الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرة حول الصخب الهيجلي وعماء الزمن

عبد الناصر حنفي

2016 / 10 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفكر الهيجلي تاريخي بالضرورة، بوصفه ما يمثل تقلب الروح داخل التاريخ واندفاعها تجاهه، ولكنه بالمقابل غير زمني تماما، فالنقلة الجدلية عند هيجل تبدو وكأنها لا تبالي بالزمن على الاطلاق، بحيث يستوي أن تكون هذه النقلة فورية أو أن تستغرق دهورا لتحقق ذاتها.
هذه الملاحظة تاهت دائما في خضم الصخب الهيجلي العظيم، الذي لا يزال مستمرا، وبعض ملامحها كان له حضور مؤقت بقدر ما هو عابر في نقاشات المادية/المثالية، ومراجعات "السيقان"، أو "العكاكيز"، التي أضافها ماركس للجدل الهيجلي.
ولكن كل هذا الصخب لم يعد قادرا على أن ينسينا أنه لا يوجد تاريخ خارج الزمن، فالتاريخ في النهاية هو محض حكاية "نظامية"، ذات طبيعة خاصة، مشتقة من المسار الزمني، وأي تاريخ يمكن النظر إليه بوصفه كذلك لابد أن يوفر لنفسه بعض القواعد التحويلية التي تتيح رده إلى ما هو زمني، والفشل في هذه النقطة يعود بما يدعي أنه تاريخ إلى أصله: أي محض حكاية.
كان هيجل أكثر ارتباطا بكانط مما قدر لنفسه، ولذلك اكتفى بالتعامل مع الزمن بوصفه مقولة كانطية، مجردة، يمكن طيها داخل مقولات أخرى أكثر تجريدا، ثم تركها هناك، ونسيانها تماما، لكن الزمن ليس مقولة بقدر ما هو ذلك العماء غير المنتهي، والذي لا يمكن استنفاده، لسلاسل العمليات التي تجري في العالم، وقائعه، تبدياته، أحداثه، لحظات الظهور والاختفاء، والتقلب بينهما.. الخ، والانصياع الهيجلي تجاه تجاهل "الزمن" هو في النهاية استمرار لتلك الاستجابة الابستمولوجية المدرسية التقليدية، والتي تنبني على استراتيجية عكسية في التعامل مع الزمن، فبدلا من رد ما هو زمني إلى الزمن، يتم اشتقاق الزمن مما هو زمني، وتلك الاستراتيجية رهينة في فعاليتها ببقاء عمليات التحويل بين الزمن وما هو زمني نشطة ومنفتحة إلى اقصى قدر ممكن على كافة التحولات التي تطرأ والمساحات التي تتخلق عبر ظهور "ما هو زمني".
ولكن ما يميز الاستجابة الهيجلية هنا ويمنحها اغوائها هو أنها تطوي الزمن داخل ما سيبدو وكأنه نظيره الأقرب له، والكيان الوحيد الذي يدعي قدرته على ابتلاعه أو السيطرة عليه: أي التاريخ، أو بالأحرى تاريخ ظهور الروح، بحيث سيبدو الأمر مع هيجل وكأننا نقف في النقطة التي ينبغي أن ينتهي إليها كل ما هو زمني، وبالتالي فإذا كانت "أنهار" الزمن تصب في النهاية حيث نقف فما جدوى السعي وراء الينابيع الصغرى والتفرعات المتكاثرة بلا نهاية.
وطبقا لهذه اللعبة الهيجلية لم يعد يتعين على التاريخ أن يرد نفسه إلى الخارج حيث ما هو زمني، بقدر ما بات يغلق بابه في وجه الزمن بوصفه ما تم استيعابه داخله وانتهي أمره ولم يعد جديرا بالالتفات، أما ما هو زمني فقد أصبح من المتوقع أن يلقى بذاته إلى حيث تنتظره مصيدة التاريخ الهيجلي.
وبغض النظر عما استطاعت هذه المصيدة اقتناصه من الماضي "المتبعثر" لما هو زمني، بكل ما صاحب ذلك من صخب مدوي، فإن هذه اللعبة لم تنزع عن الزمن عماءه، بقدر ما أعادت غرز هذا العماء داخل السياقات الهيجلية، حيث باتت المسافات المظلمة والشديدة الوعورة تتخلق على نحو مستمر بين كافة مكونات البناء الهيجلي "العظيم"! وأغلب محاولات "العودة إلى هيجل" كانت تسعى بالأساس إلى طمس هذه المسافات على نحو أو آخر، في هذا الموضع أو ذاك، ولهذا ظلت تعاني من محدودية النتائج وقلة الحسم.
إن العودة إلى هيجل، أو العودة إلى ذلك المصب الصاخب حيث يأتي ما هو زمني ليكشف عن ذاته، لم تعد مجدية، وربما بات علينا التفكير في "العودة بهيجل" إلى حيث يمكن رده ومساءلته انطلاقا مما هو زمني، ومواجهته بعماء الزمن بدلا من استخدامه كوسيلة لنفي أو تجاهل هذا العماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص