الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امة على صفيح ساخن ،لماذا يعجز الطرح الإيديولوجي عن إنقاذ الأمة ؟

عبد العزيز الخاطر

2005 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعج المكتبات والصحف العربية بالمئات من الحلول النظرية لمشاكل العالم العربي على اختلاف مصادر واتجاهات هذه الحلول . ومن الملاحظ نشاط هذه الظاهرة المتمثلة في تنوع الطرح الإيديولوجي في مراحل الأزمات والنكسات وينخفض أداؤها بعد ذلك . أما على أرض الواقع فهناك نوعاً من الثبات النسبي لحال الأمة العربية المتردي والذى يزداد تردياً ، فلا تصل تلك الحلول الى هذا الواقع ولا يرتفع ذلك الواقع ليلاقي أطراف تلك الحلول ، وهنا نطرح سؤالاً هل يمكن للايديولوجيا بمفهومها العام أن تصنع أو تغير الواقع ، أم أن الواقع المادي هو صانع الايديولوجيا الفوقية ؟ من وجهة النظر الماركسية المعروفة فالواقع المادي هو أساس الايديولوجيا المكونة من النظام السياسي والاجتماعي وهو ما أطلق عليه أسم المادية التاريخية . ولكن ما حدث في الاتحاد السوفيتي أبان نهضته هو العكس تماماً حيث قادت الايديولوجيا اللينينية والستالينية مواقع التغيير فيه وكذلك غيرت الايديولوجيا القومية خلال فترة الخمسينيات والستينيات في عالمنا العربي أجزاء كثيرة من أرض الواقع . ولكن كيف حدث ذلك ؟ لو تطرقنا قليلا الى العالم الغربي أو حتى بعض دول العالم الثالث لوجدنا أن معظم الأطروحات الإيديولوجية تصل الى أرض الواقع من خلال قنوات رسمية متمثلة في الأحزاب ولكل حزب إيديولوجية يسعى من خلالها الى الوصول للحكم وهذا غير متأتي في عالمنا العربي بالرغم وجود الأحزاب في بعض الدول العربية إلا أنها شكلية الى حد كبير ويبقى الحزب الحاكم أو حزب الرئيس هو الايديولوجيا المسموعة والغير قابلة للتغيير إلا بتغيير الحكم نفسه وتظل الأحزاب الأخرى تدور في فلك ذلك الحزب ، وأن كان لهذه الايديولوجيا وجود حقيقي كبعض التكتلات في مجلس الأمة الكويتي ومجلس الشعب المصري إلا أن وصولها الى الحكم بعيد المنال ، أذن هناك عناصر لابد من توافرها لتجعل من الايديولوجيا قابلة للتطبيق ومحققة لذاتها .
أولا : يجب أن ينطلق الطرح الإيديولوجي من معنى إنساني مشترك للجميع ويهدف كذلك الى إيجاد إطار مشترك إنساني يقوم على كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم مصون الجانب والكرامة له حريته الشخصية في إطار القانون بالإضافة الى وجود الأجندة الخاصة به لتحقيق ذلك .
ثانيا : أن يرتكز على قيم بمثابة الرافعة والمثبتة له ولأطروحاته وتأخذ في اعتبارها الصالح العام والمصير المشترك لجميع أفراد المجتمع رغم خصوصية أطروحاته إلا أن هدفه الأساسي الصالح العام ومن هذه القيم قيمة التسامح .
تسعى جميع الدول العربية لزيادة الرقعـة الخضراء في عالمنا العربي ، إلا أن هناك عنصر آخر أعتقد بأنه يجب أن يحظى بالأولوية وهو زيادة مساحة التسامح داخل العقل العربي فبالرغم من أنها من أعظم القيم التي نادت بها الديانات السماوية إلا أنها لا تحتل إلا اليسير في عقلنا العربي المعاصر في حين يحتل الجزء الأكبر منه ضيق الأفق والتعصب بأدواته من تكفير وزندقة وخيانة .... الخ فالتسامح هو أساس الحضارة الغربية الديمقراطية بالرغم من أن ولد إسلاميا إلا أننا تنكرنا له في حين تبناه الغرب .
قيمة التضحية : قيمة أخرى عظيمة غائبة تجعل من الطرح الأيديولوجي غير ذي معنى فالتضحيات هي أداة التعبير أنظر كيف استطاعت هذه القيمة من أن تغير من واقع كثير من الشعوب المضطهدة وقلبت بالتالي جميع الموازين ولنا في تاريخنا القديم عبره وكيف استطاع المسلمون بتضحياتهم أن ينشروا الدعوة وأن يصلوا بها الى أطراف أوروبا الشمالية بل تمثل هذا أيضاً بين المسلمين أنفسهم من أنصار ومهاجرين . فانسحاب هذا المفهوم من حياتنا وهروبنا منه جعلنا أمة متلقيه للضربات ذليله من أجل " حياة " كما وصفها القرآن لا تتمكن من الوقوف حتى تسقط مرة أخرى .
ثالثاُ : مفهوم المصير المشترك :-
هذا مفهوم جلل يدفع الأمم الى الكفاح والتضحية لا نستشعره البته ، فمفهوم الأمة الواحدة غائب كلياً عن أذهاننا ومن هنا تبدأ المشكلة ، فلكل أدواته للخلاص ويسعى إليه بمنأى عن الآخرين ، فيجب أن نعى بأننا نعامل كشعب واحد عربي مسلم من قبل شعوب وأمم العالم وليس على حسب النوايا الفردية فبيننا من هو أشد تعلقاً بالغرب من أبناء الغرب نفسه ولكنه في وعي تلك الشعوب عربي شرقي مسلم حتى ولو أنكر أسلامه فإنه لا يستطيع أن يخلع جلباب العروبة بسهولة داخل تلك العقول فكم توسلنا وحاولنا التقرب من غيرنا وبشتى السبل ولكن ذلك لم يغير من واقعنا شيئاً فليس أمامنا ألى قبول التحدي الذى تواجهة الحضارات في مراحل تدهورها كما أشار " توينبي " فإن هي قبلت هذا التحدي وواجهته مؤمنة بقوتها ومصيرها المشترك نهضت من جديد وأن لم تستطع ذلك فهي أمة مهزومة ما تلبث أن تندثر ويتشتت تراثها .
رابعاًً : أن يتحقق للطرح الأيديولوجي الأداة والآلية القانونية للمساهمة بصورة فعالة داخل المجتمع من خلال قنوات رسمية لكي يكشف عن محتواه وذلك كما قلنا ضمن ثقافة المجتمع الواسعة ولا باس من تعدد الآراء ضمن الدائرة العربية الإسلامية المحيطة بالمجتمع ككل مع إتاحة الفرصة لهذه التيارات للوصول للحكم وطرح برامجها السياسية . هذه باختصار أهم الركائز الضرورية لجعل الطرح الفكري الإيديولوجي عملاً نافعاً وليس مجرد إثراءً مكتبياً يفقد قيمته خارج إطار المكتبة أو بعد الفراغ من قراءة الجريدة فبدون امتزاج هذه القيم والمفاهيم بالطرح الأيديولوجي بحيث يصبح المصير المشترك هدفه والتضحية أداة لتحقيقه وقبول الفكر الآخر منهجه وبدون كذلك وجود قنوات مشروعة لممارسة هذا الفكر ضمن ثقافة المجتمع يبقى الطرح الإيديولوجي عملاً فوقياً طوبابئياً لا طائل وراءه . تبقى نقطة أخيرة وهي ضرورة تجسير الهوة بين المثقف والسلطة وهي نقطة أثارها بعض المفكرين وتلك تتطلب معادلة دقيقة تتمثل في سلطنة المثقف أم تثقيف السلطة والمسافة بينهما ، لم نتمكن من إيجادها في صورتها المثلى حتى الآن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa