الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية التاريخ

احمد فاضل النوري

2016 / 10 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قبل ربع قرن وتحديدا فى ربيع عام 1989 كتب الأكاديمى الأمريكى ذو الأصل اليابانى فرانسيس فوكوياما مقالا عنوانه «نهاية التاريخ»، فى مجلة «ناشيونال إنتريست» قال فيه إن عصر الاستبداد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة، وأن المستقبل ستسيطر عليه فلسفة وتطبيقات الليبرالية السياسية واقتصاديات السوق. وبعد عدة شهور سقط سور برلين (9 نوفمبر 1989 ) ، وانتهت كما أعتقد كثيرون الحرب الباردة بهزيمة الاتحاد السوفييتى ( 1991) وتفتته لعدة دول، وسقوط أيديولوجيته السياسية الشمولية والمركزية اقتصاديا، ثم انهار حلف وارسو (حل الحلف رسميا في يوليو 1991) واحتفلت مدارس فكرية غربية بانتصار الليبرالية وقيم الديمقراطية واقتصادات السوق . وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير
ونبع فكر فوكوياما بدرجة كبيرة من معارضته لفكرة نهاية التاريخ فى نظرية كارل ماركس الشهيرة «المادية التاريخية»، والتى اعتبر فيها أن تاريخ الاضطهاد الإنسانى سينتهى عندما تزول الفروق بين الطبقات. رأى فوكوياما أن المجتمعات الانسانية وضعت حدا لتطور الأفكار الأيديولوجية بانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية. وتقوم نظرية فوكوياما من عدة منطلقات، أهمها أن الصراع التاريخى المتكرر بين السادة الحكام والعبيد المحكومين، كما وصفهم ماركس، لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى فى الديمقراطيات الليبرالية

إلا أن واقع الربع قرن الأخير أثبت أن التاريخ لا يسير فى خطوط مستقيمة تسير للامام دائما. تعرج التاريخ وتداخل خطوطه ظهر بوضوح ليس فى تطور المجتمعات نحو الليبرالية الغربية فقط، بل فى حدوث ردة كبيرة فى مجتمعات كبيرة شديدة التعقيد مثل روسيا والصين ودول الشرق الأوسط. البعض سمح بتبنى قيم وممارسات اقتصاد السوق، وتجاهل كل ما يتعلق بالليبرالية والديمقراطية.
ويعترف فوكوياما نفسه أن ما بدا أنه تطور مجتمعى طبيعى تجاه القيم الليبرالية الغربية، تتضمن وجود حكومات منتخبة، واحترام للحقوق الفردية ونظام اقتصادى يسمح للدولة يضبط علاقات رأس المال مع الطبقات العاملة عام 1989، يبدو شديد الاختلاف مع واقع اليوم .

آمن البعض بنظرية فوكوياما، وخرجت تقارير من مؤسسة بيت الحرية فى واشنطن لتظهر أن هناك تحركا كونيا تجاه تبنى المجتمعات للنظم الانتخابية الليبرالية، وأحصت وصول الدول التى تمنح مواطنيها حق التصويت فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 119 دولة عام 2003 بعدما كانت لا توجد دولة واحدة لديها هذا الحق فى بداية القرن العشرين. وآمن البعض أيضا بما ذهب إليه فوكوياما من «نظرية السلام الديمقراطي»، حيث رأى أن الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها البعض.
ولكن تجربة الصين وروسيا كانت من دلالات تكذيب الواقع للنظرية , أن لا نظام دولة الحزب الواحد الرأسمالى فى الصين ولا نظام روسيا السياسى يتسم بالليبرالية بشكل خاص، ولا يتورع أى من البلدين عن التأكيد على حقوقه بالوسائل العسكرية عند الحاجة. ويرى المفكر والتر راسل ميد أن عودة المنافسات الجيو ــ استراتيجية لمركز الصدارة فى العلاقات الدولية أصبح جليا خاصة خلال عام 2014. وهذه يتناقض مع ما قصده فوكوياما من هامشية المصالح الاستراتيجية على حساب القيم والأفكار النظرية. فتحرك القوات الروسية للاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وسيطرة الصين المتزايدة على مياه دولية ومياه تتبع دول، أو حتى محاولة استخدام تحالفها مع سوريا، وحزب الله للكسب مزيد من النفوذ فى الشرق الأوسط.

وخلال الربع قرن الاخير عدل وتطور فوكوياما من بعض قناعاته خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسى. وبعدما كان محسوبا على تيار المحافظين الجدد خلال فترة حكم جورج بوش الابن الأولى، ابتعد فوكوياما عنهم واتهمهم بتغليب الحلول العسكرية والتدخل المنفرد بالقوة خاصة فى الشرق الأوسط لتحقيق مصالح أمريكية، ومن ثم أصبح من أهم المعارضين للغزو الأمريكى للعراق.
ورأى فوكوياما أن الولايات المتحدة أخطأت استراتيجيا فى الشرق الأوسط من خلال ثلاث نقاط هامة. وكان تضخيم تهديدات الإسلام الراديكالى على الولايات المتحدة ومصالحها بصورة شديدة المبالغة. كما رأى أن فردية قرارات التدخل العسكرى الخارجية التى تتبعها واشنطن تؤتى بنتائج عكسية خاصة فيما يتعلق بالعداء لأمريكا. وثالث الأخطاء ركز على فشل سيناريو الرغبة الأمريكية فى تغيير الواقع العراقى ليتبنى العراق الجديد مجموعة قيم ومبادئ غربية، وهو ما أثبت فشلا ذريعا.-
و في كتابه الأخير (النظام السياسي والأفول.. من الثورة الصناعية حتى عولمة الديمقراطية) عدل فوكوياما نبرة اليقين حيث أظهر علامات اضمحلال الديمقراطية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، مثل حالة الجمود السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وصعود الأحزاب المتطرفة في أوروبا، وهو الأمر الذي يكشف عن تغيير رؤية ولهجة صاحب نظرية نهاية التاريخ.
يقول فوكوياما إن الديمقراطية الليبرالية تتأسس على ثلاثة مكونات رئيسة: المحاسبة السياسية، ودولة قوية وفعالة، وحكم القانون. ومشكلة النموذج الأمريكي الذي هو عرضة للتحلل في رأي فوكوياما أن التنمية السياسية الأمريكية ولعقود سارت في الاتجاه المعاكس متسمة بالفساد حيث تتسم النخبة السياسية بما أسماه (ظاهرة التآكل) والتي أدت إلى حالة الجمود السياسي في الإدارة الأمريكية وعدم المساواة الاقتصادية وتركيز الثروة، والتي سمحت للنخبة باحتكار النظام لمصلحتها وكذلك نفوذ جماعات المصالح في مؤسسات الدولة بشكل متزايد ومقلق، وممارستها لضغوط قوية على الحكومة لأجل مصالحها فقط؛ أضف إلى ذلك أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين؛ مما أدى إلى تراجع ثقة الرأي العام الأمريكي في أداء حكوماته.
ويرى أن المشكل يتعلق بالمساءلة؛ لأنه في الواقع لا قطاع الشركات ولا مجموعات المجتمع المدني تخضع للمساءلة بوضوح أمام الذين يدعون تمثيلهم. وهذا مشكل في الحوكمة يجب حله بكل تأكيد.
ورغم هذا مازال فوكوياما مقتنع بأن الشعوب حين تملك خيارها، فإنها لن تعود مرة أخرى إلى تجارب الأنظمة الشمولية القمعية، وبأنه لا بديل عن الليبرالية ولا عن النظام الديمقراطى.
و فيما يخص الوضع المصري خلال السنوات الخمس الأخيرة يمثل صفعة لنظرية فوكوياما، فلم يتم بعد خلق مجتمع يقضى على ثنائية السادة والعبيد مع استمرار سيطرة نفس النخبة القاهرية، التى تدعى الليبرالية كذبا، على مقدرات ملايين من المصريين فى الدلتا والصعيد. كما أن فرص نجاح بناء مجتمع يساوى بين حقوق الحكام والمحكومين، وبين الفقراء والأغنياء، ويؤسس لحياة سياسية ديمقراطية تحترم فيها قيم الليبرالية والتعددية المجتمعية والسياسية الحقيقية، تقل كل يوم.
..........................
موجز السالف ذكره:
نظرية “نهاية التاريخ”فوكوياما
انها نظرية النصر الساحق للرأسمالية الغربية والديمقراطية الليبرالية على كل الأيديولوجيات المتنافسة الأخرى، حتى إنها توقعت مستقبلًا مملًا للسلام والهدوء في العالم.
دلالات تكذيب الواقع لنظرية فوكوياما:
- تصاعد حركات والأفكار الإسلامية و العرقية في الشرق الأوسط و تحريضها واستخدمها من جانب الليبرالية الغربية.
- هجوم الغرب الليبرالي على الحريات المدنية باسم الحرب على الإرهاب (افغانستان و العراق ..الخ).
-الثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق (فشل او شدة صعوبة تأسيس حياة سياسية ديمقراطية تحترم قيم الليبرالية).
-نجاح الحركات اليسارية في أمريكا الجنوبية.
-تجربة الصين و
روسيا أن لا نظام دولة الحزب الواحد الرأسمالى فى الصين ولا نظام روسيا السياسى يتسم بالليبرالية بشكل خاص.
- تحقيق قدرضئيل و لكنه غير مسبوق منذ زمن للاحزاب العنصرية في بعض بلدان اوروبا الليبرالية.
.......................
المصادر : تقارير واشنطون , CNN, منتديات سياسية اجنبية ومحلية,كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير, كتاب من الثورة الصناعية حتى عولمة الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس