الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشي غيفارا مؤنثاً

رجاء غانم دنف

2005 / 12 / 29
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


أعادتني أغنية للمطربة الكولومبية ناتالي كادور، والتي موضوعها الرئيسي رسالة حب عميقة ومؤثرة للثائر الأممي تشي غيفارا،أعادتني إلى أيام ماضية كنا كشبيبة صغيرة، نضع صور هذا الثائر في كل مكان نتواجد فيه، من غرفة النوم وحتى الكراسات المدرسية .
في ذلك الوقت الغضّ، لم أملك مشاعر واضحة تجاه هذا الشخص. ليس إلا مشاعر احترام وانتماء جمعي، وإعجاب نظراً لجماله الآخّاذ والملفت برأيي .ومع التقدم في العمر والتجربة، وقراءة آثار هذا الثائر ،وفهم الآلية التي حاول بها أن ينفذ أحلامه وتنبؤاته حول الثورة والتحرر،لم تمتلك مشاعري إلا أن تتفاقم وتتأجج نحوه، وإن اتخذت شكلاً صامتاً لا تقديس فيه .
وشيئاً فشيئاً كبرت .ومازالت جمرة الثورة تتّقد بداخلي ،تغذيها مقومات كوني امرأة في مجتمع لا يرى في النساء إلا فروجاً للنكاح ولحفظ النسل ،وتغذيها آلية تفكير لمجتمع لا ترى في الرأي المخالف، والمتعدد ،سوى شكل من أشكال العمالة والتجسس والانحطاط ،وتغذيها مؤسسات مجتمع ، ما زالت تنتج وتعيد إنتاج كل سمات هذا المجتمع وعلاقاته المتناقضة ،إذن البذرة الصغيرة للثورة على كل شيء كانت تكبر شيئاً فشيئاً .
اليوم تعيد هذه الأغنية إحياء ذكرى تشي غيفارا بطريقة خاصة وأنثوية للغاية، حيث تلعب المطربة دور ثائرة تعود لترى جسد تشي غيفارا وهو مسجى.وفي هذه اللحظة تدرك أن "الشخص" أو "الجسد" قد رحل، ولكن بقيت الفكرة. وهكذا تسير هذه المرأة في شوارع تمتلئ بوجوه تتطلع نحو الحرية والانعتاق، وجوه لاتينية متعبة ومنسية عشقها غيفارا، ومات من أجلها مبتسماً راضياً بما قدّم ،وإن كانت الأغنية إحياءاً لأغنية لاتينية قديمة لتشي ،غنيت واشتهرت بعد موته مباشرة، إلا أن العمل الفني ،ورؤية الإخراج ،والإطار المبدع، كانت عناصر تستحق الاعجاب والتقدير .
لعلّ الحامل الاكبر لتركة غيفارا هنّ النساء ،وهذا ما أبرزته الصور واللقطات الذكية في الأغنية ،فالمطربة التي بدأت مسيرة حب ووفاء لغيفارا بعد موته(وكما تقول كلمات الأغنية) ،ما لبثت أن رافقتها جموع نسائية غاضبة ومعفّرة بإرث طويل من الكدح والألم والإقصاء،وما الاطفال الذين كانوا على أيدي هؤلاء النساء سوى أحلام صغيرة تركها الرفيق، وأنبتتها نساء الارض ليس بالمعنى الإنجابي الضيق فقط ، وإنما بالمعنى الإنساني الخصب والممتع ،المتمثل بإكمال مسيرة هذا الثائر،وإعادة إنتاجها مراراً بوسائل جديدة .
المطربة المتألقة قدمت فقرات فيها الكثير من التعبير الجسدي القوي والممتلئ بالدلالات الحية والغاضبة ،ولكنها لم تقدم عرضاً رخيصاً على أي حال ،بل كان جسدها امتداداً ملموساً وحسياً للفكرة نفسها ،فكرة أن النساء هنّ الحاملات الحقيقيات والأكثر وفاءاً لفكر غيفارا ونهجه.
كان رائعاً أن أرى أغنية أنثوية لهذه الدرجة ،أغنية ما زالت وفية لقيم ثائر جميل بحجم غيفارا. في عصر تضجُّ قنواته الفضائية بعرض أجساد النساء والرجال، كسلعة دعارة مربحة ومضمونة النتائج .
كان رائعاً أن تستفزني أغنية بهذا الحجم ،فتبكيني وتضحكني وتُجِّلُّني في آن واحد معاً .
شكراً لناتالي ولأمريكا اللاتينية
وشكراً للملهم الكبير .

رجاء غانم دنف
14/11/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشاركة تيجان شلهوب


.. المشاركة أمل المدور




.. المشاركة في الاحتجاج نجمة حطوم


.. المشاركة تفريد الباسط




.. -بالزهور وسنابل القمح مستمرون في حراكنا السلمي-