الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول إصلاح المنظومة التربوية بتونس

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 10 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


في إطار الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية

من المؤشرات الفعلية الأساسية عن ضعف المنظومة القديمة ظهورُقلّة الثقة لدى المواطنين في أدائها بدليل توجه العديد منهم إلى التعليم الخصوصي منذ مدة ، هذا التعليم الذي قد صار يتمركز بصفة ملحوظة وغريبة في أغلب المدن التونسية .
ومن التناقضات العجيبة في تونس اليوم ونحن نشتكي منذ مدة من الفقر والفاقة و قلة ذات اليد ومن التهاب الأسعار بصفة غير مسبوقة ومن ضعف المقدرة الشرائية لدى المواطن أننا لا نزال نرى باستمرار ظهورا متجدد ا للمدارس الابتدائية والثانويات والجامعات الخاصة في أغلب مدن الجمهورية والتي هي وإن دلّت على شيء فهي تدل من جهة أولى على أن الكثير من التونسيين بخير وقادرين على تشييد مثل هذه المؤسسات الهامة رغم تكلفتها الباهظة كما تدل من جهة أخرى على أن الكثير من التونسيين قادرون على مزاولة التعلم في المدارس الخاصة هذه رغم ارتفاع تكاليفهاأوهم مدفوعون إلى ذلك بالضرورة القصوى . والمهم هنا هو ما تدل عليه ثالثا من أن الناس في تونس قد ضعفت ثقتهم في التعليم العمومي أو الحكومي وذلك لأسباب عديدة لم يُرد المسئولون المتعاقبون على وزارة الإشراف تفهٌمها والعمل على تداركها . أهم هذه الأسباب :
- ضعف القيمة الاعتبارية للمعلم منذ مدة طويلة في الابتدائي والثانوي وأحيانا حتى في الجامعي ( باستثناء المرحلة الأخيرة التي بدأت تتحسن فيها أحوالهم ) وعدم الاهتمام به كما ينبغي من الناحية المادية والمعنوية هو ما قلل من اعتباره حتى في نفوس التلا ميذ والطلبة خصوصا منذ أن لجأ الكثير منهم إلى خلق هذه الظاهرة المُزرية ظاهرة الدروس الخصوصية ودروس التدارك، هذه الظاهرة التي تسببت للتعليم في كثير من الخلل وفي كثير من المشاكل ما شجّع على ظهور النزعة المادية الانتهازية لدى الكثير من المدرسين وظهور النزعة الاستغلالية لدى الكثير من التلامذة فضعف بسبب ذلك المردودُ من هؤلاء ومن هؤلاء في الآن نفسه ما دمنا قد صرنا نتاجر بالمعلومة ولم تعد المرجعية فيها لا للضمير المهني من طرف المعلّم ولا للشعور بضرورة القيام بالواجب من طرف المتعلّم .
ولا شك أن ظهور الدروس الخصوصية هذه وحتى دروس التدارك لمؤشر واضح عن فشل عملية التعليم والتعلّم وقد أفضي هذا الفشل إلى إرادة الفشل واستدامته من كل طرف في هذه العملية من المعلم والمتعلم في الآن نفسه وهذا ما حدث لنا بالفعل منذ مدة طويلة وهو ما من شأنه بالتالي أن يحط من قيمة العملية التربوية – التعليمية بكاملها في نفوس كل من المعلمين والمتعلمين على حد سواء ويصيب نفوسهم باللامبالاة وعدم الاهتمام بها كما كان الأمر في ما مضى وعندئذ يعزُف الكثير من التلاميذ عن المواصلة وإذا ما أجبروا على ذلك بتأثير من الأولياء واصلوا فيها دونما الكثير من الرغبة ودونما الكثير من العناية اللازمة ودونما إحساس كاف بالمسئولية إزاءها فيفشلوا بالتالي في هذه الدراسة وينقطعوا عنها بالكامل .
كما أن اكفهرار الأفق وضبابيته في عيون التلاميذ لهو أيضا من العوامل المؤسسة للفشل والانقطاع عن الدراسة ولهذا كانوا غالبا ما يرددون بعضهم لبعض ( تقرأ ولّى ما تقراش المستقبل ما ثمٌاش ). وفي الحقيقة وفي الواقع أيضا فإن هذه الدروس الخصوصية ما هي إلا تعبير واضح وصريح عن تخلي الإطار التعليمي والتربوي عن القيام بواجبه كما ينبغي وكما هو مطلوب منه من الدولة وإلا لما كنا في حاجة إليها أبدا كما كان حالنا في الماضي. .( وإذا ما اختلف التلاميذ بعضهم عن بعض في مستوى الذكاء وفي مستوى القدرة على الفهم والإدراك فليس علاج ذلك في المدرسة ولا يكون ذلك تعلة للجوء إلى الدروس الخصوصية ) وليست المسئولية عن هذه الحالة المتردية على المعلم وحده وإنما هي أيضا على من فتح له المجال إلى الوقوع في هذه الوضعية الشاذة من وزارة الإشراف ومن المؤسسات التابعة لها وكأنما هي تمهد إلى التنصل من مسئوليتها عن التعليم العمومي والتخلي عنه إلى الخوصصة ، فهل سنكون غدا مثل أمريكا نتاجر حتى بالمعرفة ومن ليس له مال ليس له المقدرة على ممارسة حقه في التعلم ؟ قد يكون هذا التوجه نافعا ومفيدا في مجتمع غني وقوي وصناعي وليس فيه بطالة بمثل هذه النسبة العالية الموجودة في بلداننا العربية وبالأخص منها في بلادنا التونسية كما لا يخفى على أحد بأن الخوصصة التى كان يعتمد عليها النظام السابق ويشجّعها في الحياة الاقتصادية هي التي كانت من الأسباب الرئيسية للتنكر له والثورة عليه وما هذه الإضرابات المتتالية في هذه الأيام إلا مظهرامحسوسا وأكيدا عن عدم رضى قطاع المعلمين عن أوضاعهم المتردية باستمرار دونما مبالاة جدية وكافية من الدولة لأصلاحها .
البرامج التعليمية في تونس المعاصرة :
كما أن البرامج التعليمية في تونس المعاصرة ( أو المناهج كما يسمّونها في الشرق العربي ) لم تعد تستجيب في الغالب لحاجة البلد إلى التطور والتقدم في الكثير من المجالات الحيوية الاقتصادية منها والاجتماعية والتكنولوجية ولم تعد تُهيٌئ لمواطن الشغل المطلوبة والضرورية للإنسان التونسي ما جعل التلامذة والأولياء معا غير مبالين كثيرا بالاستمرار في الدراسة إلى حد بعيد ،هذا وأن ضغط الإحساس بالحاجة إلى العمل وبضرورة الانخراط في الحياة الاجتماعية في وقت مبكر ( والعمر اليوم قد صار قصيرا و يمر سريعا )هو ما يدفع بالكثير من الناس إلى التفكير في اختصار مدة الدراسة لربح المزيد من الوقت المخصص للتمتع بالحياة العملية ويظهر هذا النوع من التفكير عادة لدى الطبقات الفقيرة العاجزة حقا عن المواصلة وإذا ما ظهر هذا النوع من التفكير أيضا لدى الأغنياء فمن باب المحاكاة والمنافسة أو من باب الرغبة في الزيادة في الربح والتمتع بمنافع العمل حتى أن الكثير من الناس اليوم في أوروبا قد صاروا يرون المواصلة في الدراسة من باب الرخاء والترف وليس هو في متناول كل الناس في هذا الزمن ولم يعد هو بالضرورة الوسيلة الوحيدة للبحث عن مواطن الشغل وصنع المستقبل .


الحلول الممكنة :

مبدئيا ليس بإمكان المجتمع المدني التونسي في رأيي أن يتقدم بالحلول لهذه المشكلة وإنما بإمكانه المشاركة باقتراحاته وتصوراته فحسب لأن المسألة لها أبعادٌ سياسية واجتماعية ونفسية غير محددة ،فالمطلوب إذن هو أن يجتمع خبراء السياسة مع خبراء الاجتماع و خبراء التربية والبعض من رجال التاريخ مع بعض علماء استشراف المستقبل مزودين بأطروحاتهم حول هذه المسألة وذلك للدخول معا في الحوار والمناقشة والنظر في طبيعة المجتمع التونسي في الماضي والحاضر ونظرته إلى المستقبل عساهم يصلون في آخر الأمر إلى ميثاق تربية أو لنقل إلى دستور خاص بالتربية والتعليم يأخذ بعين الاعتبار جميع المطالب التي قامت من أجلها الثورة التونسية مع مراعاة مقتضيات الانتقال الديمقراطي لتونس الجديدة يتفقون حوله و يُعرض على المصادقة من طرف مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية وإلا يُعرض على الاستفتاء الشعبي لآن ما يهم التربية والتعليم يهم تونس بأكملها حاضرا ومستقبلا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ