، بما فيها القدرة على أتخاذ الهيئة البشرية ، و المنكر لهذا المنطق هو ينادي بالعجز الإلهي ، و بالتالي يفقد الإله صفة الألوهة ، إلا إذا كان هذا الإله من آلهة جبال الأوليمب القديمة على سفوح اليونان ، حيث التعددية الإلهية تخلق نوع من أنصاف الآلهة المتصارعة ، و التي يستطيع انسان حاذق مثل أوديسيوس أن يخدعها و يتحالف مع البعض ضد البعض (9) .
ولكن عائق واحد يقف أمام هذا المنطق ، هو إن الله قادر على فعل كل شئ ، حتى مثلا الشر ، و لكنه لا يريد فعل الشر ، وهنا بهذا المنطق نستطيع أن نعيد صياغة السؤال: هل من الممكن للإله -أن يريد أو يرغب في- اتخاذ هيئة بشرية ؟ و إذا كانت هذه أرادته ، فما الدافع ؟ و من جهة أخرى إذا كانت هذه رغبته فمن يستطيع أن يمنعه ؟
*****
7) لماذا يرغب الإله في التواصل مع البشر (و بالتالي التجسد) ؟
من الممكن ألا يهتم الإله بالتواصل مع الإنسان على الإطلاق ، فمنطقية الكمال الإلهي لا تحتاج إلى البشر ، و بالتالي ففرضية استعباد البشر و الجن في الفكر الإسلامي " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " (الذاريات 56) لا ترتقي إلى مستوى كمال الإله ، فالعبيد في الحضارة البشرية أرتبطوا بعصر ما قبل الصناعة ، حيث أفتقر الإنسان إلى الطاقة اللازمة ، فكان يستغل الطاقة الحيوانية و البشرية ، فوجود العبيد كان دليل على عجز الحضارة و تخلفها ، و بالمثل احتياج الإله إلى عبيد يشير إلى عجز ، و احتياج الإله إلى مجاهدين يحاربون في سبيلة إشارة واضحة على مزيد من العجز ، وعدم القدرة على الدفاع عن نفسه ، فعلاقة العبودية تمتهن كمال الإله.
فما هو الدافع الوحيد الذي يمكن أن يحرك الإله ليتواصل مع الإنسان و يتجسد ؟
من خلال خبرتنا البشرية نعلم أن العلاقة الوحيدة والتي تقوم على عدم الاحتياج هي علاقة الحب ، فقمة ابداعات الحضارة البشرية تشير إلى أن الحب الغير مشروط هو العلاقة الوحيدة التي تخلو من نفعية أو مصلحة أو احتياج ، وهنا تقف المسيحية على قمة الحضارة ، معلنة أنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3 :16) .
----------------------------------
المراجع و الهوامش :
1) كان سارتر لا ينكر وجود إله بقدر ما ما كان ينكر الرغبة في التعامل معه ، و من أقواله المشهورة "أبانا الذي في السماوات ، إبق في السماوات" ، فهو لا ينكر وجوده ، و لكنه لا يريده .
2) تكوين 12 ، هناك الكثير من الأطروحات الفكرية حول هذه القصة لا مجال لمناقشتها في هذا المقال.
3) قدس الأقداس: هو أقدس مكان في العهد القديم (أسفار اليهود) ، كان رمز للحضور الإلهى ، و كان يوجد في خيمة الاجتماع حتى عصر سليمان الملك ، حيث نقل إلى هيكل سليمان بعد ذلك ، فيه يتخاطب يهوة مع الكاهن أو النبي من وراء سحاب أو نار ، و فيه وضع تابوت العهد و فيه لوحي الشريعة التي تسلمها موسى، و لم يكن مسموحا لعامة الناس بالاقتراب حتى من السور الخارجي للقدس الذي يحتوي قدس الأقداس.
4) هناك نظرية تشير إلى أن محمد أقتبس هذه القصة الفارسية في الاسراء و المعراج ، و أن سلمان الفارسي (من صحابة الرسول) هو مصدر الوحي الحقيقي وراءها .
5) جميع أنبياء العهد القديم بلا استثناء كان الهدف من نبوئتهم أعلان عن مجيء الكلمة الكاملة ، و الاعلان الكامل في المسيح .
فأرميا يؤكد على لسان الرب " ها ايام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم امسكتهم بيدهم لاخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الايام يقول الرب .اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم واكون لهم الها وهم يكونون لي شعبا" (أرميا 31 : 31-33)
وحزقيال يؤكد في نبوءة عن العهد الجديد " واعطيهم قلبا واحدا واجعل في داخلهم روحا جديدا وانزع قلب الحجر من لحمهم واعطيهم قلب لحم لكي يسلكوا في فرائضي ويحفظوا احكامي ويعملوا بها ويكونوا لي شعبا فانا اكون لهم الها. " (حزقيال 11 : 19، 20)
و أشعياء يؤكد أن مع مجئ المسيح " الشعب السالك في الظلمة ابصر نورا عظيما.الجالسون في ارض ظلال الموت اشرق عليهم نور." (أشعياء 9: 2)
(لمزيد من النبؤات أنتظر المقالات القادمة)
6) على سبيل المثال أقر القرآن بأن مريم أم المسيح هى أخت موسى و هارون ( و الفارق بين مريم العذراء أم المسيح ، و مريم أخت هارون 1400 عام ) "أنظر سورة مريم 25-28"
7) على سبيل المثال غروب الشمس في بئر من الطين (الكهف 86 : راجع تفسير الجلالين و الطبري و ابن كثير و القرطبي ).
8) صحيح البخاري 6886 ، باب التوحيد " وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن" .
9) لمزيد من مغامرات أوديسيوس مع آلهة الأوليمب إقرأ ملحمة هومر "الأوديسة"
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي
.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس
.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد
.. 119-Al-Aanaam
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال