الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة نظر عن دور القيادات الكردية في الوضع العراقي الراهن

عزيز الحاج

2005 / 12 / 27
القضية الكردية


معروف أن القيادات السياسية العراقية تمثل تيارات سياسية وفكرية مختلفة فضلا عن الواقع القومي المتعدد الألوان. وقد مرت الأحزاب والقوى السياسية العراقية بالعشرات من الأوضاع المتغيرة، ناهيكم عن ظروف وتاريخ نشأة كل منها. وخلال عقود ضمرت تنظيمات وبرزت أخرى، وتصاعد نفوذ البعض وانحسر نفوذ آخرين، وتغيرت التحالفات السياسية وموازين القوى بينها وفي الساحة العراقية. إن علاقات القوى السياسية مع بعضها البعض لم تكن على حالها اليوم، ومنها من دخلت خصومات حادة مع غيرها، وثمة المواقف المتباينة من الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 14 تموز 1958.

ما يهمنا هنا هو الوضع الراهن وهو معقد ومتشابك جدا وفي ظروف إقليمية ودولية جديدة.

أجل هناك مشاكل كثيرة اليوم بين القيادات السياسية لها ظروفها وأسبابها المتعددة. لكن هناك أيضا نقاط لقاء كثيرة بين غالبيتها وإن اختلفت في الأهداف البعيدة والإيديولوجية والتحليل السياسي.

خلال فترة المعارضة في التسعينات واصلت القيادات الكردية دفاعها عن مصالح وحقوق الشعب الكردي، وتم إعلان الفيدرالية بعد أن سحب نظام صدام إدارته وقواته العسكرية، وحظيت الفيدرالية بإجماع البرلمان الكردي المنتخب. كما أن أطرافا سياسية عراقية عديدة لم تعارض فيدرالية كردستان بل وجدتها اعترافا بالقومية الكردية وتطويرا للحكم الذاتي ماد دامت الفيدرالية ثبتت الوحدة العراقية وأكدت على وجود كردستان ضمن العراق. وهنا أشير لدعوات الانفصال التي تصاعدت منذ أواخر العام المنصرم [ 2004 ] والتي كان للمثقفين الأكراد دور كبير فيها. تلك الدعوات كانت محقة حين تؤكد على مبدأ حق تقرير المصير، وكانت منطلقة من مشاعر قومية نبيلة، ولكن فكرة الانفصال وكما قال الرئيس جلال طالباني في حينه، "تصلح شعارا جذابا لكن بالتأكيد ستقود إلى العبث." وأكد الرئيسان الكرديان على أن "الانفصال غير واقعي وغير مفيد وغير مثمر."



فيما يخص الفيدرالية وقفت بعض القوى السياسية مواقف عدم التفهم في حين أثارت ثائرة كل من إيران وسوريا والحساسيات التركية. غير أنه تم الاعتراف فيما بعد بالفيدرالية في غالبية مؤتمرات المعارضة واجتماعاتها. واليوم أيضا لا توجد قوة سياسية عراقية تنكر حق كردستان في الفيدرالية كإقليم جغرافي متميز قوميا وتاريخيا، وبتكوين متنوع من تركمان وكلدو ـ آشوريين مع أكثرية كردية. لم تثر في أي من اجتماعات ومؤتمرات المعارضة قبل سقوط صدام أية دعوة إلى نظام فيدرالي على نطاق العراق كله، ناهيكم عن أن الفيدرالية كانت بمفهوم ديمقراطي وعلماني خلافا لشعارات ومطالب البعض بفيدراليات مذهبية.

إن النزاع المؤلم الذي وقع في منتصف التسعينيات بين الحزبين الكردستانيين الكبيرين قد ألحق ضررا كبيرا بالدور الكردي في الحركتين الوطنيتين الكردية والعراقية على السواء. ومن حسن حظ الشعب الكردي وكل العراقيين أن تلك الخلافات الحادة سويت تدريجيا وهذا ما أعاد للقيادات الكردية دورها المتميز في الحركة السياسية العراقية.

لقد أظهر مؤتمر لندن قبيل سقوط النظام الفاشي مدى نضوج وفاعلية الدور السياسي الكردي في تجميع القوى الوطنية وتقليص شقة الخلافات بينها، ومدى مرونتها السياسية باعتراف الجميع. وقد استغل المجلس الإسلامي الأعلى تلك المرونة والانفتاح ليفرض على مؤتمر لندن الأخذ بمبدأ المحاصصة كشرط لانخراطه في الجهد الوطني المشترك. وقد تبينت أضرار هذه القاعدة فيما بعد منذ قيام مجلس الحكم، وحيث روعيت المعايير الحزبية والدينية المذهبية لاختيار مجلس الحكم والوزراء. صحيح أن ذلك كان بحكم الأمر الواقع في الميدان ونتيجة سياسة التمييز الطائفي الدموي للنظام السابق. ولكن صحيح أيضا أنه من جهة أخرى قوى الأفكار والنوازع الطائفية ، فضلا عن أن اختيار المسؤولين في الحكومة تجاهل غالبا مبدا الكفاءة والخبرة المطلوبتين لكل منصب. وبدلا من العمل الصبور والمثابر لتوعية الجماهير بروح المواطنة ومخاطر الطائفية، فإن أطرافا متنفذة من المذهبين كانت تغذي وتقوي تلك الظواهر السلبية الخطيرة.

بالطبع إن الهجمة الإرهابية الشرسة والدور السلبي لأنظمة الجوار وعلى الأخص سوريا وإيران، قد زادت كثيرا من صعوبات الوضع العراقي وتعقيداته وحيث صار أمن المواطنات والمواطنين والمؤسسات هو الهم الأكبر المحتاج لتعبئة الجهود والقدرات بمساعدة القوات متعددة الجنسيات، التي قامت بتحرير العراق من النظام الأكثر شراسة في تاريخ العراق والمنطقة.

خلال عملية تأسيس مجلس الحكم لعبت الأطراف الكردية دور التوفيق وتسوية الخلافات والتهدئة بين الأطراف السياسية المختلفة. وكان عماد السياسة الكردية هو التركيز أولا على "التحالف "الاستراتيجي" مع المجلس الأعلى بسبب نفوذه بين الطائفة الشيعية ذات الأكثرية السكانية. وقد احتفظ التحالف الكردستاني بتلك الاستراتيجة ولكن دون إهمال التعاون مع بقية القوى والأطراف السياسية داخل الحكومة وخارجها. ومن رأيي أن القيادات الكردية قد بالغت كثيرا في التركيز على "تحالفها الاستراتيجي" مع أطراف ائتلاف، كجهد رئيسي له الأولوية الاستثنائية في وقت كانت القوى العلمانية شبه محاصرة ومطوقة. أقول هذا مع التأكيد مجددا أن الجبهة الكردستانية لم تهمل هذه القوى وظلت علاقاتها معها حسنة وطيبة. ما أريد التعبير عنه هنا هو أنه كانت لتلك الاستراتيجية ظروف وعوامل فرضتها قبيل سقوط صدام ولحين إجراء الانتخابات العامة الأولى. وقد كان الأولى الانتباه الجدي لمخاطر زج الدين ومراجعه في أدق تفاصيل العملية السياسية ، والقيادات الكردية الرئيسة لم تدن الانتهاكات الخطيرة للحريات وحقوق المواطن في البصرة وجنوب العراق. كما أنها، لأسباب سياسية واعتبارات خاصة معروفة، لم تنتقد التدخل الإيراني واسع النطاق، باستثناء تصريح عابر للسيد وزير الخارجية عن الدورين الإيراني والسوري. إنني إذ أقدر الدور المهم والمتميز للقيادات الكردية، فإنني ألاحظ من موقع الإخلاص صمتها عن الفضائع الجارية في الجنوب منذ سقوط صدام، حتى انكشاف أمر السجون السرية للوزير صولاغ، وحيث أوكل التحقيق لمسؤول كردي كبير تقدم بتقرير صريح دقيق يشكر عليه ويثمن.

وفي الوضع الراهن أي بعد الانتخابات الأخيرة والتوتر الحاصل بسبب وقائع تزوير مثارة في الشكاوى، فإن القيادتين الكرديتين المتمثلتين في رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود برزاني، تقومان بجهود مشرفة لإطفاء موقد الاحتقان والدعوة لحكومة وطنية موسعة. وفي رأيي أنه لضمان قيام مثل هذه الحكومة المنشودة على أسس قوية، فلابد أولا من أن تقوم لجنة دولية وعراقية موسعة بالتحقيق العاجل في أهم الشكاوى وأينما كان مكان وقوع التزوير. وبدون ذلك فسوف تبقى مشاعر المرارة والشكوك والشعور بالغبن هنا أو هناك.

إن ضمان حل الإشكال الانتخابي يتمثل في رأيي في امتناع مختلف الأطراف عن اتخاذ مواقف سلبية تزيد في التوتر. إن أية دعوة منفعلة تشجع على العنف أو الإحراج يجب إدانتها. كما يجب انتقاد النبرة والروح "الانتصاريتين" عند الائتلافيين والإصرار على اعتبار النتائج صحيحة وبلا تحقيق محايد، والتشبث مجددا باسم المرجعة الشيعية لتبرير هذا الموقف.


إن القمة الوطنية لرؤساء الأطراف الوطنية المنعقدة بفضل مبادرات الرئيسين الكرديين قد تسفر عن حلول واقعية وعملية لمشاكل اليوم سواء عن الانتخابات أو عن غرض وتركيب الحكومة الوطنية التي يتكرر ذكرها. فلنأمل نجاح كل المساعي الخيرة لهذا الهدف.

27 ديسمبر 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: الأوضاع في غزة كارثية ج


.. جهاز الشاباك: حذرنا بن غفير والأمن الوطني من استمرار الاعتقا




.. شهادات أسرى غزة المفرج عنهم حول التعذيب في سجون الاحتلال


.. مواجهة شبح المجاعة شمالي غزة بزراعة البذور بين الركام




.. مدير مستشفى الشفاء: وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية صعب ومأ