الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاغتيال العقائدي والاغتيال السياسي

عادل صوما

2016 / 10 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المؤكد ان خالد الاسلامبولي والمجرمين الذين كانوا معه فكروا كثيرا بمشهد المنصة وضيوف العرض العسكري، وكانوا على علم بأن شيخ الازهر وممثل الكنيسة الوطنية المصرية في جملة الضيوف، وقد يُقتل شيخ الازهر اثناء العملية الاستشهادية التي سيفعلوها لوجه الله، لكن نزعة الرفض الانتقائي للحقائق، التي تتوافق مع العقيدة الموجودة في عقولهم، كانت ترى كل الذين في المنصة، وليس أنور السادات فقط، يمثلون تماما ما رفع خالد الاسلامبولي عقيرته به للرئيس: "ياكافر يا فرعون يا ابن الكلب"، بعدما أمر السائق بوقف العربة التي تقطر مدفعا ظهر 6 اكتوبر سنة 1981 وخرج من بابها وقذف أول قنبلة يدوية باتجاه المنصة. وقد وقف ورد الرئيس السادات بشجاعة نادرة فعلا، رغم وابل رصاص الرشاشات الذي بدأ ينطلق نحوه من المجرمين الاخرين فوق العربة: "إرجع يا ولد انا مش حسيبك".
الذاكرة البصرية
يعتقد كثير من الناس من خمس وثلاثين سنة ان الرئيس السادات اُغتيل بسبب زيارته لإسرائيل، لكن الوقائع تقول ان الاغتيال تم لدوافع عقائدية بحتة. فلو صدقنا ان السبب هو معاهدة السلام، فلماذا صامت كل الجبهات العربية الاخرى على اطلاق رصاصة باتجاه إسرائيل اعتراضا على إتفاق السلام؟
ثم اننا نتجاهل عن سابق تصور وتصميم ذاكرتنا البصرية التي تحفظ صور خمسة ملايين مواطن مصري وقفوا يهتفون للسادات على قرع الطبول عند عودته مباشرة من زيارته للقدس، في موكب كان السادات فيه مكشوفا وواقفا على بعد امتار قليلة من الجموع حوالي ساعة، كما نتجاهل بالتلقين المباشر وغير المباشر، التيارات المصرية والناطقة بالعربية والعالمية المؤيدة للسلام من كبار المفكرين والصحافيين والفنانين والسياسيين، وبدء عملية السلام من بعد السادات بواسطة معظم دول الجوار واصحاب القضية أنفسهم، ثم وفاتها سريريا لأسباب دينية من الطرفين المتخاصميّن لا علاقة لها بالسياسية.
اُغتيل الرئيس السادات لأسباب عقائدية كان الاسلامبولي والمجرمين الذين معه مجرد ادوات صغيرة جدا فيها، وكان هدف الاغتيال البعيد هو بدء "تمكين" التيار الظلامي وحده ولا شريك له من منطقة الشرق الاوسط خطوة بخطوة، رغم ان الرئيس السادات كان "المؤمن" كما اوعز لوسائل الاعلام ان تصفه، الذي يصلي كل ظهر جمعة تحت الكاميرات، وفي عهده اصبح قطع البرامج والبث المباشر لمباريات كرة القدم لإذاعة الاذان في وسائل الاعلام عادة يومية، ورغم عداوته وسخريته من نظام الخوميني قال يوما "انا رئيس مسلم لدولة إسلامية يقطنها بعض الاقباط"، وكان أول حاكم مصري يقحم الدين في الدستور ويجعل مواد سياسية علمانية تتطور وفقا لحاجات المجتمع، تحت رحمة مستفيدين سياسيين من دين لا يتطور، ويرفض تياره الظلامي العمل بقاعدة "مناسبة النزول" على آيات القرآن، لكي يطبقوا على من يخالفهم من سكان القاهرة وتونس والجزائر وباريس وبرلين ولندن وبروكسل وغيرها، ما طُبق على كُفار قريش، وما فعله أبو بكر بالمرتدين الذين رفضوا "الاسلام السياسي" الذي فرضه الرسول محمد عليهم ومن ثمة رفضوا الزكاة، أو الضريبة باللغة الحديثة لهذا النظام السياسي.
تطبيق الاجندة
بدأ تطبيق اجندة تمكين التيار الظلامي في الدول التي تتحدث بالعربية باغتيال السادات لأنه مؤسسة بحد ذاته، ولأنه، وهذا هو الأهم، بدأ يفيق من وهم الاستعانة بالمستفيدين من الاسلام سياسيا ليواجه بهم العلمانيين والشيوعيين، فقد استيقظ وادرك أنهم خطر على أمن الدولة والقومية المصرية، فهو شخصيا رغم خلطه الدين بالسياسة وإفساح المجال امام هذا المسخ العجيب لينمو، كان من المؤمنين بالقومية المصرية وجذورها الفرعونية، وكان من المؤمنين بالدولة القومية وليس الخلافة.
عندما بدأ وهم تعاون المستفيدين من الاسلام سياسيا معه وإخلاصهم له يزول من رأسه، بدأت يقظة الرئيس واخذ يعي ما يفعله ذلك المسخ بمؤسسات الدولة ونقاباتها وثقافتها وروحها والتعليم فيها، كما صُدم بتطاول عابدو المسخ عليه وعلى زوجته التي اطلقوا عليها "سيئة مصر الاولى" بدلا من "سيدة مصر الاولى"، وكان رده عليهم علانية في مجلس الشعب في خطابه الشهير في 5 أيلول/سبتمبر 1981 "خلاص.. مافيش انصاف حلول"، ووصف إمام الجامع الذي اهانه بصفة شخصية وسبّ زوجته في بيت الله ومن على منبر الجمعة "الشيخ البذيء"، وقال عنه السادات "أهو مرمي زي الكلب في السجن".
نسى هذا التيار كل ما فعله الرئيس من اجلهم وانه ارجعهم من قبور النسيان، لأنهم سادة طعن من يدعمهم، وبدأوا تسريع إيقاع الاغتيال والتصميم عليه قبل ان يستعيد السادات سيناء بالكامل بعد شهور قليلة ويتحول إلى اسطورة، فتعرض الرئيس لمحاولة إغتيال فاشلة وهو يحيي الجماهير من شرفة قطار قبل اسبوعين من إغتياله فعليا.
كل الوقائع بما فيها ادوات تنفيذ الجريمة لم يشارك فيها أي علماني، بل صدرت في الجريمة فتوى صريحة واضحة قبل تنفيذها هي حلّ هدر دمه، وبُني الاغتيال على نظرية عقائدية، فقد قال خالد الاسلامبولي للمجرمين وهو يجندهم واحدا بعد الآخر "ادعوك لعمل استشهادي في سبيل الله". كانت الغاية من هذا العمل الاستشهادي في سبيل الله نشر الفوضى وهدم مؤسسات الدولة باغتيال رأسها واركان الحكم فيها في المنصة، وإنهاء دور السادات السياسي والاجتماعي الذي بدا واضحا بعد قرارات تحجيمهم واعتقال بعض أهم فقهائهم، وإزالة تأثيره المستقبلي على مشروع المدن/الدول الاسلامية على طريقتهم للتمكين والوصول للحكم، ما يعني أن الاغتيال كان عقائديا بالدرجة الاولى، وليس عملا سياسياً داخليا سببه رفض السلام مع إسرائيل كما روجت وسائل الاعلام الغربي، ورددت وسائل الاعلام الناطقة بالعربية، إما جهلا أو عمدا أو شماتة في اغتيال السادات.
قراءة وصف السادات بالطاغوت، وصراخ المجرمين في المحكمة انهم قتلوا الطاغوت، وصراخ خالد الاسلامبولي امام كاميرات الاعلام "انا قتلت الفرعون" وقوله للقاضي ان السادات أهان علماء المسلمين، لا رائحة فيها بتاتا لجريمة سياسية بل عقائدية، لأن "الخروج عن اجماع الامة" الذي وصفوا به معاهدة السلام "عبارة دينية" هزيلة يريد قائلوها مننا ان ننسى صمت الجبهات العربية عسكريا ثم معاهدات السلام اللاحقة، وفي الوقت نفسه يهزأون من العقل العربي ويحاولون تشكيله بعقيدتهم التي تختار ما يناسب اساطيرها وتتجاهل الوقائع.
العربة والميدان
من اللافت للنظر فعلا ان نائب الرئيس الذي كان يجلس مباشرة بجواره في العرض العسكري ونجا حتى من اصابة طفيفة، قال بعد الاغتيال إنه سمع أكثر مما سمعه السادات لأن الرجل الثاني عادة يسمع أكثر، ورغم ذلك تناسى ما سمعه وغرق في أوهام الفرح بأنه أصبح "الريس"، وأفرج مباشرة عن فقهاء التيار إياه وتغاضى في ما بعد عن ما فعلوه في مؤسسات الدولة وثقافتها وروحها وشخصيتها، وقيل عنه في افلام كثيرة (وهي نبض الشارع) انه ظلامية، وفي فيلم "كشف المستور" قال يوسف شعبان لنبيلة عبيد "انتي وقفتي ضد ناس مش قدهم.. انت فضحتي الدولة الجديدة. الافضل إنك تسافري وتبعدي عن البلد". كان كاتب السيناريو يقصد بدون مواربة "دولة الاخوان المسلمين".
توجس حسني مبارك من التيار العلماني، ووضع ثقته ولعب سياسيا مع من أطلق القنابل والرصاص على المنصة بمن فيها وكان هو في الصف الاول، فكانت النتيجة الحتمية حضور المستفيدين من الاسلام سياسيا وكهنتهم بعد ثلاثين سنة تماما، ليس على عربة موت هذه المرة، لكن في ميدان التحرير حيث ركبوا موجة ثورة علمانية حقيقية، قامت ضد "الدولة الجديدة" ووقائع فساد مبارك وعائلته من اجل مصلحة دولة مصر، وأظهروا عقيدتهم، لشعب غائب عن الوعي بسبب جرعة عقائدية كبيرة جدا، في هدم الدول بما فعلوه في الشارع من بلطجة وفي السجون باطلاق محكومين خطرين على امن الدولة.
ثم استقبل سكرتير المرشد محمد مرسي العياط، عندما اصبح رئيسا، سكرتير مرشد الثورة الإيرانية احمدي النجاد ليؤسس بفضل خبرته نواة "حرس ثوري" تمّهد لإقصاء جيش مصر عن الحكم والقرار والقتال، كما أظهروا كراهيتم علانية للقومية المصرية بتحقير دولة مصر في وسائل اعلامهم، وأظهروا عقيدتهم العدوانية ضد تاريخ البلد فحاولوا حرق متاحف مصر ونهبها وهدم تماثيلها والاعتداء على ارشيفها السينمائي والمسرحي والغنائي، ورمي كتابها بتهمة التجديف وإهانة الذات الإلهية و إزدراء الاديان، رغم انهم هدموا الكنائس واضطهدوا المسيحيين ويزدرون المسيحية في وسائل إعلامهم، ليس في مصر وحدها بل في كل الدول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي