الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن و فارك

رياض محمد سعيد
(Riyadh M. S.)

2016 / 9 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فارك هي مختصر لـ ( القوات المسلحة الثورية الكولمبية )
وبالأسبانية (FARC/Fuerzas Armadas Revolutionaries de Colombia
تقع كولومبيا في شمال قارة اميركا اللجنوبية وتجاورها الاكوادور وفينزويلا ، و فارك وهي عبارة عن " تنظيم ثوري يساري مسلح يحارب حزب المحافظين الحاكم في كولومبيا ، وتسيطر الحركة على مساحات واسعة من البلاد وتستعمل أسلوب حرب العصابات. وقد أُسس التنظيم في سنة 1964 كجناح عسكري للحزب الشيوعي الكولومبي وكحركة عسكرية تعتمد حرب العصابات كاستراتيجية له. و في فترة الثمانينات تورط التنظيم في تجارة المخدرات مما أدى إلى انفصال بين الحركة والحزب الشيوعي الكولومبي. تقدر اعداد المنضمين إلى الحركة حسب التقديرات الحكومية الكولمبية ما بين ستة آلالف وثمانية آلالف جندي. ينتشر التنظيم في 15 إلى 20 % من اراضي كولومبيا في مناطق الغابات والأدغال والمناطق الجبلية في سفوح جبال الانديز ومنها يشن هجمات حرب عصابات بين الحين والآخر. وقد أدرجت المنظمة في لائحة المنظمات الإرهابية " .
ما يهمنا من هذه المقدمة ان هذا الصراع الممتد على فترة اكثر من 50 سنة بخلافات ايولوجية عمميقة ومترسخة نتيجة احقاد وضغائن ناتجة عن فروقات طبقية وعنصرية اضافة الى خلافات سياسية في توزيع الثروة وادارة السلطة ، كل هذه الخلافات العميقة تطلب علاجها و حلها اربعة سنوات من الحوار والنقاش المبني على اسس حضارية يهدف من خلاله المتحاورون الى تصفية خلافاتهم مهما كانت ، من اجل العيش بسلام وكرامة وامن ، ولأستثمار ثروات الوطن من اجل ان يعيش الشعب برفاهية وتقدم . اربع سنوات كان عزاء كولومبيا خلالها نعي لــ 250000 قتيل من كلا الطرفين الامر الذي اعتبره السياسيون الكولمبيون كارثة بحق الشعب الذي له حق العيش بشكل متساوي ومتوازن للجميع . اربع سنوات حوار نتج عنها اتفاق وتوقيع عهد ووثيقة وطنية ، صادق عليها كل الاطراف المتنازعة ورحب بها الصغير والكبير .. اربع سنوات تنازل بعدها كل المتحاربين عن سلطاتهم ونزعو اسلحتهم ولجأو للسلم .. اربع سنوات جعل الشعب بعدها يوم الاتفاق يوما وطنيا لأنتصار الفكر الحضاري الانساني على الدكتاتورية والانانية وحب الاستحواذ على السلطة ، ونزل الشعب بكل اطيافه وافكاره للشارع ليحتفل بيوم الاتفاق الكبير لكولومبيا موحدة و ليتفرغ الشعب لبناء الوطن ولتقوم الدولة بواجباتها في حماية وبناء الوطن ورعاية الشعب والانطلاق نحو الحضارة والعلم والتقدم . انه انجاز كبير احتفل به شعب كولومبيا واعتبر انتصارا للحضارة الانسانية على التخلف والعنف والارهاب . انجاز امتدت اثاره الى كل دول العالم ليشاركو كولومبيا فرحتها ويباركو هذه الخطوة التاريخية.
هذه الحالة هي ليست المثل الاعلى في حل خلافات الشعوب مع بعضها ولا خلافات الدول والاعراق التي امتد بعضها لسنوات اطول لكن ما جذبني هو مقارنة هذا الحدث مع الوضع في العراق و الصراع الديني الاسلامي الطائفي الذي امتد الى اكثر من 1400 سنة ، مر خلالها الوطن بفترات من السبات والهدوء الكاذب وكأنها النار التي تحت الرماد .. تحسبها انطفأت لكنها تحتفظ بجذوتها تحت الرماد ليعيد تغذيتها واشعالها من جديد كل من يهوى العزف على وتر الطائفية من اجل مصالح شخصية او احقاد وامراض نفسية نتيجة الجهل والفقر وغالبا ما تكون الاسباب التي تستعر بسببها النعرات متنوعة وليست نمطية لوجود ايأدي داخلية او خارجية تسعى لتحقيق مصالح مختلفة ليس لها في جوهرها اي علاقة بالدين ، لكنها تغطى بلباس ديني يستهويه عامة الشعب من البسطاء ليستدرجو الى اشعال الفتن وعادة يكون البسطاء هم وقود يستخدمهم الطائفيون لأشعال نار لحروب القتل والتهجير.
اكثر من 1400 سنة ولم يتمكن المسلمين من التوصل الى اتفاق حضاري للعيش بسلام وامان وبناء الاوطان والتقدم الحضاري ، علما ان المعتقدات الدينية تحث في خطابها على الرحمة والعفو والتسامح والتأخي بين الناس ، مع بعضهم ومع الاديان الاخرى ، لكن يبدو ان هذه الصفات هي شعارات تدرس وتستخدم في الخطب والحوارات فقط ، لكن على ارض الواقع فالموضوع مختلف . و الغريب ان هذا الخلاف ومنذ ولادته تحول الى صراع دموي راح على اثره ضحايا يصعب تعددادها عبر هذه السنوات الطويلة من عمر البشرية وهي تتقاتل وكلا الطرفين يتهم المقابل بالخروج عن الدين الى الكفر وان مصيرهم جهنم وبئس المصير ، رغم ان الشائع والمعلن ان اغلب ما يتناوله المتحدثين من كلا الطرفين هو عدم الاعتراف بالطائفية واحيانا عدم الاعتراف بوجود خلاف طائفي اصلا .. وهذه الازدواجية في الفرق بين المعلن والمخفي ادت و لا زالت الى يومنا هذا تؤدي الى استنزتف دماء الشعب شيب وشباب و لكلا الطرفين .. وكل طرف يسخر مواردهم المادية لخدمة طائفته ، مما ادى بالنتيجة الى ظهور عوق عميق في النسيج الاجتماعي متجذر ، ينطفيء فترة لكنه يعود وبقوة اذا ما توفرت له فرص ولو بسيطة ... ان هذا الاستنزاف ادى بالنتيجة الى الانشغال عن اساسيات الحياة ومواكبة التقدم العلمي والحضاري بسبب الاستحواذ الفكري والقلق المستمر على المذهب اكثر من الوطن و العلم والتقدم العلمي والحضاري ، وقاد المجتمعات وخصوصا في العراق الى التراجع والتخلف عن سير ركب الحضارات الانسانية في العالم وفقدان السطوة والعلو الذي حققوه لفترة ليست قليلة ، ثم فقدوه وبقو على ماهم عليه بينما كان التطور العالمي مستمر حتى صارت الفجوة كبيرة مع التقدم الحضاري العالمي ، والغريب ايضا ان كثير من المفكرين والمثقفين عند دراستهم لأسباب التراجع والتخلف العربي والاسلامي او التاخر في مواكبة الحضارة الغربية و العالمية يتجنبون الخوض في الاسباب الدينية ، اما مجاملة او خوفا ، فالخوض في المسائل الدينية يعتبر خطر حقيقي امام الانغلاق الفكري (هذا حسب اعتقاد وايمان المتعصبين ونتيجة لما غرس في عقول العامة والبسطاء حتى صارت من البديهيات التي تسمح بقتل كل من يتطاول على معتقداتهم ) لذا بات منع المساس في الامور الدينية والالهية امر طبيعي ، الامر الذي ادى بالنتيجة الى اضعاف العرب واستهلاك طاقاتهم وتفشى من خلال ذلك امراض التفرقة المذهبية الدينية وتعدت الى التفرقة العرقية والاثنية والصراع في العلاقة مع الاديان الاخرى .
من المؤسف ان يكون حال العرب بهذا الحال ومن المؤسف اكثر ان يرقد العرب ويغطو في نوم عميق ويقتاتو على ما يقدمه الغرب لهم و للانسانية . نسبة كبيرة قد تصل الى كل ما يستهلكه او ما يستخدمه العربي في حياته اليومية مصنوع في دول غير اسلامية ومع ذلك نجد وخصوصا في الشرق الاوسط وفي العراق ان الشعب مقسوم بطائفيته ومشغول في الحفاظ على موروثه الديني المسموم . ويضع في اولوياته محاربة الطرف الاخر عن طريق بذل الغالي والنفيس من موارد الوطن لتثبيت اركان معتقداته الدينية معتقدين انهم في خطر زوال معتقادتهم او انحسارها . على الرغم من ان كثيرين ممن هم في لب هذا الصراع يعملون من اجل مصالحهم الشخصية وليس الدينية ، فتجدهم مندمجين في المجتمع الطائفي لكنهم يعملون لبناء مستقبلهم في الخارج ، يسرقون ما يمكن سرقته من الوطن والشعب لبناء حياتهم في الغرب . وبالتالي فقد الشعب فرص تقدمه وبناء الوطن وانشغل بحراكه الداخلي دون حساب للزمن الذي يمر بلا فائدة لا للشعب ولا للوطن ولا للعلم . مرت 1400 سنة لم يتعظ من خلالها المسلمون من تجارب الاخرين فكم من تجربة مرت على غرار فارك وغيرها من دول العالم وعلى مدى تاريخ الانسانية دون ان يتحرك الفكر العربي المسلم ليصلح ذاته ويترك الطائفية ! . ولا يزال السؤال الى متى هذا الصراع الطائفي الذي و للاسف تبدو ملامحه انه في تطور ونمو ليرتقي الى صراع دولي مستقبلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب