الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هارب من شاطودف

مزوار محمد سعيد

2016 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



عندما ننظر في العقليات المختلفة للبشر، فإننا نركز على قاع الحياة بشكل ملفت، وهي طريقة غريبة في الاستمتاع بوجود النفس في هذه المساحة الزمنية، تلك التي تولد داخل رحم الوقت، لتتّبع العمق البشري بشكل غير بارز للجميع، وهي في الأصل نقلة، ربما هي نملة تدبّ في صحراء رملية واسعة جدّا، حتى أنها لا تكاد تُرى بالعين المجرّدة.
أحد العباقرة الألمان "هورسل" أسس ظاهرة تدعى "علم الظاهرة"، وهو يستند إلى مبدأ يونانيّ قديم يقول: "الحياة هي كل ما يظهر"؛ بعدها أخذ يؤسس لتشعبات علمه ليشكل منه منهاجا وموضوعا وطرائق تفكير تولد في زمن واحد ثم تتشتت على كافة الأزمان.
يرد لدى العرب القدامى بأنّ "لا غالب إلاّ الله"، وهي في الأصل كناية عن قدرة الإنسان "خليفة الله على الأرض" على استقصاء روافد علومه ومعارفه من أجل شقّ الطريق الذي يخصه، في حين يلتقي الألمان مع العرب عندما يلتقي القول بالفعل ولو بالصدفة.
ما ذنب الإسلام إن ما انتسب إليه بالوراثة جهّال بقوانين الله في الطبيعة؟ طبعا هو بريء منهم براء الذئب من النبيّ يوسف.
مقتنيات وافية تلك التي ترفع الفرد البشري إلى مصاف الظواهر بدل أن يبق حبيس المظاهر، الألمان هم الظواهر وعرب الثالثة من الألفيات بقوا ضمن المظاهر، وعلى أرض بافاريا أيضا نبت إسم آخر قال يوما بأنّ "العود الأبدي هو مصير كل البشر"، وأنّ الحياة هي كل ما يتّصل بتغيير الرؤية لتتغيّر الرؤيا، نعم! ذاك الإسم هو: نيتشه فريدرتش.
لا يجد المرء من عجب أكثر من وعد أمرؤ القيس بعد وفاة أبيه، تلك الوقفة العربية الفاخرة صارت لا تتعدّ فضاء الكتب والروايات، لكنّ الجميل في هذا أنّ النازيين وإن صنّفهم الكثيرون ضمن المجرمين، إلاّ أنهم أو بعضهم قد ذكرنا بأمرؤ القيس في ولائه لأبيه عبر ولائهم للوطن.
تلك الحميّة التي تسكن الإنسان، تلك الصعقة التي تحرّكه ضمن مشاورات الذات بالنفس لتنتج إتجاها واضحا للروح، فيستجيب لها الجسد بشكل إجباري، هذه القيمة الإنسانية لن تذكّر المرء بما حصل لكافة السجناء المظلومين عبر التاريخ، هؤلاء الذين رفعوا القضايا عاليا، وتحرّكوا ضمن ما شعروا به، ليصلوا إلى مراتب غالية جدّا. مهما يكن ولاء الإنسان لأفكاره، ومهما كانت هذه الأفكار، فإن عيشه ضمنها يجعله ألمانيّا بالهوى وقيْسيا بالنسب والمزاج.
قد ظهر للعرب بأنّ الكلمة والوعد يوما ما أغلى من النفس، ولهم في هذا الميدان قصص خطّت بالوقائع قبل أن تخطها الأنامل والصحائف، لكن في زمن التقنية الملتوية، في زمن "الغايات التي تجيز المحظورات"، صار الملتزم بوعوده، والزاحف على بطن إنجازها وتحقيقها شخصا غبيا، ساذجا وغير مرغوب فيه.
لا يجوز لأحد أن يحكم على إنسان مهما كان الظرف والعنوان الذي يحتمي به، لأنّه وببساطة لا يرى القيمة التي دفعته في تلك اللحظة لسلك ذاك السلوك، ومع ذلك فإن المبررات الراهنة لا تكف لتجعل من الخساسة والغدر أعمالا مشروعة وجائزة، لأنّ الفرد الإنساني هو أكثر وأقدر على حمل نجاته برؤياه.
كل الأجناس البشرية لها ميزات ضعيفة الوجود وأخرى لامعة، الوفاء بالوعد لدى كافة أعمار البشرية كان ولا يزال أمرا حتميا قادرا على إرفاق البشر ببشريتهم، ومع ذلك يبقى الفرد الإنساني مستعصيا عن اللحاق بقيمته الإنسانية الخالصة، تلك التي نبتت بين أحضان الأنبياء والرسل، الذين بذلوا المستحيل وأرواحهم أكثر من مرة في سبيل وصولهم لنشر هذه القيم بين العالمين.
وصول الفرد إلى قمّة إنسانيته لا يحدث بمفرده، وإنما يكون هو المحرّك لعملية طويلة، تبدأ من عمقه لتنتهي إلى مسيرته الشاملة في الحياة.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى