الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقه العقاب وفقه المعالجة

سعادة أبو عراق

2016 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فقه العقاب وفقه المعالجة
فقه العقوبات ، مادة واسعة وثرية حظيت باهتمام مركّز من قبل الفقهاء والأئمة الأوائل، وذلك أنه يهدف إلى صيانة حقوق الناس :أعراضهم وأموالهم وأرواحهم ، كما يهدف إلى وقف يد الظلم والاعتداء من أولئك الذين تسول لهم انفسهم بعمل الشر، بشكل مقصود أو غير مقصود.
وهذا العمل الحضاري التي وضع أسسه الإئمة الأوائل كانت نبتا على الآيات القرآنية ، ذلك أن الله كان ينزل أوامره ونواهيه بشكل تحريم وإباحة ، كما انزل الحدود والعقاب على من اعتدى على حرماته بشكل واضح لا لبس به ، ولم يلجأ الله _ كما في الأنظمة الحديثة _ إلى تعليل الحكم، بل معتمدا على الأفكار البديهية، ليستوضح الناس العدل ويتقوا الجور والبهتان، ذلك أن العرب في ذلك الوقت لم يكونوا أصحاب نظر، أي أنهم يمعنون النظر في الأمور. لذلك كان من العبث مخاطبتهم بالأساليب المنطقية والعقلية التي نألفها ونتبعها في عصرنا الحاضر.
ولقد تجلت الحدود في مور محدودة وهي الزنا والسرقة والقتل، وكانت الآيات واضحة وصريحة ومباشرة، ولا مجال فيها للتأويل أو التفسير.
1- عقوبة القتل العمد جاءت في سورة البقرة أية 179 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)
2- عقوبة الزنا جاءت في سورة النساء آية 15 (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) والآية الثانية من سورة النور(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
3- عقوبة السرقة جاءت في سورة المائدة آية 39 (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
4- عقوبة الإفساد في الأرض جاءت في المائدة آية 33 (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وهذه الآية تنطبق في حالة الفوضى المجتمعية.
هذه للحدود التي انزل الله فيها نصاً واضحاً وصريحاً ، في القضايا الأبرز في ذاك المجتمع، وهي القتل والزنا والسرقة ، لذلك وجدنا إغراقا غير مبرر في التشديد على هذه الحدود، حيث أضافوا من التوراة حد الرجم للزاني المحصن، اعتمادا على آية يقولون إنها نسخت لفظاً وبقيت حكماً وهي آية 0 (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا بما استمتعا به من جسديهما...) ويقال (إن داجنا أكلها في بيت عائشة يوم وفاة الرسول. ص.)، كما استحدثوا عقابا للواط ، لم يأت الله بعقوبة له في سياق إخباره عن قوم لوط، وهي عقوبة التردية من أعلى بناء في المدينة، وهي عقوبة مأخوذة عما ورد في التوراة، وكذلك عقوبة الخمر الذي تم النهي عن شربه، ولم يضع الله عقوبة الجلد على الشارب، وكذلك الردة حيث لم يضع الله عقوبة على المرتد عن الإسلام في الدنيا، إنما جعل العقاب له في الآخرة, ذلك أن الله يعلم السرائر ولا يعلمها البشر. لكنهم وضعوا لها حد القتل.
نستطيع أن نتفهم موقف الفقهاء من تغليظ العقوبات على الجناة انطلاقا من قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، واعتقادا منهم أنهم كلما أسرفوا في العقاب كلما ارتدع البغاة، ولكن نرى انه وبقدر ما استحدثوا من عقوبات شنيعة مأخوذة من التوراة، فإنهم لم يستحدثوا عقابا يعالج قضايا هامة مثل الربا، فالمعدم الذي الجأته الحاجة إلى سرقة حفنة تمر كي يسد مسغبة عياله، تقطع يده لكي يصبح معاقا، أما المرابي الذي يستغل حاجة المعدمين فتطلق يده لتدمير المجتمع وتكريس البؤس والفاقة، كما ليس هناك عقوبة على المحتكر والمغالي بالسعر، وأيضا القمار أو الميسر فهي آفة نفسية وعقلية تلجئ صاحبها إلى الكسب غير الصحيح، فكان على الفقهاء أن يقطعوا أيدي المرابين والمحتكرين ومدمني القمار وليس اللصوص المعدمين، لكنهم لم يفعلوا ولا استطيع أن اجد لهم عذرا.
وكذلك مسألة الرق الذي ظل مستشريا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حتى منعتها عصبة الأمم، ولكنها بقيت عندنا إلى أيامنا هذه في مورتانيا بشكل واضح، وبشكل آخر منه في اليمن والسعودية وغيرها من بلاد المسلمين, فالله لم يمنع الرق بشكل واضح وصريح، وربما كما يقول بعض المدافعين عن ذلك، انه تركها لكي تنتهي تلقائيا مع الزمن، ولكن الذي أنهاها هو أبراهام لنكولن، وليس الفقهاء والأئمة، فكيف تأتى للفقهاء هذا التناقض مع الدين وأحكام الدين الأولية، بل كيف لم يفترضوا أنفسهم رقيقاً يباعون ويشترون ويهانون وينكحون ويخصون، وكأنهم حيوانات لا مشاعر عندها ولا إحساس، ولو افترضوا ذلك لحظة، لما راحوا يضعون القوانين الخاصة بالرقيق، وكأنهم مخلوقات غير إنسانية، كنكاح الإماء اللامحدود، ودية العبد المقتول التي هي نصف الدية، ويجوز لسيده أن يطلق من العبد زوجته ويتزوجها لنفسه، وغيرها الكثير، أليس هذا فقه ينقص من حقوقهم وإنسانيتهم.
يبقى أن نعذر الفقهاء في عدم استطاعتهم التوصل إلى (فقه الإصلاح) قبل ( فقه العقاب), وتحليل المشاكل والوقوف على المسببات التي هي فوق طاقة الإنسان، أن العلوم الإنسانية وخاصة علم النفس والعلوم الاجتماعية والطبية وغيرها من العلوم الحديثة، التي لم تكتف فقط بإلقاء اللوم على الشيطان، أو الشر المتأصل في الإنسان، وإن كل الأعمال التي يقوم بها إرادية محضة، وبوسعه أن يفعلها ولا أن يفعلها، وهذا جعل العقاب هو الوسيلة الأسهل، وهكذا وجدنا الإمعان في العقوبة يتصاعد مع عقم العقاب عن ردع المجرمين، وهكذا امتد وتشعب وتغلغل في المجتمع كثقافة تفاهم بالقوة بدل التفهام بالأفكار، وأسلوب تعليم للصبيان الذين لم تقو أذهانهم على الفهم، بأن يضربوا بالفلقة وبالعصي ليس لأنهم شاغبوا أو اذنبوا إنما لأنهم لا يستوعبون ما يقال لهم ، وفي المقابل شاع أسلوب النصح والإرشاد والوعظ، واخترعنا في العصر الحديث مبدا المناصحة، وكل هذا امر سهل ومجاني ، وما كانت النصيحة بجمل، فهم يفترضون السارق أو الزاني أو شارب الخمر جاهل أو قادر على ضبط سلوكه، ولا غرو في هذا المآل، فنحن حاربنا المنطق على انه علم الكافرين، وذهبنا للأخذ بأفكار الصالحيين، وكأنهم بشر لا يخطئون، أو يعلمون فوق ما يعلم البشر، وحاربنا اصحاب العقل كالمعتزلة وإخوان الصفا الذين كانوا يفكرون تفكرا علمياسليما.
اذن لا تثريب على الأقدمين الذين لم يملكوا فكراً تحليلياً ومنطقاً للبحث والتجريب، إنما الإثم على الأئمة المعاصرين، الذين يرون الإفتاء مقتصر على ما قاله الأقدمون، وحفظ أحكام الشريعة بقضايا تجاوزناها، إنما اصبحوا أسرى لما حوته كتب الأقدمين، بل وظيفة الإفتاء هو في إيجاد الحلول المستحدثة، للحياة المتسارعة والتي يحب أن يبتدرها هؤلاء المتنطعون لقيادة المجتمع والتصدي لمشكلاته، ولا يدرون أننا نواجه ما لم يخطر على بال المشرع القديم ، ، فإنهم تركوا التشريع لمجلس النواب ومجلس الأعيان وأعضاء الحكومة ، وتركوا لأنفسهم دور الببغاوات المردد لما يقول غيرهم.
ومن السخرية أن نرى العلمانيين هم الذين يجدون الحلول للمشاكل والقضايا المستجدة ، والبحث فيما يمكن أن يستجد في المستقبل، ولكن حينما يستقر الأمر نجد أن هؤلاء الإئمة والمفتين والوعاظ قد وضعوا يدهم على أفكار العلمانيين وقالوا عنها إسلامية أو تتفق مع الإسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية