الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف الفكري

جمانة زريق
كاتبة سورية

(Jumana Zuriek)

2016 / 9 / 29
المجتمع المدني


يعرف التطرف اصطلاحاً بأنه تجاوز لحد الاعتدال والحدود المعقولة, و التطرف الفكري هو المبالغة في تبني الآراء, سواء كانت هذه الآراء سياسية, دينية, أم اجتماعية. و بناء على ذلك, يمكننا طرح السؤال التالي: هل نحن كأمة بمختلف مكوناتها العرقية والدينية متطرفة فكرياً؟ والجواب و للأسف الشديد نعم, نحن أمة يغلب عليها طابع التطرف الفكري, ففكرة تقبل الآخر بفكره المختلف هي فكرة غير واردة كثيراً في مجتمعنا,بل على العكس,الكل في هذا المجتمع يحاول قمع الكل.
ولعل هذه السمة لم تكن بارزة بشكل واضح من قبل مع أنها كانت ولازالت موجودة عند أغلب فئات المجتمع. لكن ثورات الربيع العربي كشفت كثيراً من عيوب الأمة الفكرية, ويمكن القول أن أهم هذه العيوب هو عدم تقبل الرأي المخالف و محاولة قمع الآخر بكل الطرق الممكنة حتى وإن كان هذا الطريق يؤدي الى الإيذاء النفسي و المعنوي وقد يصل الى القتل والحرق والتنكيل.
وهنا يجب أن نبدأ من خلية هذا المجتمع الأولى ألا وهي الأسرة, ففي كل أسرة في مجتمعنا هنالك من يعتبر نفسه رب الأسرة الذي يجب أن تكون كلمته مطاعة,فلا يقبل أن يعترض على كلامه أحد في البيت, وإن حدث واعترض على أفعاله زوجته أوأبناءه, نجد أن البيت يتحول الى جحيم, لغياب لغة الحوار وفرض مبدأ الأقوى. وهذا الأمر امتد ليشمل النظام التعليمي والوظيفي, فلا يستطيع الطالب أن يدلي برأيه, أوأن يعترض الموظف على ألية العمل. فالحوار في مجتمعنا شبه معدوم والرأي الآخر شيء غير مقبول.
ولهذا السبب,وجدنا,أنه عنما قامت الثورات العربية أخذ الناس يتحاربون في البيت الواحد,ويحللون دماء بعضهم لعدم قدرتهم على تحمل فكرة أن الآخر له رأي مختلف عن رأيي. فمنهم من أيد الأنظمة العربية و حلل دم كل من يطالب بالإصلاح, و منهم من وقف بصف الثورات و أيدها و أيد معها حق القتل لكل من يقف الى جانب الأنظمة حتى ولو بكلمة. فأصبحت الدماء رخيصة جداً, فالكل يؤيد قتل الكل,والرصاص هو وحده من يحكم بينهم.
ولعل أكثر من تهيأت له الفرصة المناسبة هم أولئك الذين يحملون لواء الأديان, و يعتقدون أن الله ينتظرهم لينتقموا له ممن أساء الى ذاته الالهية. فأباحوا لأنفسهم قتل النفس التي حرمها الله عليهم, لا سيما أن الفرصة متاحة لهم بسبب حالات الفلتان الأمني إبان الثورات ليعبروا عن مغالاتهم في تبني آراءاً فقهية أباحت لهم قتل المرتد والملحد بنظرهم,متناسين أن الله وحده هوالعالم بما في القلوب.
ولكن بالمقابل, لم يكن الملحدون و سواهم أقل تطرفاً من هؤلاء, بل على العكس, فالملحدون هم أيضاً لم يوفروا أي كلمة ضمن ما يندرج تحت مسمى "الكراهية" إلا و عبروا فيها عن كراهيتهم لأصحاب الأديان والمسلمين بشكل خاص. وهم متناسين أو غافلين عن أن ما يقولونه يندرج ضمن جريمة الكراهية المعترف فيها دولياً. فأي شخص يعبر للآخر عن كراهيته له سواء بسبب لونه أو دينه أو جنسه يعتبر مجرماً تحت بند جريمة الكراهية التي تحفز على العنف في المجتمعات.
طبعاً هذا يعني أن الكلمة التي تحتقر الآخر مدانة فما بالكم بالجريمة التي تنهي حياة إنسان فقط لأنه يحمل فكراً مختلفاً. إذا فالإدانة يجب أن تكون ضد أفكار هذا المجتمع الذي يحمل أبناءه فكراً متطرفاً لا يعترفون فيه بوجود آراء مختلفة لدى بعضهم البعض, وكل فرد فيه يريد أن يجعل من الآخر نسخة طبق الأصل عنه و عن أفكاره هو. فالقاعدة هي أنك صديقي و حبيبي طالما أنك تهز رأسك و توافقني على كل ما أقول, و إن لم تفعل فأنت عدوي اللدود ولا بأس أن تموت أو أن تنبذ و تخرج من المجموعة. ويمكن القول أنه ليست الفاجعة الوحيدة هي أن يقتل شخص من أجل فكرة, و إنما الفاجعة أن يصبح هذا التطرف هو السمة التي ستهلك هذا المجتمع و تحول أبناءه الى أداة رخيصة و سهلة لكل من أراد فناء هذا المجتمع من أعداءه الخارجيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح


.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف




.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي


.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية




.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق